تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

احمد محمد جواد الحكيم: المطلوب البحث عن الكفاءات النزيهة والمشاركة الواسعة في الانتخابات

ahmad mohamadjawadalhakimإننا بحاجة دوماً للبحث عن حلول ضرورية للمشكلات القائمة التي انبثقت، بدورها، من مشكلات سبقتها يعاني منها المجتمع. إذ أننا لا يمكن أن ندير أوجهنا عن آلام الناس، وأن لا نكترث لهمومهم ومظلوميتهم، ونعتني فقط بأنفسنا ومصالحنا الخاصة، فإن فعلنا ذلك نغدو كالبهائم التي همها بطونها. وإذا كانت هذه الحلول تفرض أعباءً كبيرة علينا، وتتطلب منا تضحيات هائلة في حاضرنا، فإن إهمالها أو الانتقاص منها، يفرض أعباءً أكبر على مستقبلنا. لذلك فالمطلوب منا الإسراع بتقديم الاقتراحات والمشاريع والمبادرات الفعالة لحل هذه المشكلات، التي يمكن حصرها،الآن،في قضيتين أساسيتين: البحث عن الكفاءات النزيهة، والمشاركة الواسعة في الانتخابات. لأن التظاهرات والاعتصامات لا تكفي، وربما غير مجدية،. أضف إلى ذلك أن الاحتجاجات الناجحة تحتاج عادةً إلى خطط سياسية موجهة إلى السياسيين،وليس المطالبة بقضايا عامة، وإهمال هذه الجوانب قد يضعف من فعالية هذه الاحتجاجات. كما أن دخول المتظاهرين عنوة إلى مجلس النواب ثم الخروج منه، وما رافقه من أحداث غير مبررة، لن يحل المشكلات بصورة جذرية. نحن نريد دخول الكفاءات المخلصة الواعية إلى هذا المجلس بطريقة شرعية، عن طريق الانتخابات، ومن ثم البقاء فيه وليس الخروج منه. هذا يعني أن هناك طريقاً آخر، غير التظاهر، هو صناديق الاقتراع ومجلس النواب، الذي يمكن أن يوصلنا إلى التغيير والإصلاح المطلوب، لكن بعد تعديل قانون هذه الانتخابات وتفعيل قانون الأحزاب، بخاصة مصادر التمويل، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فأننا حين نقوم بالمطالبة الآن بالتغيير والإصلاح، إنما نطلب ذلك من سياسيين، كثير منهم، غير قادر على أداء هذه المهمة لأسباب عديدة، من أهمها، أنهم أصبحوا محدودي التفكير، لقصور في آلتهم العقلية، كما ضعفت مقدرتهم الذهنية، وفقدوا ملكة الإبداع والتطوير .فضلاً عن معالجاتهم السطحية للأحداث، غير قادرين أيضاً على إيجاد بدائل ممكنة لحل المشكلات . إنهم في الحقيقة يمثلون سلطة العاجزين الذين فقدوا إحساسهم بالواقع . إنهم الأدعياء الذين يصرخون كل يوم أنهم على علم بمعرفة طرق علاج مشكلات المجتمع وحل أزماته، لكنهم لم يفعلوا أي شيء نحو ذلك. هناك أيضاً الذين يعتقدون أنهم يدافعون عن الحق، غير أنهم يدافعون عن مصالحهم الضيقة أو أنهم يدافعون عن قضايا ثبت فشلها وعدم جدواها، وأن كثيراً من الأفكار التي يقدموها لحل المشكلات غالباً ما تكون أفكاراً ساذجة لا تصدر عن فهم عميق ودقيق لطبيعة هذه المشكلات أو حقيقة متطلبات العصر. فضلاً عن انتشار مظاهر التفرقة والمحسوبية والحزبية والتحيز، وانعدام مبادئ الصدق والأمانة بينهم.

لهذا فإن المجتمع بحاجة إلى نوع جديد من السياسيين يختلفون عن هؤلاء الذين ذكرنا طبيعتهم وخصائصهم. إذن لابد من البدء من الآن باستغلال الوقت في البحث عن الكفاءات المخلصة، وتحفيز أكبر عدد من الناس للمشاركة في الانتخابات القادمة من أجل وصول هؤلاء إلى مراكز قيادة المجتمع والدولة.

أولاً، البحث عن الكفاءات النزيهة. لابد من الاعتراف أنه في ظل الانقسامات الحادة في المجتمع، فليس من اليسير إيجاد أشخاص يجمعون بين الكفاءة المهنية الإدارية من جانب، والنزاهة والأمانة والإخلاص من جانب آخر. إذ قد نجد إنساناً مؤهلاً علمياً خبيراً قيادياً، لكنه لا يتصف بالنزاهة والإخلاص. وفي المقابل نجد آخر نزيهاً مخلصاً لكنه لا يمتلك المؤهلات اللازمة وليس له مقومات القيادة الإدارية. على هذا الأساس لابد من تكثيف الجهود والبحث عن تلك الكفاءات المخلصة، وسنجدها، كما هو الحال عندما تقوم الشركات والمؤسسات في البحث عن النفط والمعادن في باطن الأرض. لكن إذا لم نجد العدد اللازم من تلك الكفاءات، فالواجب بهذه الحالة، إنشاء معاهد متخصصة للقيام بتدريب وتأهيل الكوادر المطلوبة التي تمتلك الصفات التي ذكرناها، بما فيها القدرة على حل المشكلات، والتصرف بحزم، ومعرفة ما الواجب فعله، والإحاطة بما يجري حولهم من أحداث وإمكانية العمل الجماعي التعاوني وليس التفرد بالقرارات لعلاج المشكلات بخاصة المستعصية منها، ولهم القدرة على الفصل ما بين أمورهم الشخصية من جهة، وما بين الأمور العامة التي تهم المجتمع.

ثانياً، المشاركة الواسعة في الانتخابات. إن أحد أهم الالتزامات الأساسية للمواطنة، هي المشاركة الفعالة في الانتخابات. ففي كثير من الحالات يستسلم المواطنون لمجرى الأحداث ويبتعدون عن المشاركة السياسية، ومن ثم الامتناع عن التصويت في الانتخابات، التي لها أسبابها، كما أن لها سلبياتها، .فضلاً عن وجود محددات لهذه المشاركة.

(أ) أسباب الامتناع عن التصويت في الانتخابات. من الأسباب الرئيسية، هي حالة اليأس وخيبة الأمل من إمكانية إصلاح المجتمع، التي وصلت لها شريحة واسعة من المجتمع، جراء السياسات القائمة، غير الموضوعية، بخاصة أن كثير من السياسيين سعوا لتحقيق مصالحهم الخاصة باسم مبادئ وقيم رائعة. كم تعتقد هذه الشريحة أن الحكومة غير قادرة على أن تتدخل لصالح عامة المواطنين، وقلما تكون للقضايا التي تناقش في مجلس النواب لها صلة كبيرة بما يهمهم. وأن السياسيين عاجزون أن يفوا بما وعدوا به ناخبيهم. لذلك تولدت قناعات عند المواطنين أنه لا أمل أو لا إمكانية في صلاح السياسيين الحاليين، وأن الانتخابات لن تغير شيئاً ملموساً. لهذا تسجل شريحة واسعة من المجتمع عن عدم رضاها بما يحدث، وذلك بالامتناع عن التصويت. الأمر الذي نتج عنه مواقف عند هذه الشريحة تتمثل باللامبالاة والسلبية، وأنه ليس بمقدورهم هذه التغلب على الظروف لأنها أقوى منهم، وأن النجاح لا يمكن ادراكه، لأنه لا يمكن الوقوف بوجه الأقوياء حتى وأن كانوا مظلومين، أو أن نتائج الانتخابات محددة مسبقاً،لا يمكن تغييرها، أو أنهم يعتقدون لا وجود للمخلصين ضمن القوائم الانتخابية. أضف إلى ذلك هناك فئات لا تشارك في الانتخابات بسبب اتكاليتها واعتمادها على الآخرين. لهذه الأسباب وغيرها، يتولد النمط المنسحب،المتقوقع، الذي يترك الأحداث تقوده، فيتبعها صاغراً. لذا فالإنسان الذي لا يشارك في الانتخابات يقف خارج السياسة، لا يبقى له سوى الاشاعات والآراء التي لا تؤثر في مجرى الأحداث.

