آراء

عامرة البلداوي: من يقرع ناقوس الخطر؟

amira-albaldawiيظن البعض ان أكبر خطر سنواجهه بعد طرد داعش وتحرير الموصل كآخر معقل يتحصن به التنظيم الأرهابي هو تمشيط المناطق المحتلة من العبوات الناسفة وأعمار البنى التحتية وتوفير الخدمات واعادة النازحين في بيئة سليمة خالية من آثار الدمار والقتل والتهديد والارهاب .. كما يعتقد معظم من يسأل (ماذا بعد داعش؟) اننا سنواجه أزمة نزاع وصراع داخلي وسنكون بحاجة الى  جهود مصالحة مجتمعية وتعايش سلمي حيث يبدو ان هذا السيناريو هو المنطقي والمتوقع وهو ماأعدت له الموازنات وتحسب حسابه  مؤتمرات الدول المانحة، فضلا عما تعد له الحكومة عدتها من خلال التحضير لأكثر من مليون نازح هم سكان الموصل الذين سيفرون خارج الموصل اثناء معركة التحرير ولابد من توفير الملاذات الآمنة لهم .. ولكن لنا في قصص تحرير الفلوجة وبعض قرى اليزيديين في سنجار وغيرها عبرة وتأمل حيث تنبأنا بكارثة ستحل علينا قريبا وموجة من التغيير في المجتمعات التي كانت تحت سيطرة داعش لابد من مراعاتها ولو على سبيل الافتراض، لأنها الأكثر منطقية وعقلانية  لأن معظم أهالي الموصل  فروا لفترة  وجيزة  في بداية مداهمة داعش وأحتلالها ثم عادوا وعاشوا في الموصل متحملين كل شراسة وبشاعة وأجرام هؤلاء الارهابيين.. بالرغم من ان تقارير تصلنا عن ممارسات مرفوضة ولايقبلها عقل  من  عناصر داعش الا اننا يجب ان لانختبأ وراء اصابعنا لقد تعايش أهل الموصل مع هذا التنظيم وصرح البعض منهم قائلا (لقد جربنا في ظل داعش الحكم الذاتي والاستقلال عن المركز) .. يجب ان لاننسى ان هذا التنظيم صنيعة الغرب الذي تفاجأ يوما بحادثة السرقة والاختطاف الشهيرة التي حدثت في مدينة ستوكهولم في السويد عام 1973 حيث قام سجينان بالهجوم على بنك بغرض السرقة، وأحتجزا رهائن لمدة 6 أيام، وبعد أستسلام الخاطفين والقبض عليهم  من قبل الشرطة وتحرير الرهائن كان الشيء الغريب هو التعاطف الذي حصل بينهم حيث رفض الأسرى الأدلاء بشهادات ضد خاطفيهم  بل أفصحوا عن خوفهم من رجال الشرطة اكثر من الخاطفين وقاموا بتغطية اتعاب الدفاع عنهما، تلك الحالة سميت بعد ذلك (متلازمة ستوكهولم) حيث تكررت بأحداث  أختطاف اخرى كان أشهرها قصة وريثة المليونير «باتي هيرست» والتي تم اختطافها يوم 4 شباط وهي في سن 19عامًا من شقتها في كاليفورنيا من قبل مجموعة من العصابات في المدينة تطلق على نفسها اسم جيش التحرير التكافلي .وفي اليوم الثالث من نيسان أعلنت هيرست من خلال شريط مسجل أنها انضمت لصفوف جيش التحرير التكافلي، وفي الخامس عشر من نيسان تم تصويرها وهي تقوم بعملية سرقة بنك في سان فرانسيسكو وانتهى بها الحال ان القي القبض عليها وأودعت في السجن .. تحدث متلازمة ستوكهولم غالبا في حالات الاختطاف التي غالبا ماتتعرض لها النساء والاطفال ويمكن اعتبارها كنوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة، ولا يتطلب بالضرورة وجود حالة خطف، فهو ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الاخر بشكل متقطع ومتناوب، وتفسر أحدى الفرضيات هذا السلوك على انه استجابة الفرد للصدمة و تحوله لضحية. فالتضامن مع المعتدي هو احدى الطرق للدفاع عن الذات  او نوع من التكيف مع الظرف الجديد مهما كان قاسيا  المهم في الموضوع انه كلما تطول مدة الخطف يقل التعويل في بعض الحالات على الضحية في تقديم المساعدة اثناء وبعد تحريره. لقد كانت واحدة من أهم استراتيجيات  داعش في تجنيد الاطفال هو التعويل على متلازمة استوكهولم في تحويلهم الى متعاطفين وتابعين وتخبرنا عن تطبيقهم لهذه النظرية أحداثا مؤثرة لايمكن نسيانها  فعلى سبيل المثال وبعد تحرير مناطق من الفلوجة عثر على طفلة عمرها (6) سنوات مختطفة لدى داعش كانوا يدربونها على صناعة العبوات الناسفة وكانت تمارس هذا العمل وكأنه جزء من نشاطها اليومي . وتذكرت الرواية القاسية التي اخبرتني بها السيدة (أ.أ) عن (40) طفل يزيدي في مخيم شاريا عائدين من قبضة داعش يمارسون الصلاة ويتحدثون ويتصرفون تصرفات غريبة  كعناصر  داعش ..وهم رافضين لأهلهم ويعيشون الاغتراب والانعزال عنهم  لايعلمون ماذا يصنعون معهم بعد ان ضاقت كل  الجهات  التي تقدم الدعم في أعادة ادماجهم بمجتمعهم الاصلي .. اننا لسنا بحاجة لأعمار البنى التحتية وأعادة الخدمات بل نحن بحاجة لأعمار النفوس واعداد البرامج الخاصة للتأهيل والعناية الخاصة بأجيال أذا لم نحسن التعامل معها فأنها ستكون قنابل موقوتة لانعلم اين ومتى ستنفجر ..أجراس الانذار لابد ان تقرع أستعدادا  للمواجهة الصعبة فأن مابعد داعش هو الأسوأ 

 

د.عامرة البلداوي

 

في المثقف اليوم