آراء

صالح الرزوق: محاولة الانقلاب في تركيا: من المخططون ولماذا فشلت؟ / باتريك كينغسلي

saleh alrazukلفترة قصيرة من ليل الجمعة كان يبدو أن واحدة من أقوى الحكومات في الشرق الأوسط على وشك السقوط. فرضت الدبابات الجمود على إسطنبول وغزا العسكر مقر الحزب الحاكم، وقصفوا البرلمان، واحتلوا مقر الأركان، وأحكموا سيطرتهم على مبنى الإعلام الرسمي وأعلنوا أن الجيش استلم مقاليد الحكم.

ولكن في صباح السبت أصبح من الواضح أن الانقلاب فشل. وأحداث الليل انتهت بصور استسلام المتآمرين للحشود المؤيدة للحكومة. وخرجوا من الدبابات والشاحنات وأيديهم فوق رؤوسهم. وبعضهم، وبشكل فضائحي، كان يتحرك بثيابه الداخلية.

مع إقرار الحكومة أنها اعتقلت على الأقل 6000 ممن تدينهم بالتآمر، تبرز أسئلة حول مدى تورطهم، ومن هم القادة الذين دفعوهم إلى هذه الورطة وكيف وما هي طبيعة الأوامر التي قاموا بتنفيذها في تلك الليلة.

تدعي الحكومة التي يقودها رجب طيب أردوغان أن المتآمرين ينتمون لجماعة إسلامية مناوئة هي Hizmet** ، ويقودها فتح الله غولين. ولكنه أنكر أي علاقة بما جرى. هذه الجماعة كانت سابقا من أنصار العدالة والتنمية التي يرأسها أردوغان، ولكن تعتبر الآن في عداد الإرهابيين. وللجماعة آلاف من الأنصار ينتمون لعدة أطياف من داخل الدولة، ومع ذلك كلهم تعاضدوا على التآمر ضد إدارة أردوغان المنتخبة.

وذكر مصدر حكومي تركي طلب عدم الكشف عن اسمه:" تحمل محاولة الانقلاب كل بصمات غولين. وعدد من قيادات الانقلاب الفاشل لهم اتصال مباشر مع أعضاء متنفذين في حركة غولين. وعدد من المشاركين امضموا إلى  الوظائف الحكومية بتوصية من شخصيات هامة ترتبط بغولين واستمروا على تعاطفهم مع شبكة علاقاته".

وحسب الرواية الحكومية كان لدى الانقلابيين تنظيم وخطة لقيادة تركيا بعد الانقلاب. وبحوزتهم قائمة بأسماء 9130 شخصا يجب اعتقالهم. وخططوا لتعيين حاكم عسكري في كل ولاية، واستبدال رؤساء كل المؤسسات الحكومية، وقائمة بأكثر من 100 مؤيد لهم من أجل الترقية. وأضاف نفس المصدر إن إحساسنا يؤكد أن هؤلاء دبروا شيئا لبعض الوقت.

لكن بعض المحللين السياسيين الأتراك يحملون قدرا أكبر من الشك- إما بدرجة تورط غولين أو مستوى التخطيط. أصلي إيدنتاشباش وهو محلل سياسي تركي يعمل في هيئة العلاقات الأوروبية، يعتقد أن الخطة عملية جيدة الإعداد، ولكن الشكوك تطال تورط hizmet فقط.

يقول إيدنتاشباش:" أعلنت الحكومة أنهم جماعة من أتباع غولين. ولكن نعتقد أنه يوجد حلف أوسع مع ( القوى المسلحة). إنها تعبئة كبيرة الحجم. وهذه عملية أحسنوا الإعداد لها مع إجراءات مرافقة عديدة في أجزاء مختلفة من البلاد".

ولكن آخرين يشكون بتورط hizmet – لأنهم يعتقدون أن الإنقلاب ضعيف التهيئة والتخطيط.. يقول دوغو إرغيل وهو مفكر سياسي في جامعة أنقرة : أشك بالحكاية. لن يكشف أنصار غولين أنفسهم بهذه الطريقة التي لا تليق حتى بالهواة (و التي) ستقود إلى نهايتهم".

 إنه بنظر الكثيرين سيبدو الانقلاب سيء الإعداد – فهو يتضمن ضباطا كبارا من كل أرجاء تركيا. ومنهم إردال أوزتورك، جنرال في الجيش الثالث في إسطنبول. وآدم حودوتي قائد الجيش الثاني المتمركز في الجهة المقابلة من البلاد. ولكنه لا يتضمن كل قطاعات الجيش، ولا معظم كبار الضباط. جزء من قطاع الدبابات كان متورطا، وكذلك جزء من القوى الجوية. ولكن معظم القوى البرية لم تشترك، وبعض الأجنحة من القوى الجوية احتفظت بولائها لأردوغان.

قال سنان أولغين وهو معلق سياسي في كارنيغي إندومينت فور إنترناشيونال بيس (مؤسسة دعم السلام الدولي): أثارت دهشتي هذه المحاولة. فالضباط المشاركون لا يتحلون بدعم الجيش وولائه. وجرى الانقلاب خارج سلسلة الولاءات التقليدية، ولذلك لم تكن لديهم مصادر لنجاح العمل. بشكل أساسي، لم يكن يبدو أن المخططين للانقلاب يهتمون بالقيام بأفعال هي ضرورية لأي انقلاب ناجح. لقد احتلوا محطة التلفزيون الحكومية – ولكن تعقبوا بتكاسل المحطات الخاصة،  والتي وفرت للحكومة فرصة السيطرة على الأخبار في الفضاء طوال الليل".

وأضاف أولغين: " لقد اعتقلوا رئيس أركان الجيش خلوصي أكار، واحتلوا جسرا أساسيا في إسطنبول، وسيطروا على مقر الأركان في أنقرة.إنما المناوئين الأساسيين – أردوغان ورئيس وزرائه، بينالي يلدروم فرا من قبضتهم، وسمح ذلك بتجميع المناصرين واستمرا ملء البصر والسمع ليردوا الصاع صاعين. بإغلاق الجسر والسيطرة على مقر الأركان العامة واستغلال عدد قليل من الطائرات، كيف يمكنهم تخيل أنهم سينجحون؟ كانت لكل شيء رائحة تشبه انقلابا متعثرا- لقد بدأوا دون أن يروا نتيجة وعواقب أفعالهم".

ويرى بعض أصحاب نظريات المؤامرة أن أردوغان خرج من المعمعة بلا خدوش مما يعني أن كل المسألة مزيفة- ويفسرونها أن المخططين أسرعوا إلى الفخ ليسقطوا فيه.

وبعضهم يعتقد أن الحبكة كانت مكشوفة، واضطروا للظهور بالقوة قبل أن تنضج اللعبة. فقد علموا أنهم سيسقطون لا محالة في آب، باعتبار أنهم كانوا يتوقعون ضرب حزب hizmet  ومؤيديه في الجيش، ولذلك قرروا الإسراع ما داموا في مراكزهم قبل أن يفقدوها.

وهذا هو التفسير المناسب لدى حكومة أردوغان. فقد ذكر مصدر حكومي:" أدرك المتآمرون أنهم سيفقدون مراتبهم الرسمية في غضون أسابيع. ولذلك عجلوا بالتحرك".

 

ترجمة: د. صالح الرزوق

.................

* باتريك كينغسلي Patrick Kingsley: مراسل الغارديان لشؤون الهجرة.

** تعني الخدمات العامة.

 

في المثقف اليوم