(ب) سلبيات الامتناع عن التصويت في الانتخابات. إن تقلص حجم المشاركة في الانتخابات له آثار جانبية وسلبيات وخيمة على المجتمع، بخاصة على المستضعفين. لهذا يترتب على ذلك نجاح مجموعات الانتخابات قليلي الجدارة والخبرة، تغلب عليهم صفة التكبر والأنانية، والبعد كل البعد عن آلام الناس وهمومهم. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يمكن أن يؤدي ضعف المشاركة في الانتخابات إلى وصول فئة إلى السلطة لا تمثل الأغلبية . إذ يمكننا توضيح ذلك بالعملية الحسابية البسيطة الآتية. ففي الحالة التي يصوت فيها خمسون في المئة من الناخبين فقط، وينجح فيها من حصل واحد وخمسين في المئة من الأصوات، تكون الفئة الفائزة قد حصلت فعلياً على تأييد نصف النصف، أي ربع أفراد المجتمع تقريباً، من الذين يحق لهم التصويت وهي نسبة لا تمثل الواقع الفعلي . وفي كثير من حالات تشكيل التحالفات للحصول على الأصوات قد يصل إلى السلطة التشريعية أو التنفيذية، أشخاص بنسب انتخابية أقل من آخرين لم يستطيعوا الفوز والنجاح في الانتخابات. لهذا فإن هؤلاء الذين فازوا بهذه الطريقة، غالباً ما يقومون بإحباط همة المجتمع من التصويت مستقبلاً.

(ج) المشاركة في الانتخابات لوحدها لا تكفي. لابد أن يرافق المشاركة الواسعة في الانتخابات، البحث عن الكفاءات المخلصة(كما ذكرنا)، وتشجيعها للترشح والمساهمة الفعالة في إدارة الدولة، لأن مشاركة المواطنين الواسعة في الانتخابات، من جهة، وترك الترشيح لفئة السياسيين المحترفين المخضرمين، ومن ثم توليهم للمناصب المؤثرة في الدولة،من جهة أخرى،  سيجعل تخصيص الخبرة والمعارف والمعلومات بيد هذه الفئة المحدودة .في هذه الحالة لا يستطيع أو لا يرغب قسم من الناخبين تبديلها بدعوى أنه لا يمكن إيجاد بدائل ذات كفاءة لهم. إذن المطلوب توليد قيادات جديدة باستمرار.

(د) نزاهة الانتخابات. من العوامل التي قد تمنع المواطنين من المشاركة في الانتخابات، هي شعورهم أن هناك خللاً أو نقصاً يشوب نزاهة هذه الانتخابات. فالمواطن لا يشارك فيها إلا حين يكون مطمئناً أن صوته لن يذهب سدىً . وتشمل نزاهة الانتخابات قضايا أساسية من أهمها، سلامة الخطوات الإجرائية للعملية الانتخابية، ومعرفة مصادر تمويل الحملات الانتخابية، وحالة تأثير المسؤولين في الدولة على نتائج الانتخابات، وذلك باستخدام إمكانات وموارد الدولة العامة.

 

أحمد محمد جواد الحكيم

 

في المثقف اليوم