آراء

علجية عيش: فرنسا من باريس إلى نيس وكشف ثقافة التدليس

eljya ayshتتكرر أحداث العنف بفرنسا فمن باريس إلى نيس، هي رسالة إعلان سقوط الجمهورية، وإبلاغ قادة الأمم الديمقراطية بأن الإرهاب من الصعوبة بمكان القضاء عليه، مهما كان نوع تطوير إستراتيجية مواجهته ومحاربته، لأن صانعيه معروفون وهم يشكلون الكتلة التي تتحكم في الكرة الأرضية، فما حدث في باريس ثم نيس يرسم المشهد السياسي في فرنسا  مستقبلا، وسيكشف المستقبل ما كان خافيا، وبالرغم من أنه لا يوجد إلا طريقة واجدة للولادة فإن هناك طرقا لا تحصى للإبادة

الاعتداء الذي وقع بمدينة نيس الفرنسية  نفذه سائق شاحنة  راح ضحيته  أكثر من 80 قتيلا، ينبه إلى أن الأعمال الإرهابية لا تكون باستعمال متفجرات أو عمليات انتحارية يقوم بها "شجعان"، لا يهابون الموت، حتى لو كانت نواياهم "عدائية"، بل الإرهابيون لهم أساليب وفنون في تنفيذ أعمالهم الإجرامية، وما عساها السلطات الفرنسية أن تعمل حتى لو شكلت مئات  خلايا الأزمة، وكما قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس،  فإن الزمن قد تغير وسيتعين على فرنسا أن تعيش مع هذا التهديد، ولا شك أن أصابع الاتهام سوف توجه كالعادة للجالية المسلمة المقيمين في فرنسا، الذين غير مرغوب فيهم في المجتمع الفرنسي، والذي  ينظر إليهم على أنهم ضيوف ثقيلون، مثلما حدث في هجومات باريس 2015، ولعل حان الوقت للبحث الواعي والعقلاني عن  جذور هذه الأعمال الإرهابية؟ ومرتكبيها؟ ومن وراءها؟، لأن الاضطرابات في فرنسا ليست جديدة، بل حدثت أعمال عنف في عهدة نيكولا ساركوزي في سنة 2005، حين امتدت أعمال الشغب في الضواحي (البونليو) الباريسية إلى وسطها وانتشرت إلى مدن ومناطق فرنسية أخرى وأثبتت الأحداث أن الإسلاميين ليسوا مرتكبي تلك الأعمال، لأنهم  لا يسيطرون على تلك الضواحي.

و تشير بعض التقارير أن الاعتداء جاء على خلفية الخلافات التي نشبت بين وزير الخارجية الفرنسي جان مارك آيرولت وبوريس جونسون  عندما تم تعيين هذا الأخير وزيرا للخارجية في بريطانيا وقال أنه بحاجة إلى شريك "يتمتع بمصداقية ويمكن الوثوق به، ووصف وزير الخارجية البريطاني بالكذاب، ولا يمكن الوثوق به، وأضاف أنه يحتاج إلى شريك يمكن التفاوض معه ويكون واضحا ويتمتع بمصداقية ويمكن الوثوق به،  وتابع يقول أن اختيار رئيسة الوزراء الجديدة تيريزا ماي لجونسون من اجل تولي حقيبة الخارجية "دليل على الأزمة السياسية التي تمر بها بريطانيا بعد التصويت، ثم عدل موقفه من بوريس جونسون   وقال : "علينا إلا نتوقف عند هذه النقطة" بل "العمل ليتم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في ظروف جيدة"، وفي ظل الأوضاع التي تعيشها فرنسا منذ أحداث باريس، وإعلان الرئيس  فرانوس هولاند عن حالة الطوارئ السارية، لاسيما وهي تستعد للإعلان عن جمهورية جديدة في الانتخابات الرئاسية القادمة،  فإنه في الجمهورية الخامسة، يُطلب من الرئيس أن يكون "فاضلاً مثل القديسين، وأن يكون فائق الشجاعة مثل الأبطال، وأن يتوقع كل شيء، مثل العباقرة"، ما دفع بالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الإسراع في إنشاء مركز لمكافحة الإرهاب،  تحسبا لتكرار هجمات إرهابية جديدة، إضافة إلى المخاوف من عودة العناصر المقاتلة لفرنسا مرة أخرى.

وقد تصاعدت تساؤلات كثيرة حول معنى الأحداث التي تمر بها فرنسا وبعض الدول الأوربية، ولماذا وصلت إلى هذا الحد، خاصة وأن الهجوم تزامن مع  احتفالات العيد الوطني؟، ومما لا شك فيه أن فرنسا من الدول الأكثر اطلاعا على ما يحدث في "المطبخ الأمريكي"،  باعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية البلد الذي يصنع الإرهاب ويسوقه، وبالطريقة التي تريدها "إسرائيل"، التي تمكنت في كل مواجهاتها مع العرب وفي كل الحروب التي شنتها ضدهم، وفي توسعها على حسابهم من تحريف أعمالها الإرهابية، وإلباسها صفة الدفاع الشرعي، ولذلك ابتدعت نظرية "الحرب الوقائية"، لتضلل العالم المتحضر من أن حقيقة دوافعها هي إحدى مظاهر الخوف والإحساس بعدم الأمن من العرب والمسلمين، وتجاهلت أنها المعتدي على المسلمين في فلسطين واجتازت حدودهم بالسلاح، بعدما خرجت على كل القوانين الدولية وتجاهلت الاتفاقات الدولية، ولا شك أن من يدبرون هذه الأعمال الإجرامية الوحشية هم من بقايا النظام  الفرنسي القديم،  ثم يلصقونه في الجالية الإسلامية. 

جل الدراسات التي أجريت حول ظاهرة الإرهاب،  أكدت أن هذا الأخير (الإرهاب) أصبح شكلاً من أشكال الحرب السياسية التي تشنها أنظمة ديكتاتورية ضد الأنظمة الديمقراطية في الغرب، فيما يرى ملاحظون أن قضية لافونlavon، وزير الدفاع الإسرائيلي التي شغلت الرأي العام الأوروبي وحتى الإسرائيلي في مطلع الستينيات وحتى بعد وقوعها، وخلاصتها أن هذا الأخير قرر القيام بأعمال عنف ضد المصالح البريطانية والأمريكية، ولعل نتانياهو  نجح بمخططه الذي وضعه، عندما نصح قادة الشعوب بإتباع وصاياه العشر التي وضعها في كتابه التحريضي تحت عنوان: " محاربة الإرهاب"، ولكن  كتب نتانياهو أن تتحدث عن محاربة الإرهاب الإسلامي، وليس الإرهاب العالمي، وقال فيها أن الإرهاب الإسلامي يهدد العالم الآن، و أن العداء للغرب متأصل في ثقافة المسلمين، بدليل أن عقوبات سلطت على دول عربية مثل العراق وليبيا والسودان تنفيذا لتوصيته الثانية المتمثلة في فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية على  الدول الإرهابية، ولذا أفلا يمكن القول أن السحر عاد على الساحر كما يقال، وفرنسا اليوم تذوق نفس الكأس مما ذاقته الدول العربية، وفي مقدمتها الجزائر، التي عاشت عشرية كاملة من الإرهاب.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم