آراء

الطيب بيتي: السيرك الإنتخابي الأمريكي والحقل الإيديولوجي الجديد

altayb baytalalwiاذا كان رفض الجرائم البشعة، وعمليات إبادة الشعوب، وقرصنة حضارات الأمم، ووصف كل من يشجبها ب معاداة الأمريكيين فنعم وألف نعم !، ولكن بشرط القبول، بأن معاداة الولايات المتحدة الأمريكية تبدأ برفض النفاق الأمريكي وخداع ساساتها بالخضوع للحزب الواحد بشقيه المسميين قلبا للمعنى بالجمهوريين والديموقراطيين اللذان لا يحملان وراء تقنعهما أية مشاريع إيجابية للبشرية . المفكر الفرنسي كريستيان، دو بري Christian de Brie

ماذا ستُسفِرعنه قبعة حاوي السيرك الإنتخابي الأمريكي في المراحل القليلة القادمة ؟

وما هومصيرالعالمين العربي والإسلامي والعالم برمته لما بعد الإنتخابات؟

 ومن سيحافظ على أمريكا في عهدها الديني القديم كأرض كنعان، وأرض الميعاد لشعب الله المختار؟ وهو مبدأ الجمهوريين-ومن سيكمل التوسع الأمريكي في عهدها التديني الجديد -كدولة صليبية-(وهومبدأ الديموقراطيين)

ولماذا يفشل دائما-منذ أواخرالقرن التاسع عشر-أي تيار علماني يكون وسطا ما بين هذين التقليدين يستقطب الأمريكيين، بالرغم أنه–للغرابة- تعبتر الولايات المتحدة نفسها بمعية شقيقيتها الصغرى  إسرائيل بمثابة أهم إنجاز حضاري غربي (حداثوي) والنموذجان للغرب الحضاري المهترئ المتعثرالحالي؟

 

ومن هذه الزاوية: فليس من اليسيرالإجابة على هذه التساؤلات، حتى من طرف الإختصاصيين الأمريكيين أنفسهم، الذين لم يَثْبت كبارإعلامييهم، أوخبراءمحلليهم على مقال، سواء في الشأن الداخلي الأمريكي، أوفي شأن السياسة الخارجية الأمريكية (وقد فصلت في هذه الإشكالية في مبحث سابق تحت عنوان الثابت والمتحول في التقليد السياسي الأمريكي)، وذلك بسبب تعقيد ما يسمى ب الحقل الايديولوجي الأمريكي champs ideologiqueمنذ أن أصل له الآباء الأوائل المؤسسون للدولة الأمريكية، الذي هوأشبه ما يكون بمعادلة غنوصية إستسرارية صعبة , ésotérico-gnostique, تستقي معينها من مصادرمعقدة موغلة في الخفائيات (الهيرمونتيكية التي هي بدورها أعقد من ذنب الضب يحاول بعض المتفلسفين العرب إختزالها في فلسفة إغريقية-وهي ليست كذلك- وتسمتد رؤاها المستقبلية من الأسرار(التلمودية-الماسونية)، ويكفي لرجل الشارع العادي النظر في الدولار الأمريكي المليئ بالرموز(الماسونية- التلمودية) التي ترمز إلى الرب الأمريكي In God we rtust »، و(بالطبع ليس هو الإله المسيحي ) الأمرالذي يلقي بعض الأضواء على سرالعلاقات الشاذة واللاعقلانية، ما بين الكيان العبري والنظام الأمريكي (في شقيه الجمهوري والديموقراطي-حيث يتم التنافس بينهما من الأكثر خنوعا للعبري)، فتحول مصطلح الآباء المؤسسون للدولة الأمريكية (الذي إصطبغ منذ البدايايات بالإستثناء الديني الأمريكي الذي فصلت فيه في مبحث سابق)

وإرتبط-تاريخيا-مفهوم الحقل الايديولوجي في الغرب الأوروبي-حتى أواخرالتسعينات - إرتباطا وثيقا ببلدان الديموقراطيات الغربية التي تتميزثقافتها، ولأسباب تكنيكية وسياسية وعوامل أخرى– غير معلنة-بتحويل المعارضات السياسية إلى عرض Spectacle- show، لإتاحة الفرصة لمختلف الأطروحات السياسية للظهورعلى خشبة المشهد المسرحي عبرالمناقشات المتفلزة، وعبرالأثير والأنترنيت، لتعويد الناخب المتفرج على تأمل هذا الحقل الرمزي لمختلف الاتجاهات الأيديولوجية المحلية.

