آراء

أحمد الهدهد: شعب يهوى الطغاة والأستحمار

ahmad alhodhodزليخه أمرأة عزيز مصر، شاهدت يوسف بغريزتها المتدنية وجهلها، وعاطفتها بالرغم من أنه تربى في حجرها وفي بيتها سنوات عدة، لكنها حجبت عنها حقيقية يوسف ولم تعرفها، لانها نظرت اليه بعين واحدة وليست بكلتي عينيها لتعرفه بعين اليقين.

هناك كثير من الناس ننظر اليهم بعين العاطفة والغريزة دون النظر الى حقيقتهم التي قد تكون جيدة او قد تكون مؤلمةٍ في بعض الأحيان.

نحن أمة نجحنا إلى حد كبير في صناعة العبيد، وقمنا بتحويل حرائر أبنائنا إلى مجرد عبيد يخدمون هذا الحاكم أو ذاك، ولعل اغرب ما في عبيد العصر أنهم يظنون أنهم في غاية الحرية، وبينما نحن كذلك يصبح هذا اللون الجميل وهذه الأنشودة التي نغنيها على طريق طويل مجرد وهم نتعلق به، فالناس عبيد للسلطة، هذا عبد لحاكم وآخر عبد وراء هذا، وما اغرب أن يكون الإنسان عبدا صغيرا تابعا يمارس عبودية من نوع خطير، ولكنه لا يعلم انه مجرد عبد وانه أكثر عبودية من ذلك العبد القن، الذي يكون مستعبدا في جسده، فيؤدي عملا مقابل هذه العبودية، غير أن عبيد العصر هم مستعبدون في أفكارهم، وبالتالي يتحولون إلى قتلة ويمارسون شتى أنواع الظلم على غيرهم من الناس وهم يتوهمون أنهم يفعلون خيرا، وذلك لأنهم تم استعباد أفكارهم، فتحولوا إلى أدوات فحسب، وتلك أبشع أنواع العبودية.

ومن أدلة أن هذه "صناعة" مدخلة وليست مكونا رئيسا في مجتمعاتنا العربية، أن "السادة" الجدد هم، وباضطراد، ليسوا الزعماء التقليدين التاريخيين بل زعامات جديدة فرضت بقوة المستعمر وجيشه لا أقل، ثم بقوة حكم "الدول الوظيفية" العديدة التي استحدثت في تقسيمات العالم العربي، وانتهاء بنفوذ المال الفاسد الذي جمعه المتنفذون بوسائل غير مشروعة من ثروات الأوطان ومن كد أبنائها وحتى من بيع سيادتها.. وهو ما أوصلنا للحال الحالي من استحقاق قيام سلسلة ثورات الربيع العربي، ومن اعتراض سبيل تلك الثورات وإعاقة (إذ يستحيل منع التحول التاريخي) قطف الشعوب لثمارها بتوظيف المال الفاسد، الذي بات يسمى "المال السياسي"، في تربة "الإفقار" تلك المرعية منذ عقود.

ولبيان أن ما هو قائم هو "إفقار" متعمد لإنتاج عبيد، في بلدان  أكثرة سكانها فقراء، لاستمرار الارباب في التحكم بالشعوب .

عندما ننظر بعين التجرد الى حال العراق،وما وصل اليه حال البلد، من تفشي الفساد والأرهاب، وأنعدام الخدمات حتى اصبح العراق رقماً لايعتد به بين الدول، تيقن في قرارة النفس، أننا من أجنيننا على أنفسنا، ونحن من قبلنا بالأهانة والذل وجلبنا العار لأنفسنا والبلدنا، السنا نحن من جعل السراق قادة؟ اليس نحن من جعل الأقزام عمالقة؟ اليس نحن من جعل الجهلة حكاماً؟ اليس نحن من جعل اللصوص على كراسي الحكم؟ اوليس نحن من صنع الطغاة؟ اوليس هؤلاء سبب ذلنا وقهرنا وفقرنا وخراب بلدنا؟.

العراقيون أجادوا في صناعة الطغاة عبر التاريخ،فقد صنع البابليون النمرود حتى قال:أنا الهكم الأعلى، وهو لم يكن طاغية بالفطرة بل الرعية من صنع منه طاغية، والملعون صدام ليس ببعيد،وغيرهم كثير فصناعة الطغاة ليست وليدة اللحظة، ومن الواضح أن العراقيين، قد اجادوا فن هذه الصناعة ذات الجودة العالية، فالشعب يصفق والأعلام يمجد ويهلل ويقدس، والمنافقون وماسحوا الأكتاف يتملقون.

أذن نحن من يتحمل نتائج صناعتنا، فالظلم واحد لايختلف عليه أثنين، والطغاة يعدون البلاد ميراثهم الذي ورثوه عن أجدادهم، ومن حقهم أن يتصرفوا به وبخيراته مايشاؤن، والمضحك أن قادتنا الذين ولايناهم علينا، يأمروننا بعكس مايفعلون، فهم يبحيون لأنفسهم كل الطيبات والملذات، والخيرات والسيارات الفاخرة والقصور الفارهة، والسياحة في باريس ولندن ويحرمونها على شعوبهم، يأمروننا بالتقشف والأستعداد لسني يوسف، وربط أحزمة الجوع ونجدهم يصرفون ملايين الدولارات على توافه الأمور ويتقاسمونها فيما بينهم.

