آراء

هكذا العراق بعد تحرير الفلوجة... فكيف سيكون بعد تحرير الموصل؟

mohamadjawad sonbaالتفجيرات في العراق اعمال ارهابيّة، يُخطَّط لها بدقة من قبل أجهزة مخابراتية متخصصة، تديرها دول معروفة في محيط العراق الاقليمي. تكِنُّ العداء للعراق لأسباب عقائدية محضة. وهذه الاعمال الارهابية، يتم تنفيذها بتوقيتات مدروسة بدقّة.

فبعد تحرير الفلوجة، حدثت عدة تفجيرات في بغداد. وكان أكثرها أذى للعراقيين، تفجير الكرادة الذي حصل قرب حسينية (عبد الرسول علي)، في منطقة (هويدي)، بعد منتصف ليل يوم 2 تموز 2016، وكان عدد الشهداء بحدود 200 شهيد، واكثر منهم من الجرحى، كل هذه التفجيرات تعطي رسالة لكل العراقيين مفادها:

1. ان الارهاب اصبحت له جذوراً في العراق، لا تقلعها عمليات التحرير لوحدها. وانما يجب اتخاذ اجراءآت أخرى، تتماشى مع متطلبات مرحلة ما بعد تحرير الفلوجة. وهذا لا يمكن تحصيله إلا بالدراسة، والاستقصاء والفهم الدقيق لمتطلبات المرحلة الجديدة.

2. الارهاب ليس غبياً كغباء الحكومة المركزية، فالارهاب يعمل بخطط وخبرات متميزة، وبعناصر مدربة تدريباً خاصاً، لم تستطع الحكومة المركزية السيطرة عليها. ولا حتى تدريب منتسبيها، للوصول الى مستوى انهاء ملف الارهاب في العراق.

3. الارهاب يمتلك شبكة من المسؤولين العملاء، المأجورين الفاسدين، بمختلف المستويات. وشبكة أخرى من شيوخ العشائر والاعلاميين، ومسؤولين في منظمات انسانيّة دولية ومحلية. هذه الشبكات العنكبوتية، تنتشر في أهم مفاصل كيان الدولة العراقية، (المؤسسات التنفيذية والتشريعية والقضائية). وهذه الشبكة من العملاء والفاسدين، تتكفّل بالتستر والتغطية، على جميع الانشطه الاجرامية للارهاب.

4. من أهم مواصفات منظومة شبكة العملاء المأجورين والفاسدين، أنها تعمل في الدوائر الاقرب، من اي مسؤول رفيع المستوى في الحكومة المركزية. وهذا هو جوهر ما يسمى بالاختراق الأمني للدولة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ان الدائرة القريبة من السيد وزير الداخلية، محمد سالم الغبان، هذا الرجل المجاهد الشجاع، لم تكن مخلصة في تقديم مشورتها للسيد الوزير، (قبل اشهر قليلة من الآن)، عندما اقترحت عليه احالة حوالي 3000 ضابط، من وزارة الداخلية، الى الإمرة، أو الى التقاعد. وكان من بين هذه المجموعة، الكثير من الضباط الكفوئين، المخلصين من ذوي الخبرة الجيدة.

نعم يوجد من بين هذه المجموعة المذكورة اعلاه، الكثير من الضباط الفاسدين والمرتشين، وعديمي الكفاءة والفائدة. لكن مقترح ترشيق الوزارة، شمل العديد من الأشخاص الكفوئين أيضاً، وهذا ليس عدلاً.

5. دور المنظومات الارهابية، الوارد ذكرها في الفقرتين ( 3 و4) أعلاه، تعمل كجدار حماية للارهابيين، وكمنظومة متشعبة في داخل وجود كيان الدولة العراقية، متخصصة في عرقلة اي تشريع، او اي اجراء حكومي، لضبط الأمن في البلاد.

6. توجد فراغات في التشريع والقضاء، وفي الانظمة الادارية لدوائر الشرطة والدوائر الامنية. هذه الفراغات القانونية، تعاني منها الكثير من دوائر الدولة المختصة بمكافحة الارهاب، بحيث اصبحت هذه الفراغات، تخدم بشكل وآخر، ديمومة وحماية المنظمات الارهابية والارهابيين.

7. غياب عنصر الردع القانوني للارهاب والجريمة، الذي يعتبر الوسيلة الاكثر نجاعة، في تحجيم الجريمة والارهاب، في كل دول العالم. فمثلاً رئيس جمهورية العراق، يمتنع عن توقيع أَوامر اعدام الارهابيين والمجرمين، الصادرة بحقهم احكاماً قضائية. ربما لوجود صفقة، بين الدواعش والمسؤولين الاكراد، تقضي بغض النظر عن اعدام الارهابيين، مقابل عدم قيام الارهابيين، بتفجيرات في مناطق كردستان. وما واقعة اطلاق سراح الارهابي محمد الدايني، إلا نموذجاً لمثل هذه الصفقات المشبوهة. وهذه الحالة المخالفة للقانون والدستور، نجدها تسير بنفس الوتيرة على مستويات الأدنى فالأدنى في الحكومة العراقية.

8. ما بشّرت به دوائر المخابرات المسؤولة، عن ادارة الارهاب والجريمة في العراق، على لسان مسؤولين واعلاميين، مأجورين لتك الدوائر المختصة، بأن هناك مرحلة اطلق عليها عنوان : (العراق ما بعد داعش). وهذا ليس عنواناً لموضوع اعلامي، وانما كان عنواناً لمشروع ارهابي جديد، لكن بتكتيك مستحدث.

9. يتضمن مشروع (العراق ما بعد داعش)، نقطة مهمة وجوهرية، هي الاستفادة من الشباب والرجال، الذين كانوا يعيشون تحت اجنحة داعش وأنظاره، في الفلوجة. هؤلاء الشباب والرجال، الذين ظهروا على شاشات العديد، من القنوات الاعلاميّة، وهم يتباكون من ظلم داعش لهم، ويحكون قصص الجوع والعطش والحرمان، الذي اذاقه اياهم تنظيم داعش. لكن في الحقيقة (وكما يظهر عليهم، من خلال ما يُبث من تسجيلات مصورة لهم)، انهم بأحسن حالة صحية ونفسيّة ولياقة بدنية، ولا أثر للجوع والحرمان عليهم، (كما ذكروا في قصصهم الكاذبة والملفقة بذكاء ودهاء بارعين).

10. هذا الجيش من الشباب والرجال، الوارد ذكرهم في الفقرة اعلاه، سيكون الكثير منهم عناصر لتنظيم داعش، تتحرك بكل حرية بجميع انحاء العراق، لتنفيذ اعمالهم الارهابية البشعة، بعدما كانوا محصورين، في مناطق جغرافية محددة من العراق.

ختاماً أنا لا اريد ان اشيع حالة اليأس والاحباط، في نفوس الآخرين. أو أقوم بنقض العزائم وفسخ الهمم، بقدر ما اريد ان أنبّه وأشير، الى حالات الخلل في مفاصل الدولة العراقية، التي يزداد فشلها يوماً بعدآخر . هذا الخلل المتزايد مع الايام، هو الذي جعل الارهاب، ينمو وينتشر في العراق، وبالنتيجة ابادة العراقيين بالتدريج.

 

  مُحَمَّد جَواد سُنبَه -   كاتِبٌ وَ بَاحِثٌ عِرَاقي

 

في المثقف اليوم