آراء

علجية عيش: إسرائيل تتكلم عربي.. في حديث عن "الاستشراق" والسيطرة على الشرق الإسلامي

eljya ayshقال كاباتون: العرب منذ محمد ( ص) يشكلون خطرا حقيقيا بالنسبة لأوروبا كلها

أصبح الوجود الإسرائيلي في الساحة العربية أكثر خطرا، خاصة على الشباب المسلم، فلا توجد علاقة تربط بين دولتين عربيتين إلا وكانت إسرائيل حاضرة  بينهما في هذا الحراك سياسيا، اقتصاديا، وحتى "ثقافيا"،  فقد استطاعت إسرائيل التأثير بأفكارها في بعض الشباب العربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعدما استعملت لغتهم  (العربية) في التواصل معهم، والسؤال يطرح نفسه، هل أحبت إسرائيل يوما العرب والمسلمين حتى تتعلم لغتهم؟.. وهل يمكن القول أن إسرائيل عربية لأنها تتكلم اللغة العربية مثلما جاء في الحديث النبوي "من تكلم العربية فهو عربي"

لم يتوان الكيان الصهيوني في استخدام كل سبل ووسائل الاتصال والتواصل مع الأجيال العربية والإسلامية، هادفاً من ذلك التواصل، التشكيك في الثوابت وإيجاد جيل من شباب العرب والمسلمين يقبل الصهاينة ويتعايش معهم، بل عليه أن يقبل بصياغة التاريخ من جديد ليكون هو تاريخ اليهود واليهودية على أرض المسلمين، حيث قام بتعلم اللغة العربية، وقامت وزارة الخارجية الصهيونية بالتقرب أكثر من الشباب المسلم، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي،  بفتح صفحة في الفايسبوك  سمتها: "إسرائيل تتكلم عربي"، في محاولة جديدة للتطبيع مع العرب بطريقة مبتكرة وحديثة تستهدف فئة عمرية شبابية في التواصل معه  وحواره دون وساطة،  لقد عملت إسرائيل بالحديث النبوي القائل: " يا أيها الناس: إن الرب رب واحد، وإن الدين دين واحد، وليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، فإنما هي اللسان، فمن تكلم بالعربية فهو عربي " رواه ابن عساكر"، وبغض النظر إن كان هذا الحديث ضعيفا أو صحيحا، فقد استعملته إسرائيل لتمويه الشباب المسلم الذي ما زال يجهل تاريخه الإسلامي، لتشكيل صورة جديدة حولها ضمن خطة تخدم مصالحها الاستعمارية.

لقد اعتمدت إسرائيل في ذلك على الاستشراق الذي  لعب دورا جليا  في معرفة تاريخ العرب، وعاداتهم، وثقافتهم وحاجاتهم، ونقاط ضعفهم، بل وأحكامهم المسبقة، ويعود هذا الاهتمام  بعدما لفت نظر الغربيين تلك الحضارة الإسلامية العظيمة في جانبيها المعنوي والمادي، فبدأوا يعدّون العدة لغزوها فكرياً، وعقدياً واجتماعياً، وأنشأوا لذلك مدارس ومعاهد تعنى بالشرق الإسلامي وعلومه،  ومن ثم التقرب منهم والتجسس عليهم، حيث قاموا بتعلم "اللغة العربية"  (نطقا وكتابة)، وإجراء دراسات عن المستعمرات خارج أوروبا، وتوسع الاستشراق إلى أن تحول إلى حركة علمية اهتمت بالشرق الإسلامي،  بل جهازا ثقافيا وعدوانيا، وأسلوبا للسيطرة على الشرق، كما قال عنه إدوارد سعيد، والدليل ما ذهب إليه المستشرق الإيطالي "كاباتون " cabaton  الذي ذهب إلى القول أن العرب منذ محمد (ص)  يشكلون خطرا حقيقيا على كل الأصعدة بالنسبة لأوروبا كلها، لذلك بات من الضروري تعلم اللغة العربية، ومنذ ذلك الوقت عرفت حركة الترجمة توسعا كبيرا، واستفاد العقل الأوروبي من المخطوطات العربية، مع ترجمة القرآن إلى لغات عديدة، وسميت  تلك المرحلة بعصر "التنوير" والهيمنة الغربية على العالم العربي والإسلامي.

و قد عمد الاستعمار الفرنسي على إنشاء المستوطنات اليهودية وتوسعها في البلاد المستعمرة لاسيما في دول شمال إفريقيا (الجزائر، تونس والمغرب وليبيا..الخ)، وإسرائيل كما هو  معلوم  تعرف كل شيء على العالم العربي والإسلامي والفضل في ذلك يعود إلى الاستشراق طبعا، بل  وظفت العرب في مناصب عليا، فنائب رئيس  الوزراء الإسرائيليين  الحالي هو تونسي الأصل، وكان وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي يهودي مغربي، كما كان موشيه ديان وزير الدفاع الاسرائيلى في حرب 1967 مصر ي من المنصورة،  وها هي اليوم تجدد مطلبها بتعويضات ليهود شمال إفريقيا، في ظل التطورات التي تشهدها دول المغرب العربي في إطار الربيع العربي، ويبلغ عدد اليهود الذين طالبت إسرائيل بتعويضهم ما يفوق عن 450 ألف يهودي هاجروا إلى إسرائيل، في الفترة ما بين 1949 إلى 1956،  وبخاصة دول المغرب العربي (ليبيا والجزائر وتونس والمغرب)  وقدرت حجم التعويضات بـ90 مليار دولار بما فيها الفوائد المتراكمة طوال المدة الواقعة من هجرتهم وحتى عام 2010، وشكلت فريقا يقوده المدعو  داني أيلون نائب وزير الخارجية (وهو يهودي من أصل جزائري).