بالتالي نحن من يتحمل نتائج صناعتنا في معامل صناعة الطغاة سيئت الصيت وذات النوعية الردئية، التي أجدنا فيها وأننا مسؤلون عن افعالهم والتي نرفضها بعد ان وليناهم على مصائرنا،وبعد ان حلت الكوارث علينا،من فساد مالي وأنعدام الخدمات وتفشي الرشوة والأرهاب، والجريمة المنظمة، ونرمي المسؤلية على الصنم الذي صنعناه بأيدينا، وننسى مسؤليتنا في الصناعة.

نحن شعب يهوى الطغاة والأستحمار، ونقول بوعي اوبدون وعي نرتضي أن نكون عبيداً لطغاة نجيد صناعتهم، ومن ثم نلعنهم، فنحن من صوت ونحن من أنتخب، ونحن من وضعهم في سدة الحكم، فلا نلومن الا أنفسنا، ولا أظن شيئاً يحطم تلك الأصنام اللعينة،اويمحوها من عقولنا سوى بناء نظام تعلمي جديد لنكسب المستقبل .

عندما يبدأ التعليم بالتلقين وحشو الادمغة، عندها تبدأ اولى عبوديتنا. ليس كل ما بالكتب يمكن أن يدرس، وليس كل ما تسطره الحياة يستطع الإنسان قرأته.. فهناك حروف خلقت خصيصاً لكى تختبئ ما بين السطور فتفرق البشر عن بعضهم البعض. من أقدم الأساليب إستخداماً للسيطرة على الشعوب والافراد هو الخوف وأنا أضمن لك سيدى أن تلك الطريقة من أقدم وأكثر الطرق فاعلية في صناعة العبيد فالنزعة البشرية بداخل كل منا قائمة على الخوف بالأساس إما الخوف على شيء أو شخص عزيز، الخوف على الحياة أو الخوف منها، الخوف من الإهانة .. الخ، فدائماً وأبداً كان الخوف هو الهادم والباني لكل شيء.

كن على ثقه سيدى أن المخاوف الداخلية لأى إنسان هي من تتحكم في اختياراته، فإذا استطعت أن تتحكم في مخاوف شخص ما، أنت بذلك استطعت التحكم به، فتستطع أن تحركه كيفما تشاء حسب رؤيتك وحسب مفاهيمك واعتقاداتك. ذلك ذكرني بقصة حدثت معي لازالت راسخة في عقلي، حيث في احدى المحاضرات سأل المحاضر السؤال التالي "من يعتقد نفسه عبقري فليرفع يده؟!" قلت في نفسي تريث قليلا قبل ان ارفع يدي لكي ارى الاخرين، لكن للأسف الشديد لم يرفع احد يده . عندها ايقنت ان نظم تعليمنا ما هي الا نظم استبدادية قائمة على زراعة الخوف وتحطيم الثقة بالنفس انها نظم لصناعة العبيد وتقيد الفكر. اصبح التعليم يستخدم فزاعة الخوف كفزاعة أساسية للقضاء على ثقتنا بأنفسنا، واحلامنا، وطموحاتنا.

ان قيمة كل واحد منا على قدر ايمانه بنفسه. ولو نظرنا الى انظمتنا التربوية والاجتماعية، لرأينا مأساتنا بوضوح، فكم حقرونا في هذا المجال؟! لقد اذلونا الى حد، بتنا معه لا نؤمن بقابليات قدرتنا ذاتها، اصبحنا نرى انفسنا في عجز تأباه  حتى فراخ الحيوانات!! فنحن عاجزون عن الانتقاد، عن الاستفسار، وحتى عن الكلام، صرنا لا نجرأ ان نتصور اننا قادرون على اي عمل صغير! نعم.. بلغنا هذا المستوى من الضعف وعدم الثقة بالنفس!! ولاشك، ان الجيل الذي يحتقر نفسه بنفسه، يكون حقيرا ايضا، فسياسة الاستعباد، حتى يظن الفرد نفسه من طبقة دنيا، فيسهل عليه عندئذ تقبل المذلة بصدر رحب، ويلجأ مستسلما الى حضن العبودية.

وبما أننا أصبحنا في زمن كل شيء يصنع فيه بطرق مختلفة إلا أنى أستطيع وكلى ثقة أن أؤكد لكم أن فن صناعة العبيد لم يختلف كثيراً في زمننا هذا عن زمن هتلر، فمازلنا نستخدم أساليب هتلر ولكن بنكهة القرن الـ21.

ثقة الإنسان في نفسه هي ما تدفعه للاستمرار، هي ما تدفعه للرفض، وهي ايضاً ما ستدفعه للوقوف... فلا تحطمها

 

في المثقف اليوم