آراء

عماد علي: تراجع البارزاني عن استقلال كوردستان واحرق جميع اوراقه

emad aliلم يتطرق مسعود البارزاني في بغداد الى ما ادعاه طوال السنين وهو استقلال كوردستان، وكان دافعه الاكبر لكل تلك المناوشات السياسية بين حين واخر هو الاسباب والعوامل الداخلية والصراعات الحزبية الضيقة فقط، و دخل في تلك المناورات احيانا غفلة ومن دون مقدمات او تهيئة الارضية او المقومات السياسية، ورفع من نبرة صوته بشكل متقطع من باب التضليل العام للشعب الكوردستاني فقط، وهذا كان مكشوفا ومعلوما لدى من يعرف البارزاني وسلوكه وتفكيره وسياساته وما تربى عليه، ان كان يحسب المتتبع ما هو البارزاني شخصيا وحزبيا عليه ونياته الحقيقية والاوضاع الداخلية التي وصل اليه اقليم كوردستان .

لم يبق امام البارزاني طريقا حتى ضيقا جدا الا العودة بالحالة  المستضعفة التي اوقع نفسه فيها الى بغداد، وبالشكل الذي رايناه والثلعثم الذي تكلم  به اعتمادا علي ما اخجل منه وما خطى به، والذي لم يحسده عليه احد . هرول البارزاني بعد طول صبر على ما وقع نفسه بيده فيه وهو الدخول في النفق المظلم والمتاهات العويصة نتيجة صراعاته مع الاخرين الداخليين دون حساب وبنرجسيته و طموحاته الشخصية وضعف نظرته ورؤية مستشاريه الذي لا يؤمن اصلا بما ينطقون كما هو حال اكثرية القيادة الكورية معتقدين انفسهم عبقري الزمان في السياسة دون ان يدركون بانهم لازالوا في القرن العشرين، وربما ينصتون لمن هم من الدول الصديقة لهم، وهم ايضا تحت امرة مصالح بلدانهم فيما يتكلمون وينصحون ويستشيرون .

الوضع الداخلي المعقد ووصول الخلافات الداخلية الى القمة وعدم الانسجام بين القوى والعلاقات الحزبية في الحضيض، مع الضيق الاقتصادي والازمة الخانقة في جميع المجالات وفي مقدمتها الاقتصادية التي لها الصلة المباشرة مع حياة الناس التي تحملوا الكثير خلال السنين الماضية ولم يجدوا في اخر النفق بصيصا من الامل، من احد العوامل الذي فرض نفسه على البارزاني معتقدا بان شرارة النار ستصل الى عتبة بابه قريبا .

البارزاني وحزبه لم يوضحان الاسباب التي ادت الى هكذا امر من النواحي كافة، لم يتصارحوا عن مقدار الواردات وكيفية صرفها واين هي السيولة، مقارنة مع كمية الصادرات، ولم يعلنوا عن فشلهم لاسباب ذاتية كانت ام دولية في هذه الناحية .

ان توزيع الاحزاب الكوردية على المحورين اجبر كل طرف على عدم النطق بما تضرر به وما هي الحقيقة في تحالفاتهم ومن خدعهم وعلاوة على ذلك وقع الوزر كله على الشعب .

هناك من يتوقع بان التقارب الايراني التركي والتحركات الاخيرة لهما لها الدور الكبير في وضع البرزاني في زاوية ضيقة واجباره على العودة الى بغداد وابعاده عن ما تبجح به من نيته في اجراء الاستفتاء حول استقلال كوردستان وشكّوا فيه على انه يمكن ان ينفذ ما يقول بدفع او تحريض من احدى الدول الكبرى، وبالتالي دفعوه الى ما كان عليه دون اي جهد يذكر، وهذا هدف دول الجوار جميعا واحدى النقطات المشتركة بينهم ان لم تكن النقطة الوحيدة .

لو دققنا اكثر، اننا نرى ان هناك عوامل داخلية اكثر من الخارجية التي فرضت على البارزاني التنازل بهذه القوة وهو المعروف عنه بالتزاماته العشائرية في سياساته وسلوكه وتحركاته ومحاولاته في الحفاظ على ماء وجهه مهما كان موقفه ضعيفا، واخيرا اتبع خطوات صديقه الحميم اردوغان في تغيير وجهته بشكل مفاجيء ، اي ما توجه به اردوغان الى بوتين والبارزاني الى العبادي في غضون مدة قصيرة جدا (يبدو انهما اثرا على البعض في التطبع والسلوك ايضا).

