آراء

حيدر عبد علاوي الزيدي: الديمقراطية التوافقية في العراق

haidar abdalwialzaydiالديمقراطية منتج غربي بإمتياز ولايستطيع احد ان يزايدهم على ذلك، ولأن الصراع الدولي اتسم في مراحله كلها على اساليب الهيمنة وتصدير الافكار والسياسات، كانت الديمقراطية من جملة المواد التي صدرها الغرب الى كل بقاع العالم، وقد نجح هذا المنتج المُصَدَر في دول وفشل في اخرى، وبنظرة فاحصة لدول النجاح نلاحظ ان هذه الدول لم تستورد الديمقراطية كمنتج غربي خام بل قامت بإعادة تجميعه وتصنيعه وتطعيمه بمبادئ ولمسات محلية آخذين بالاعتبارالحاجة والمتغيرات السوسيولوجية وطبيعة التاريخ والشعب والحاجة الحقيقية لمثل هذا النوع من النظام ...

في الصين مثلاً تم تجميع ديمقراطية خاصة بالحالة الصينية، فكانت ديمقراطية الحزب الواحد الذي يُطبق باجنحته على كل البلاد...

في ماليزيا كانت ديمقراطية تجميعية ايضاً تتوافق فيها بين اطياف ومكونات الدولة المتناقضة البنى والاصول والتاريخ ...

في العراق الخارج من تحت جنازير الدبابات، ومن حروب متواصلة وقبضة ديكتاتور صارمة، لم يكن الوقت والمحتل الامريكي ليسمحان بإعادة تجميع ديمقراطية عراقية خاصة بالحالة العراقية بل عُمد الى تجميع نماذج من ديمقراطيات وعينات من بلدان متفرقة وتم خلق كيان ونظام ديمقراطي هجين ومفتوح لشتى المتغيرات و طبق بالدعاية مرة وبالتحايل مرة اخرى، وبعد تجربة اكثر من عشر سنوات ثبت ان الديمقراطية العراقية بحاجة الى اعادة تجميع وتصنيع في داخل العراق نفسه وخلق (نظام الحالة الخاصة)، التي تراعي الرؤية والتطبيق والخصوصية ..

فالتوافقية التي طبقت نُفِذَت بصورة مشوهة ولم تستوعب حالة العراق ووضعه الداخلي والاقليمي ...

وبنظرة الى دول التوافقية في العالم ( متعددة القوميات والاصول) نجد حالات كسويسرا واسرائيل (تشبه حالة العراق تماماً) وهي دول نخبوية متقدمة ولها تاريخ طويل في التداول السلمي والتوافقي للسلطة، طبقت هذه الدول مبدأ التوافق والمشاركة السياسية والادارية ولكنها التزمت التزاماً صارماً بمبدأ الفصل بين السلطات ...

التوافقية العراقية اصطدمت بالمؤسسات الديمقراطية وألية الرقابة على الحكومة ودستورية القوانين، وبذلك تحولت السلطة التشريعية الى شريك تنفيذي، وتلاشت الجدران الفاصلة بين السلطات الثلاث واصبحت الدولة برمتها (حكومة) كل سلطة تدير شؤنها بمعرفتها وقوانينها ولاسلطة لاحد على أخر، وهذا انسحب الى مجالس المحافظات التي هي بطبيعة الحال سلطة رقابية تشريعية في أُطر محددة تحولت الى منفذ تنفيذي تطبخ فيه سياسات تنفيذية ومشاريع ومقاولات وادارة اموال عامة، وبذلك تعطل الدور الرقابي، فالمسؤول الحكومي الذي من المفترض ان يتم ترشيحه من السلطة التنفيذية ليصوت عليه في مجلس المحافظة تحول الترشيح من المجلس واليه وبذلك لايستطيع مجلس المحافظة محاسبة ومراقبة مسؤول تم التوافق عليه من ضمن عدد اخر من المسؤولين ..،

التوافقية في العراق فشلت فشلاً ذريعاً وذلك لايعني فشل الفكرة التوافقية بل نحن بحاجة الى اعادة تجميع ديمقراطية توافقية تتلاءم والوضع الصعب والتاريخي في العراق، آخذين بنظر الاعتبار المبدأ الديمقراطي الصارم (الفصل بين السلطات الثلاث) ...

في المثقف اليوم