آراء

خالد التاج: النُّخَبُ السِّيَاسِيَة والْاِنْتِقَالِ الدِّيمُقْرَاطِي المَنْشُود

khalid  altajعلى بعد أسابيع قليلة تفصلنا عن الاستحقاقات الانتخابية التشريعية المزمع تنظيمها في السابع من أكتوبر 2016، يطفو على السطح مجددا النقاش القديم\  الجديد حول تقييم آداء الأحزاب السياسية المغربية بمختلف تلاوينها ومرجعياتها الفكرية والإيديولوجية  ومدى قدرتها على القيام بوظائفها التقليدية  المنوطة بها، أي تأطير المجتمع وتنشئته وتمثيله سياسيا والإسهام في الدفاع عن مصالحه وتحسين معيشه اليومي .... الخ.

من الواضح تماما أن الآداء السياسي لعموم الأحزاب السياسية المغربية  سواء منها المحسوبة على الائتلاف الحكومي أو المنتمية إلى المعارضة  وعلى امتداد الخمس السنوات الأخيرة  التي أعقبت الحراك الشعبي الذي تزامن مع الربيع العربي  وما تمخض عنه من  إقرار لدستور يوليوز 2011 الذي تعاقد عليه المغاربة، يمكن القول أن هذا الآداء قد عرف انتكاسة لا يمكن إغفالها أو التغاضي عنها، ليس فقط من خلال  الخطاب المعتمد تجاه الخصوم السياسيين أو الرأي العام، وإنما من خلال الممارسة والسلوك المعتمد في التعاطي مع كثير من القضايا المصيرية التي تمس في الصميم السلم الاجتماعي كملف صناديق التقاعد، أو السلامة الصحية والبيئية كقضية  استيراد النفايات الإيطالية أو إيجاد حلول للإشكالات التي تؤرق شرائح واسعة من المجتمع كأزمة البطالة والسكن وتحسين الدخل ومحاربة الفوارق الاجتماعية المهولة، أو باقي الملفات التي شكلت مرتكزا أساسيا بنت عليه  الكثير من الأحزاب السياسية برامجها، وأطلقت الكثير من الوعود في سبيل ذلك كمحاربة  الفساد بمختلف أشكاله والريع باعتباره  يقوض الأسس التي جاء بها الدستور الجديد لاسيما الفصل 19 منه أي المساواة وتكافئ الفرص بين المغاربة وباعتباره يقف حجر عثرة أمام مغرب قوي،  ديمقراطي  ومتقدم .

ولعل من الأسباب الرئيسية وراء هذا التردي الملحوظ في آداء الكثير من الأحزاب السياسية بما فيها تلك التي تعتمد خطابا أخلاقيا أو دينيا أو حتى تلك التي تتخذ من الدفاع عن الكادحين والطبقات المسحوقة كفلسفة في العمل السياسي،  وعلى الرغم من وجود هامش معتبر من الحريات ضمنته الوثيقة الدستورية، وهي أسباب ينبغي الوقوف عندها  وتحليلها، ألا وهي طغيان النزعة الانتهازية أو المصلحية الذاتية للكثير من الفاعلين السياسيين أكثر من الالتزام والحرص على خدمة مصلحة الوطن والمواطنين والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك إلى الدرجة التي جعلت من الممارسة السياسية مرادفا لتحقيق مكاسب شخصية ونفعية بحسب المخيال الشعبي والصورة النمطية التي أضحت ملازمة للفعل السياسي لدى الكثير من المغاربة كالسعي وراء التدرج في مناصب وأسلاك الدولة خارج نطاق تكافئ الفرص أو الحرص على الاستفادة من الريع  ومن الكثير من المكاسب والامتيازات التي يضمنها الولوج لتدبير الشأن العام والتي غالبا ما يكون الوصول إليها شديد الصعوبة على باقي فئات المجتمع ولو بعد جهود مضنية من العمل أو الكفاءة العلمية .

ومن تجليات هذه السلوكيات الميكيافيللية التي غالبا ما تتخذ أبعادا أكثر وضوحا قبيل كل استحقاقات انتخابية، نجد ظاهرة الترحال السياسي وهجرة "المناضلين" إلى الأحزاب التي يعتقد أنها الأوفر حظا في الفوز بالمقاعد الانتخابية، الشيء الذي يتمخض عنه بالضرورة صراعات وتصدعات داخلية، والتي غالبا ما تؤدي إلى حصول انشقاقات وميلاد أحزاب صغيرة من رحم الحزب الأم بدلا عن النضال من داخل الحزب الواحد والعمل على تقويم اعوجاجه وإصلاحه، أضف إلى ذلك البحث عن التزكيات خارج المعايير الديمقراطية والشفافة، والتحالف مع الأعيان والكائنات الانتخابية وأصحاب المال والنفوذ، فضلا عن غياب الديمقراطية الداخلية في كثير من الهياكل الحزبية  والركون إلى منطق الولاءات والقرابات العائلية أو القبلية واعتماد مبدأ التعيين بدلا عن الانتخاب والاستحقاق وتكافئ الفرص.

غير أن هذا الخلل الوظيفي للكثير من الفاعلين والنخب السياسية لا يمكن أن يمر دون أن ينعكس سلبا على علاقة الثقة بين عموم المواطنين والفعل السياسي، كما قد يأخذ ذلك شكل عزوف عن السياسة وهو ما تعكسه  الأرقام والنسب المتدنية للمغاربة المنخرطين ضمن أحزاب سياسية، غير أن الهاجس الأكبر الذي سيبقى مخيما على هذه المحطة الانتخابية التشريعية القادمة يكمن في نسب المشاركة والتصويت  خصوصا بعد خيبة أمل العديد منهم في الآداء الحكومي الحالي بعد سلسلة القرارات اللاشعبية التي تبنتها بحجة الإصلاح، والتناقض الصارخ بين الخطاب والوعود البراقة التي سبقت انتخابات 2011 والممارسة التي أعقبت ذلك على مدى 5 سنوات من التدبير الحكومي.

 إن محطة 07 أكتوبر بالقدر الذي تعتبر فيه بمثابة فرصة سانحة  للأحزاب السياسية المتنافسة على الظفر بأكبر عدد ممكن من المقاعد البرلمانية،  بالقدر الذي تعتبر فيه  أيضا بمثابة فرصة مهمة لإعادة تقييم آداءها إن على مستوى الخطاب أو الممارسة، وإجراء نقد ذاتي بغية  تجديد هياكلها وأدبياتها بما ينسجم مع متطلبات المرحلة ومستوى الوعي المتنامي لدى شرائح واسعة من المغاربة، و إرساء آليات للحكامة الجيدة و تعزيز الديمقراطية الداخلية  وتطبيق رؤية جلالة الملك كما حددها خطاب 09 مارس 2011، وبهدف التنزيل الأمثل لمضامين الوثيقة الدستورية الرامية إلى دمقرطة المشهد السياسي المغربي،  وإعادة الاعتبار لدور الاحزاب السياسية  ونخبها التي من المفروض أن تسهم في العبور بالمغرب نحو تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود وتقوية مؤسساته وتحصينه والعمل على ردم الهوة بين المغاربة والفعل السياسي.

 

خالد التاج

 

في المثقف اليوم