آراء

لا تجعلوا النصر في الفلوجة طائفيا

qassim salihy(كارل شمبري) رجل نرويجي من المجلس النرويجي للا جئين يعمل ضمن حملة المجلس لمساعدة نازحي الفلوجة. ولأنه ليس سياسيا ولا امريكيا ولا سعوديا ولا ايرانيا فأننا نعدّ ما يقوله شهادة موضوعية. ففي مقابلة معه في برنامج (اليوم) راديو 4 ، البي بي سي الانكليزي افاد بأن عدد النازحين من الفلوجة بلغ (85)ألفا وأنهم يعيشون وضعا مأسويا. وأضاف بأن الفلوجيين هربوا من القتال والقصف المكثف ليواجهوا جحيم الموت عطشا وجوعا تحت درجة حرارة تجاوزت الاربعين مئوية، سترتفع الى خمسين مئوية في تموز، ونحن غير قادرين على توفير الماء والطعام والدواء.

 وعلى ذمة (هيفاء زنكنه) في تقريرها بتاريخ 28 حزيران، فان الحشد الشعبي اقام (الأثنين 27 حزيران) حفلا دينيا وسط مدينة الفلوجة رفعت فيه صور للمرجع السيد علي السستاني والمرشد الايراني علي خامنئي ورجل الدين السعودي نمر النمر، وحضرته زعامات دينية من النجف وكربلاء وقيادات في الحشد الشعبي، بينهم أبو مهدي المهندس الذي أعلن في وقت سابق من صباح اليوم الإثنين عن أن الحشد لن يخرج من داخل الفلوجة وسيبقى فيها، مع علمه انه من دون مسك الأرض في المدن المحررة من قبل اهلها لن يكون هنالك تحرير وسلم اجتماعي بين الطائفتين.

*

في تحرير تكريت .. كنا كتبنا مقالة بعنوان (لا تجعلوا النصر في تكريت شيعيا)، ويبدو ان المشهد يتكرر في الفلوجة باستثناء أن بعض مقاتلي الحشد الشعبي الذين دخلوا الفلوجة ما كانوا يضعون على رؤوسهم (بيريات) كتب عليها (يالثارات الحسين .. لبيك ياحسين). وكان دور الفضائيات الشيعية اخف في تحرير الفلوجة مقارنة بدورها في تحرير تكريت التي راحت تفاخر بنصرها الذي صورته شيعيا خالصا. وخف ايضا تواجد رموز شيعية في تكريت باساليب تنافس ومزايدات، وبرسالة انتقامية صريحة لأهل تكريت (صدام) بأن ساعة الحساب قد حقت. وحدث الشيء ذاته يوم ارتدى السيد عمار الحكيم بدلة المقاتلين قاصدا الفلوجة، وراح السيد نوري المالكي يعطي توجيهاته للمقاتلين على خارطة ساحة المعركة في الفلوجة!.

نعم، كانت أخف في الفلوجة، لكن ما يجري الآن يحمل رسائل طائفية صريحة وخطيرة.فما علاقة اهل الفلوجة الذين عاشوا اضطهاد داعش ويعيشون الآن جحيم النزوح بالسيد الفاضل (نمر النمر)؟. وماذا يعني رفع صورته في يوم تحرير الفلوجة .. سوى انها رسالة الى السعودية تحمل الرد في الثأر له وتزيد من توتر العلاقات بين الدولتين وتمنح الفرصة للمغرضين في الرد على الثأر بالانتقام؟

وماذا يعني رفع صورة السيد علي الخامنئي؟هل هو اعتراف بدور ايران في تحرير الفلوجة .. وان النصر الذي حققه الجيش العراقي وقواتنا الأمنية ما كان ليكون لولا قاسم سليماني؟. وأنه اعادة توكيد لما قاله السيد هادي العامري (لولا قاسم سليماني لسقطت بغداد .. وان على العراقيين ان يقيموا تمثالا لقاسم سليماني). وانه اعادة توكيد ايضا لتصريح المستشار الايراني (الشيخ يونسي) الذي صرّح بزهو امبراطوري قبل ان يكتمل النصر على داعش بـ(ان العراق اليوم لا يمثل مجرد مجال حضاري لنفوذنا فيه بل هو هويتنا وثقافتنا .. وان جغرافيا العراق وايران لا يمكن فصلهما،وليس امامنا مع العراق سوى خيارين:اما ان نحارب او نصير حالة واحدة)، ما يعني انه تعزيز لما اشار له الجنرال الامريكي ديمبسي بان تعمّق النفوذ الايراني في العراق يثير قلقا في المنطقة خصوصا الدول العربية، وتصريح صاحب الخبرة العسكرية الكبيرة في العراق، الجنرال ديفيد باتريوس بقوله: (ان الميلشيات الشيعية في العراق اخطر من داعش .. وانها تستولي على الاراضي بدعم من ايران) .. وهي امور تذكي الفتنة الطائفية فضلا عن انها تجاوز مهين على سيادة الدولة العراقية .. ما يعني ان يكون هنالك احتفال شيعي خالص في داخل الفلوجة فان هذا سيجري فهمه على ان الشيعة دخلوا الفلوجة (فاتحين) لا محررين،وان المغرضين سيوظفونها برسالة استفزازية خلاصتها ان عليكم يا اهل السنة ان تكونوا مطيعين لأوامر سادتكم الشيعة!.وعندها ستنتعش سيكولوجيا الشائعات في اعادة خلق الفتنة الطائفية.

  لقد جرت حملة تشهير بالحشد الشعبي وراحت بعض الفضائيات تسميه بميليشيات الحشد. ومع ان 15 الى 20% من هذه القوات هي خارج سيطرة الدولة بحسب تقرير اميركي بث في 28 حزيران، فان 80% منها تحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة. ويجب علينا ان نشيد بالدور الكبير الذي قام به المجاهدون في الحشد الشعبي وما قدموه من شهداء في معارك الصد والتحرير .. غير اننا نريد للنصر الذي يحققه ابطال الحشد ان يكون عراقيا خالصا في الرايات والنوايا، بعد ان امتزج دم الشيعي ودم السني في تحرير تكريت والفلوجة. ونريد لمقاتلي الحشد الشعبي الابطال ان يحملوا اغصان الزيتون في تحريرهم للمدن الغربية، لا الرايات الملونة (والبريات) المكتوب عليها عبارات الثأر المتوعدة بالأنتقام.

 

أ. د. قاسم حسين صالح

 

في المثقف اليوم