آراء

عماد علي: تغيير جوهر مفهوم الاستعمار وكيفية التعامل معه

emad aliتعودنا منذ مدة على الاعتقاد بان الاستعمار الغربي هو المحتل ارضناو شعبنا ومستغل له من اجل مصلحته، ونحن لا حول لنا في الامر ولا قوة سوى ان ننعى ونستنجد وننتظر المنقذ ممن يتفضل علينا ويتمكن من صده خارجيا او داخليا ويحررنا، ونحن نقف دون حراك، عدا الثورات القصيرة الامد هنا وهناك للتخلص من الوضع المزري ان فرض علينا عنوة، او برز قائد ماجد ملهم بعقليته الذاتية ومكانته موقعه بين الناس واختلط عنده الاهداف الخاصة والعامة كي يحرر البلاد، والا اننا رضينا وتعايشنا ما تجسد واستقر الوضع عليه لمدة طويلة او لحين بروز طاريء ورفعنا اصواتنا كرد فعل اني، فان تمدد الاعتراض في تلك الحال وفرض تداعياته ما يفيد او خمد وسكت دهرا اخر، هكذا الى ان تغيرت المرحلة واصبح من المفيد على المستعمر ان يترك المنطقة، وتيقن انه لمفيد ان يبقى في الوقت نفسه بشكل اخر بحيث يستفيد اكثر من وجوده بذاته. هنا لا يمكن ان ننكر بعض الثورات والتضحيات والابطال التي قاوموا المحتل والمستعمر بشكل بطولي، وفي الوقت نفسه يجب ان لا نستنكر الانجازات التي حققها المستعمر لاهل الارض من نواحي متعددة وبعضها اكثر من منجزات السلطة الذاتية لمابعد الاستعمار الموجود لحد الساعة ،سواء كان مضطرا في تحقيق تلك المنجزات او كجز من الوفاء لاهل مستعمرتهم وما يخلبون منه .

بعد التغييرات الكبيرة في حياة الناس وفي طريقة ادائهم للعمل والواجبات الوطنية على عاتقهم، وبما جرّت  معها من التغييرات الطفيفة من العقلية الادارية مقارنة بالتقدم الكبير في امور ووسائل الحياة المستوردة بشكل مطلق، وبه اننا نعلم لماذا نحن لازلنا في الحال ذاتها رغم ما تغيرت من مجاري الحياة السياسية الاقتصادية الثقافية وما فرضته التكنولوجيا ووسائل الاتصال وكيف وصلت الى هذه المستوى .

السؤال المناسب للجميع هو هل لازال الاستعمار مستمرا في مهامه بشكل اخر مغاير لما كان مظهرا، فهل هو موجود كما هو دون ان نراه جسديا ويحقق اهدافه وكانه موجود حقا كما كان، ام ان التغييرات التي حدثت جعلته ان يبتعد ويبقي ورائه ما يؤدي مهامه بشكل مناسب ومستمر في دفعه لما خلفه دون كلل او ملل وبه يحقق مهامه دون ان يجهد نفسه؟

ربما كان من بيننا يفكر كما كان في زمن الاستعمار القديم ويتعامل مع الموجود وكانه موجود حقا بكل ما كان عليه، نتيجة مايلمسه مما يفعله وهو بعيد ولا يختلف ما تصنعه يده عما كان يصنعه الاستعمار القديم وربما اسوا، الا اننا نغفل عن ما فينا نحن في الشعوب الشرقية ولم نقيّم عقليتنا بمقياس العصر بل وكعادتنا على ما نحن فيه من العقلية والمستوى العلمي الثقافي الدنيء نبحث عن المبرر دائما، ولم نعلن عن مدى تخلفنا وبؤسنا مما نتيح فرص متاحة كبيرة وسهلة للاخر ان يستعمرنا دون ان يتعب، ان كان الاستعمار القديم هو احتلال واستغلال الواردات والثروات لمصلحته، فاليوم يستغل العقل الشرقي ومن له النفوذ في وضعه في مقام يرضى بالاستعمار مشكورا على حساب المواطن وما يهمه وهو يفعل كما فعل من قبل وبالبديل المناسب .

هل يوجد احد منا لم ير الفوضى في الحياة الشرقية واختلاف بقعة عن الاخر حتى القريب منه بشكل عجيب، الم نجد الثغرات المتعددة في الساحة التي تسهل استغلالها من قبل المستعمر وهو ضاحك ساخر ومستهزء بالجميع، ام يقول لنا احد ان الغرب يعمل لذاته بعقلانية وما على الشرق ان يحفظ على كيانه ومصلحته بعقلية تقدمية مناسبة كي لا يستغله احد، او يجب ان يقطع الطريق عن الاستعمار الجديد بشكل كامل. هذا صحيح ان كانت العقلية التي تدير المنطقة مستقلة والمستوى العام للشعوب على حال يمكن ان يعلم ما هو عليه ان يدركه من ان الاستعمار موجود وان كان بعيدا، ولا يتخيل احد بانني اقصد ان نظرية المؤآمرة هي فحوى النظرة الى الاستعمار الجديد، بل الواقع يكشف لنا ان الدول المتقدمة لا تستطيع ان تستمر في تقدمها ان لم تكن معها الواقع المزري في اماكن اخرى مستغلة اياها بكافة الطرق، من اهم التساؤلات التي تفرض نفسه؛ فان بقيت الدول الغربية الاستعمارية مسالمة متطورة ومتقدمة وتتعايش مع بعضها دون اي خلل يُذكر، فهل من المعقول ان لا نسال السؤال العام السهل جدا وهو هل تُصنع كل تلك الاسلحة الفتاكة المتطورة وتصرف عليها المليارات وتبقى في المخازن الغربية دون مشتري يتصارع على شرائه ممنونا مشكورا، فهل يدع الغرب الشرق ان يكتفي ذاتيا حتى على صنع السلاح لابادة البعض وهو ينظر من بعيد دون ان يستوي عصفوره على نيران الحروب الشرقية، فهل انسانيتهم وصلت لحال ان يضربوا بالتعامل الانساني مع الشرق ما يتمتعون به من الانسانية في الحياة، ام المرحلة تتطلب ان تكون انسانية الغرب حتى وان كانت بعض منها شكلية هي الطاغية .

اذا الاستعمار من حيث الجوهر باقي في عمله ومكانه مهما ابتعد عن الشرق بشكل جسدي، فهو ينفذ مهامه بالشكل الجديد وباهداف قديمة وباداء مختلف، ادخل حلبته لاعبين من الملعوب عليهم وفعّلهم كاهم وسيلة لاداء مهامهم الاصلية بهم وكانهم موجودون بذاتهم، فهل يمكن للغرب ان تصل به انسانيته وتطغي عليه ان يتعامل مع الشرق ضاربا مصلحته الخاصة من اجل انسانيته، فهذا غير معقول ولا مقبول لديهم ايضا.

لذا، يجب ان نقر، طالما كانت عقليتنا وتعاملنا مع الحياة ومستوياتنا المختلفة في الصفات ونظرتنا الى المواضيع المختلفة بهذا الشكل، سنبقى سلعة رخيصة للاستعمار باي شكل كان وان اختلفت طبيعته او مظهره ولكن جوهره ثابت واهدافه معلومة . والدليل الاكبرهو ما يتعاملون به اليوم  مع ما موجود في الشرق بمعادلات معقدة لا تنتج الا ان يبقوا هم استعماريين بمعنى الكلمة .

 

في المثقف اليوم