آراء

السِّيَّادَة إرثٌ حَضَارِيٌّ لا يجب أن يَسْقُطْ .. بغداد نموذجا

eljya ayshسمّاها عالم الآثار الدكتور بهنام أبو الصوف بعروس الدنيا وإرث الحضارة

(أمريكا ضربت كل المبادئ الإنسانية عرض الحائط)

يرتبط مفهوم السيادة بمفهوم الاستقلال، فالدولة المستقلة هي الدولة السيدة القادرة على ممارسة مظاهر سيادتها ، وإدارة شؤونها الداخلية والخارجية بشكل مستقل وبحرية دون تدخل من أحد، والسيادة حسب تعريف الفيلسوف الفرنسي جان بودان هي سلطة الجمهورية العليا والمطلقة والأبدية، بحيث يعد أول من بلور نظرية متكاملة لمبدأ السيادة، ، وقد أقرت عدة معاهدات منها معاهدة "وستفاليا" التي أنهت الحروب الدينية في القارة الأوروبية وأقرت مبدأ "سيادة الدولة" على إقليمها، ومعاهدة "مونتافيديو" عام 1933 ، المتعلقة بحقوق وواجبات الدول، ومن بعدها "ميثاق الأمم المتحدة" الموقع في العام 1945 ، وقالت أن هذا المبدأ يمنع تدخل دولة في شؤون دولة أخرى، ويمنع التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة وسلامة واستقلال أية دولة، غير أن العديد من الدراسات حصرت مفهوم السيادة في الحدود الجغرافية أي سيادة وطنية ، وربطوها بحرية الرأي والتعبير، وحرية التجارة والتنقل وحرية تشكيل أحزاب سياسية وتكوين نقابات حرة ومستقلة.

وترى النظرية الويلسونية (نسبة إلى الرئيس الأمريكي ويلسون) أن مفهوم السيادة هو تغليب منطق المثل والمبادئ الإنسانية على منطق القوة والإيديولوجية، فقد جسد الرئيس الأمريكي ويلسون في بداية القرن العشرين، 14 مبدأ لإرساء نظام دولي أو جماعة دولية أساسها التعاون والثقة والسلام بين الدول، غير أن هذه المبادئ اصطدمت بحق سيادة الدول وسيادة الشعوب، كما أن المفهوم الكلاسيكي للسيادة لم يعد قادرا على مسايرة التحولات الدولية الجديدة، التي مكنت من انتعاش ثقافة سياسية جديدة تحيي روح نورمبرغ، l’esprit de Nuremberg وعودة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، كما أن اتساع شبكة الدفاع عن حقوق الإنسان، دفعت بالولايات المتحدة الأمريكية إلى تجاوز مبدأ "السيادة"، وضربت كل المبادئ الإنسانية عرض الحائط ، وفرضت واجب التدخل le devoir d’ingérence لحماية حقوق الإنسان، حيث قامت بالتدخل العسكري أثناء أزمة الخليج، وتدخلها في الشأن العراقي، في الوقت الذي تجاهلت فيه انتهاكات حقوق الإنسان من طرف إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

فما يشهده العالم اليوم إثر سقوط بغداد جراء الاحتلال الامريكى والإرهاب والطائفية وتنظيم داعش الذي انضم مؤخرا لقائمة مدمري بلاد الرافدين، يعيش العراق في دوامة العنف والدمار والقتل اليومي على أيدي عصابات السلاح والمخدرات والآثار وتجار البشر، وكان آخرها الهجوم الانتحاري الذي وقع في حي الكرادة وسط بغداد والذي ارتفعت حصيلته إلى 292 قتيلا، ومما لا شك فيه، هو أن الوضع الذي تمر بها العراق اليوم يضع سيادتها على المحك، فالحرب على العراق تم التخطيط لها في سياق الحرب المعلنة على الإرهاب، والتي أعلنت عنها الإدارة الأمريكية بعد حوادث 11 سبتمبر 2001، والحقيقة أنها جاءت من أجل إعادة صياغة الخريطة الجيوسياسية لما هو معروف بالشرق الأوسط الجديد، فيها سقطت عاصمة العباسيين، بغداد التي سماها عالم الآثار الدكتور بهنام أبو الصوف بعروس الدنيا وإرث الحضارة، احتضنت أقدم أكاديمية علمية عرفها تاريخ البشرية، حيث سميت بمدينة السلام، لأن نهر دجلة يقال له وادي السلام.

وسقوط بغداد حسب المحللين يشبه سقوطها أمام الغزو المغولي عام 1258 ، حيث قتل المغول البغداديين ودمروا المدينة، وقضوا على الخليفة المستعصم بالله، غير أن "داعش" اليوم لم يسقط بغداد وحدها، بل أسقط معها الحضارة العربية كلها ، ونسف كل إرث حضاري وسيُمْحَى اسمها من خريطة التاريخ إن ظل الوضع على حاله، وإذا لم تتحرك الأنظمة العربية في قطع الحبل السري بينها وبين البيت الأبيض، إنقاذ ما تبقى من هذه الحضارة، لاسيما والولايات المتحدة تصر على استمرارها في تخويف العالم منها، باسم نظرية محاربة "الإرهاب الإسلامي" وهي النظرية التي وضعها بنيامين نتنياهو، التي أظهر فيها الخط الإيديولوجي العنصري والمتطرف الذي استمده من الفكر الصهيوني، إذ يرى أن الإسلام يشكل تهديدا لإسرائيل، وقد اعتبر نتنياهو وجود جالية عربية إسلامية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية بيئة للإرهاب الإسلامي، وهو يقصد بذلك الاختراق الإسلامي لأوروبا باتجاهيه "السني والشّيعي" وكان يرى أنه لابد من التضييق الإسلام والمسلمين من كل الزوايا، وإذا كانت النظرية تقول أن المغلوب يخضع لقانون المنتصر، فإن المؤرخون يجمعون على أن الحضارة اليوم رغم التقدم الذي أحرزته، تبدو أكثر هشاشة من أي وقت مضى، بحيث غدت الحياة فيها فريسة سهلة للاضطراب والفوضى.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم