آراء

عبد الحسين شعبان: ماذا بعد نشوة النّصر في الفلّوجة؟

abdulhusan shaabanمع تقهقر داعش في الفلّوجة، وانسحاب مقاتليه المفاجىء منها، تمكّنت أن العوائل المتبقية في الفلّوجة من الفرار، وحسب بيانات الامم المتحدة، فإن عدد النازحين الجدد بلغ 68 ألف شخص، وفي ذلك دليل جديد يؤكد على سيطرة القوات الحكومية المدعومة من قوات التحالف الدولي على المدينة، على الرغم من وجود جيوب وألغام ومحاولات للقيام بأعمال انتحارية وتفجيرات يائسة.

وتكاد معاناة الفلوجة التي احتلّها داعش في 2 يناير (كانون الثاني) العام 2014، أي قبل احتلال الموصل بنحو ستة أشهر، هي الأكثر قسوة، حيث ظلّت المدينة محاصرة لنحو 9 أشهر، حتى بدأت العمليات العسكرية لتحريرها في 23 مايو (أيار) الماضي 2016، واستمرّت لنحو شهر تقريباً، أما موضوع عودة النازحين، فقد يطول ويأخذ وقتاً، خصوصاً وأن الأمن لم يستتب بعد، وأن هناك مباغتات يقوم بها داعش، كما حصل في مناطق أخرى من محافظة الأنبار، سواء في هيت أو الرمادي أو غيرها.

ومع خسارة داعش مواقعه في الفلّوجة، لكن قلقاً أخذ يتعاظم بين النازحين منها، خصوصاً في بعض جوانبه الصحية، وقالت منظمة الصحة العالمية إن سكانها يعانون من أمراض جلدية وارتفاع ضغط الدم والإسهال وغير ذلك، وأطلقت حملة لتلقيح الأطفال من احتمال الشلل الذي قد ينتشر بينهم.

وإذا كان هذا في الجانب الصحي والبيئي، فهناك مشكلات كبرى تواجه النازحون، تتعلّق بإعادة الإعمار وبناء المدارس واستقبال الطلاب والطالبات، إضافة إلى إعادة البنية التحتية، ناهيكم عن إعادة الدوائر الحكومية المخرّبة وعودة الموظفين لمزاولة أعمالهم، بما فيهم قوى الأمن والشرطة، وضبط النظام والأمن العام وحماية أرواح وممتلكات الناس، الأمر الذي يحتاج إلى تفاهمات سياسية وتوافق محلي وتخصيص الحكومة الاتحادية المبالغ اللازمة لذلك، بما فيها لتعويضهم عمّا لحق بهم من غبن وأضرار.

أما على الجانب السياسي، فكلّما اقترب موعد تحرير ما تبقى من الأراضي العراقية بيد داعش، وخصوصاً الموصل، كلّما ارتفعت حدّة التوتر السياسي، خصوصاً في ظل غياب إرادة سياسية موحّدة، واستراتيجيات تتعلّق بمستقبل الدولة، فما زال الجدل يتّسع، ويتخذ بُعداً أكثر تطرفاً من السابق، في ظل عملية سياسية يقول الجميع عنها أنها وصلت إلى طريق مسدود، سواء من المشاركين فيها أو المعترضين عليها.

ولم تنفع معها الترقيعات والتسويات، بل إن الانشطار وصل داخل كل مجموعة من المجموعات، فالقوى الشيعية السياسية مثلاً، أصبح من العسير التئامها بعدما حصل بين أطرافها، وخصوصاً بين جماعة مقتدى الصدر من جهة الذي حرّض على الحكومة ودعا الحشود الجماهيرية لاقتحام المنطقة الخضراء، وبين حزب الدعوة، وقد اعترف رئيس الائتلاف الشيعي إبراهيم الجعفري بصعوبة التفاهم، وكان نوري المالكي رئيس الوزراء السابق أكثر تشاؤماً من الأول، كما أن إيران التي لعبت في السابق دوراً توفيقياً لمنع تصدع الائتلاف، ترى نفسها اليوم عاجزة من إعادة اللحمة إليه.

وإذا كان ما صنع الحداد بين الفرقاء من الشيعية السياسية، فإن نظراءهم من السنية السياسية، ليسوا بأحسن حال منهم، سواء من حيث التأثير الإقليمي أو التناحر السياسي، وبعضهم مشارك ومعترض، وآخرون أقرب إلى الحكومة من المجموعات السنية الأخرى، في حين هناك من يخوّن مثل هذه الشراكة، بين تابع ومتبوع، كما هي هيئة علماء المسلمين.

وكان الأكراد طيلة الـ 13 عاماً أكثر تماسكاً، لكن الخلافات دبّت بينهم، وتعطّل عمل البرلمان بسببها بحكم منع رئيسه من المجيء إلى إربيل، ويستمر رئيس الإقليم في موقعه، في الوقت الذي تطالبه كتل أخرى بالتنحي لانتهاء مدة انتخابه، وتدعو لتقليص صلاحيات رئيس الإقليم. وإذا كان الخلاف شديداً بين كتلتي التغيير والاتحاد الوطني الكردستاني في السابق، فإنهما اليوم أكثر تقارباً في إطار تحالف جديد، إضافة إلى الجماعة الإسلامية، وهناك دعوة إلى لامركزية كردستانية، وخصوصاً من جانب السليمانية، لكن إربيل ترفضها وتعتبرها رغبة في التحلّل من سلطة الإقليم أو تسويفها، ومحاولة لإضعاف دور الحزب الديمقراطي الكردستاني.

في ظل هذه الأوضاع المعقدة والملتبسة، قال مسؤول كردي إن إلحاق الهزيمة بداعش يستوجب تقسيم العراق إلى 3 كيانات منفصلة (للشيعة والسنة والأكراد)، مبرّراً ذلك للحيلولة دون إراقة الدماء. وذهب مسرور البارزاني وهو رئيس الأمن الوطني إلى القول إن عدم الثقة وصل إلى مستوى لا يسمح ببقائهم تحت سقف واحد. وأشار إلى أن الفيدرالية لم تنجح، وبالتالي يمكن الذهاب إلى الكونفدرالية أو إلى الانفصال الكامل، لكنه رجّح قيام 3 كونفيدراليات ولها 3 عواصم متساوية، لا تعلو واحدة على أخرى، وليس بالضرورة العيش تحت سقف واحد، بل يمكن أن تجتمع تحت سقف حسن الجوار.

وجاء ذلك على خلفية دعوة مسعود البارزاني رئيس الإقليم إلى إجراء استفتاء على استقلال كردستان هذا العام. وإذا كان الاتفاق على الاستفتاء من جانب جميع القوى السياسية الكردية في السابق، فإنه اليوم يثير تحفظّات من جانب الكتل المعارضة، لرئيس إقليم كردستان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنه يأتي على خلفية انقسامات سياسية ونزاعات حزبية وأزمة مالية، ومشكلات مستعصية بين بغداد وإربيل، ووجهات نظر مختلفة إزاءها، إضافة إلى انعدام الثقة وضعف المؤسسات.

فهل ستؤدي نشوة النصر في الفلوجة أو حتى في الموصل إلى إعادة المخاوف القديمة، بخصوص وحدة العراق، خصوصاً والأمر لا يتعلق بالنصر العسكري، بل محاولة القوى المختلفة توظيفه لصالحها، الأمر الذي قد يسهم في زيادة التوتر القائم، بخصوص المادة 140 والمناطق المتنازع عليها، ويزداد الأمر اليوم تعقيداً بشأن المناطق التي يتم تحريرها، فهل ستكون من حصة إقليم كردستان، أم أنها تعود إلى السلطة الاتحادية؟

ومثل هذه القضايا كانت ولا تزال محط جدل ونقاش ساخنين حول صلاحيات الأقاليم والفيدراليات، فكردستان تريد المزيد من الاستقلال، والمناطق المنكوبة والمحتلة والتي تم تحريرها وسيتم، تريد المزيد من اللّامركزية والتفلّت من هيمنة بغداد. لكن ذلك كله يتم في ظل غياب فهم مشترك وموحد وبرنامج موحّد وآليات متفق عليها، الأمر الذي قد يحوّل نشوة النّصر إلى كارثة.

 

عبد الحسين شعبان - أكاديمي ومفكر عربي

 

في المثقف اليوم