و كان الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي  قد أكد أن فرنسا الآن في موقع يمكنها أن تلعب دورا مهما في هذا الملف بحكم علاقاتها مع الأنظمة الجديدة في دول المغرب العربي في إشارة منه إلى تونس وليبيا بعد سقوط كل من بن علي والقذافي، وحسب المحللين فإن هذا الموقف في الحقيقة هو موقف إسرائيل، التي عادة ما تكلف  عملاءها بالتحرك، بحكم العلاقات التي تربطها مع الدول الغير مطبعة معها وفي مقدمتها الجزائر، وتونس التي أثبتت دعمها للقضية الفلسطينية، وهي الأسباب التي جعلت إسرائيل لاستخدام قضية التعويضات كورقة ضغط، خاصة بالنسبة للجزائر التي  كانت منذ سنوات الهدف الأول لحملة إسرائيلية تستهدف حمل الجزائر على الإذعان للابتزاز الإسرائيلي والصهيوني، وفي نطاق هذه الحملة وظفت إسرائيل عدة منظمات يهودية في فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وكندا من أجل دعم هذا المطلب الإسرائيلي وتضغط من خلال ملف التعويضات على الحكومات في تلك الأقطار.

 

مؤتمر "ميونيخ" أكّد عداء الجزائر للكيان الصهيوني

و إن كان المخطط الإسرائيلي قد نجح مع بعض الدول العربية التي لا ترى أيُّ مانع في"التطبيع" مع إسرائيل، فقد فشلت مساعيها في تركيع الجزائريين وهو الموقف الذي تبناه الوزير الأول عبد المالك سلال  حين قاطع مؤتمر"ميونيخ" للأمن الذي انعقد في ألمانيا مؤخرا، وشارك فيه رؤساء دول ورؤساء حكومات ووزراء من 51 دولة، لسبب واحد هو مشاركة إسرائيل وحضور ممثليها في هذا المؤتمر، وهو موقف مشرف للجزائر دولة وشعبا، لأن لا علاقة تربط بين الجزائر وإسرائيل لا من الناحية السياسية ولا من الناحية الاقتصادية أو الثقافية، لاسيما وأن الجزائر ترى في إسرائيل العدو اللدود بسبب القضية الفلسطينية، كما لا تفكر  الجزائر في التعاون مع إسرائيل ولو في القضايا الهامة مثل مكافحة الإرهاب، ولكن الخيانة طبعا تسري في بعض الأنظمة العربية.

فقيام مصر مثلا بتسريب الغاز الجزائري الذي تحصل عليه نحو إسرائيل، قد يجعل من الدولة الجزائرية أضحوكة عند إسرائيل، لأنها تستغل ثرواتها الباطنية بطريقة احتيالية، والحقيقة إسرائيل لا تتحمل تبعات ما يسرب لها بطرق احتيالية تقوم بها دولة تربطها علاقات تاريخية متينة مع الجزائر مثل مصر، لكن العتاب كما يقال يقع على مصر التي خانت العلاقة التي تربطها مع الجزائر، خاصة وأن الاتفاق المبرم بين شركة سوناطراك النفطية بالجزائر والشركة المصرية للغاز، لم يرد فيه أي بند يشير إلى أن جزء من الغاز سيحول إلى إسرائيل، وهي تدرك جيدا موقف الجزائر الرافض للتطبيع مع إسرائيل، ما جعل إسرائيل تجدد مطلبها، والجزائر اليوم حسب التقارير مطالبة بدفع  تعويضات بقيمة 70 مليار دولار لـ: 140  ألف يهودي هاجروا من الجزائر قبل عام 1962.

إن الحديث عن "الاستشراق" حديث شائك ومعقد، أخذ أبعاده السياسية والدينية والثقافية في البلاد المستعمرة، فالإستشراق الفرنسي  يختلف عن الاستشراق في إيطاليا وألمانية وأمريكا، ولو أن هدفه واحد، وقد خاض المختصون في علم الاجتماع الاستعماري في هذه المسألة بشيء من التفصيل لكن هذه الورقة كانت وقفة قصيرة عن أهداف إسرائيل في تحقيق الثنائية " شرق-غرب" والسيطرة عليه، وإعلانها الحرب على الإسلام عن طريق الاستشراق، واستعملت الإسلام في حربها عليه، تقول الدراسات أن الاستعمار اتكأ على الدراسات التي قدمها المستشرقون قبل وأثناء غزوهم للبلاد الإسلامية، وكان ساسة المستعمرين يغدقون على المستشرقين ما يحتاجونه من مال أو جهد أو استشارة، وتحريضهم على العمل من أجل والعم تفريق وحدة المسلمين عن طريق إحياء العصبيات والقوميات والحضارات السابقة على الإسلام، وما الحرب "الطائفية" القائمة حاليا إلا ثمرة من الثمرات التي حققتها إسرائيل، بدعم من  أمريكا وأوروبا.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم