آراء

حميد طولست: الحصانة البرلمانية

hamid taoulostلا شك أن الكثير من المفاهيم قد تعرضت في بلدنا الى التشويه، ومن بين تلك المفاهيم التي خالطها التحريف والتشوه لدى العديد من المواطنين المغاربة عامة، وطلبيها خاصة، الذين يجهلون كنهها الظاهر والباطن، قضية الحصانة التي حُرف مفهومها الحقيقي عما عرفها به القانون، والذي ينص على أنها ليست ذلك الإمتياز المطلق الذي يحسب المجرم والمختلس أنه يحميه من المساءلة والأجراءات القانونية، وإنما هي مقررة لصالح البرلمان باعتباره يمثل حالة تمثيلية وضمانة له وحماية لأعضائه وتيسيراً لعمله التشريعي والرقابي المتمثل في إصدار القواعد العامة الملزمة التي تحكم تصرفات الناس داخل كيان الدولة، ويكتسبها البرلماني من اللحظة التي يباشر فيها اعماله في جلسات البرلمان الرسمية، وتسقط عنه كلما تحدد إتهام ضده بالأدلة والقرائن، أو بحالة التلبس بالجرم المشهود، وهي"الحصانة" لا تخرج النواب عن سلطة القانون ولا تؤدي الى حفظ الدعاوى بالنسبة اليهم ولا ترمي الى تبريئهم من أي جرم أقترفوه، بخلاف ما يتخيله الكثير من المترشحين المتسابقين على الظفر بها، المتقاتلين على التلبس بها، ظنا منهم، مع الأسف الشديد، بأنها مرادف لامتياز شخصي يحمي العضو البرلماني من الإجراءات الجنائية، ويعفيه من المساءلة والمتابعات القانونية، في حال الوقوع في ما يجرمه القانون،ويدفع عنه ما ارتكبه من أفعال جنائية قبل اكتسابه تلك الحصانة العجيبة، التي يحسب أنها قادرة على حمايته بأثر رجعي من الأفعال التي يحظرها قانون العقوبات والتي تصبح اعمالاً لاغية أو أفعالاً مشروعة تحت مظلة مفهومها المشوه .

ـوبكل بساطة فإن الحصانة البرلمانية لا تتعلق بالفعل الذي يقترفه البرلماني، إنما تنحصر علاقتها بالاجراءات الجنائية المتخذة فيه فقط .. أي بوقف إتخاذ هذه الاجراءات، وتأجيل النظر فيها اثناء انعقاد جلسات البرلمان، وإرجاء اتخاذ الاجراءات الجنائية حتى يتم الإذن بها من قبل البرلمان ذاته، ليصبح عضو البرلمان المعني بعد صدور ذلك الإذن شخصاً عادياً يخضع لكافة أحكام التشريع الجنائي في ما إقترف من اعمال أو أفعال، وغالبا ما تغطي برلمانات البلدان المتخلفة -التي لا تحترم لا نفسها ولاشعبها - على جرائم اعضائها الذين يستغلون الحصانة لاغراض شخصية ومصالح احزابهم وكتلهم النيابية، ضدا على مصلحة الوطن والمواطنين الذين زكوهم لتمثيلهم والدفاع عن مصالحهم تحت قبة البرلمان، الأمر الذي يعد خرقاً للقانون وللدستور ولدولة الحق والقانون، ويتنافى مع أبسط مبادئ الديمقراطي ولا يحقق المساواة بين جميع المواطنين ويفتح بابا جديدا من أبواب الفتن المتلاحقة، ويجعل الدولة بحاجة ماسة إلى الوطنيين الذين لم يفقدوا ماء الوجه و لم يملأوا جيوبهم ولم يعيشوا و يعتاشوا هم و أولادهم وعائلاتهم على السمسرة السياسية والسرقة الوطنية " ليديروا شأن هذه البلد الأمين..

 

حميد طولست

 

في المثقف اليوم