من الواقع الذي وقع فيه البارزاني ووصل لحد الخناق على النفس، استدرك ان حبل الانقاذ يمكن ان يكون بيد العبادي بعدما علم بانه في وضع لا يحسد عليه ايضا بعد ان افتعل التضايق عليه من قبل منافسه الشرس المالكي، واختيار الوقت مناسب للجانبين، ويمكن ان يكون الالتقاء مفيدا ومؤقتا لهما ولا يمكن ان يسيرا على هذا المنوال طويلا لاسباب عديدة، وستكون قضية الموصل وتحريرها احد المعوقات امامهما وليس عملا مساعدا لتقاربهما  كما يدعي البعض بعد تحركات تركيا المتوقعة في هذا الجانب .

السؤال الذي يمكن ان يساله المواطن الكوردستاني المنتهك حقوقه العامة هو؛ هل يدوم الوضع الجديد بين اقليم كوردستان والمركز بشكل سلس ومن دون ان يفرض المتاثرين بهذه الخطوة امورا على الوضع الداخلي العراقي وان يرسموا خطوطا حمر امام احد الطرفين او الاثنين معا؟

تراجع البارزاني عن ادعائاته في استقلال كوردستان والتي كانت نابعة من اهدافه الخاصة والحزبية، وعلى الرغم من ان اعوانه السذج يدعون الجانب الشكلي والتضليلي  في كلامه وكانه الهدف الحقيقي، وينطقون بما يخالف الحقيقة وكل ما يعلنونه هو من  المظهريات ويخدعون بما ينطقون حتى انفسهم، ولم يجدوا غير الادعاء وهو التفااوض مع المركز حول الاستقلال، يا لهباء الادعاء وما يراد به الحفاظ على ماء الوجه وصادر من الخجل في اعلان الفشل، دون ان يقيموا الوضع الراهن وقدرة المواطن البسيط على قراءة ما يجري افضل منهم ومن قياداتهم ايضا .

اننا امام مرحلة جديدة بعد الفشل في السياسات والخطوات والتي راحت ثمار الجهود التي بذلت الى جيوب الاعداء التاريخيين للشعب الكوردستاني للاسف . ان البارزاني بنفسه احرق ورقة قوية كانت بيده منذ سقوط الدكتاتورية وهو امكان فرض الضغوطات بادعاء امكان الاستقلال عند فشل تنفيذ اي متطلب او تحقيق اي هدف في اي تفاوض ونقاش مع بغداد . اما اليوم، تعلم بغداد بان المحاولات التي اعتمد فيها البارزاني على الاطراف الخارجية لفرض المطلوب قد احترقت اوراقها بفعل ويد البارزاني نفسه، وعليه يفرض الواقع الجديد عليه القبول بالادنى والاقل مما كان من قبل بينهم . اي تمكن الفشل الذريع ونتيجة السذاجة وعدم تقدير وتيقيم الموقف المرحلة بنجاح مع الصفات المبتذلة للقيادة الكوردستانية وفي مقدمتهم البارازني نفسه، ادى  الى كسر الحجر الذي كان يحمله البارزاني ويهدده بضرب المركزـ اليوم يمكن ان يُضرب به راسه ،لقد جرح داخليا كوردستانيا واقليميا ويريد ان يدمل الجرح الناتح عنه في بغداد . وبه خسر الكورد الكثير مما كان يملك نتيجة السذاجة في السياسة وعدم الاستناد على العقلانية في التحليل والتطبيق، والعمل بعبدا عما وصلت اليه المنطقة وكوردستان مع فرض المصلحة الشخصية والحزبية نفسها على القيادة الغشيمة، اضافة الى التحرك وفق اهداف ضيقة والتضليل بادعاءات كبيرة  ولم تكن بهي الهدف الحقيقي، وانما استخدمت من اجل الصراع الداخلي وسيطرة التفرد والحزب الواحد على الامر باسم تسجيل التاريخ والاسبقية  للامجاد الشخصية . ياله من تفاهة وسفاهة وسذاجة في القيادة التي لا تعلم ولا  تقيّم المرحلة على ما هي عليه بل بعواطف واهداف ذاتية،  او يقيسها بمقاييس متخلفة وبعقلية غير مدركة لبواطن الامور وحقيقتها وانما تسيير استنادا على الشكليات .

 

في المثقف اليوم