وقد يتفق الحقل الايديولوجي الأمريكي في الشكل مع نظيره (الفرانكو-أنغلوساكوني) عندما كان التقليد السياسي في هذين البلدين(حتى نهاية الحرب الباردة) بعيد ظهور مصطلح ما بعد السياسة في أواسط الثمانينات (الذي فصلت فيه في مبحث سابق) مؤسس–نظريا-على مبادئ (روسو- مونتيسكيو-هوبز- هيوم) وعلى قوانين مكتوبة و أعراف أخلاقية متفق عليه bons usages تحدد قواعد اللعبة السياسية الإنتخابية، وتحول دون الخروج عنها، من حيث أن الإنتخابات -مبدئيا- حقل تنافسي (أخلاقي)، الأمرالذي يتطلب–أخلاقيا- ضرورة تقنين هذه المنافسة،

بينما يفتقد الحقل الإيديولوجي الأمريكي إلى الضوابط والمعاييرالأخلاقية التي كان متعارفاعليها في أوربا الغربية، حيث أن الدارس لتاريخ الإنتخابات الأمريكية يكتشف إغتيالات مشبوهة منذ القرن التاسع عشرلقادة حزبيين ورموزنقابات تمردوا علي الخطوط الحمراء التي رسمها الحزبين الذين تقاسما السلطة منذ قيام الدولة عام 1776 إلى اليوم، مفردتا اليسار والتقدمية تتلبَّسان معاني وإيحاءات وتحويلات أمريكية إستثنائية، لاعلاقة لها–إصطلاحيا–بتعريفات ماركس ولينين المتداولة حتى اليوم في أوروبا الغربية، يتم إحتكارهما من طرف الحزب الديموقراطي الأمريكي الذي هوأكبرتجمع سياسي في العالم (حوالي أكثرمن 42 مليون عضو فاعل حسب إحصائيات 2004(أي حوالي تعداد دولة مثل المغرب أوالجزائرأو سوريا)-وهناك من أوصل الرقم إلى حوالي 75 مليون في بعض إحصائيات لعام 2015 وهو تعداد كل ساكنة فرنسا)

ومن هذا المنظور، فإن الحقل الإيديولوجي الأمريكي عصي على الفهم (كأمريكا نفسها) وذلك من أجل إستخلاص ما يجري في الولايات المتحدة حاليا، حيث يتداخل فيه: المقدس :المتجوي داخل تعقيدات الخصوصيات الدينية الأمريكية التي سيطرت على الثقافة الأمريكية خلال قرنين -، و الدنيوي :الذي بدأ مع نهاية القرن التاسع عشر، وكان هوالتوجه الأمريكي الإيديولوجي العام الذي ظل يحكم السياسة الأمريكية الخارجية منذ الرئيس الخامس الأمريكي جيمس مونرو إلى الرئيس الرابع والأربعين حسين باراك أوباما

ولذا، يمكن تلخيص العقيدة السياسية الأمريكية منذ نهاية القرن التاسع عشرحتى اليوم إلى أربعة تقاليد:لن تتتغيرإلا بقيام حرب عالمية ثالثة- (التي يسعى اليوم الحزب الديموقراطي عن طريق أوباما وكلينتون– للغرابة-على إشعالها من أجل إنجاز النظام العالمي الجديد عبرحكومة العالم الجديدة التي صرح بها الغربيون-عمليا–منذ عام 2007 (بينما التمهيد لها تم منذ عهود) ليتحدى أوباما العالم بأسره في خطابه الأخير بالأمم المتحدة، بلزوم إنجازها على أبعد تقدير في عام 2017 المقبل–وهنا فليتأمل المتأملون وليخرس العرب الثرثارون الممتثاقفون العرب والمتعالمون فقد قضي الأمرالذي فيه يستفتون-

أما التقاليد السياسية الأربعة الأمريكية التي لن تتغيرإلى يوم يبعثون فهي:

 أولا: الإمبريالية التقدمية: التي تعني مسؤولية الأمريكيين (الإنسانية والأخلاقية) في تحضيرالبشرية

ثانيا: مبدأ ويلسون أو الليبرالية العالمية :وهدفها: جعل العالم أكثرسلما وديموقراطية بعد الحرب العالمية الأولى، لخصها الرئيس ويلسون للعالم في نقطه الأربع عشرة الفاشلة.

 ثالثا: مبدأالإحتواء وهوالتقليدالسياسي الذي ساد كل السياسات الـأمريكية الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية- (جمهوريون وديموقراطيون) من أجل مواجهة الإتحاد السوفياتي والمد الإشتراكي والشيوعي في العالم، كبديل لإشعال حرب عالمية ثالثة–زمنها-

رابعا تحسين العالم عن طريق التغييرالإقتصادي والإجتماعي والسياسي والثقافي، عبر الرسالة الأمريكية للعالم المسماة بمشروع أمركة العالم عام 1944 للرئيس فراكلين روزفلت أو النهج الأمريكي للحياة The American way of life–الذي تكلفت به الماكينة المهولة الهيوليودية عبرنشر ثقافة الحماقات والغرابات الجديدة كنموذج للإبداعات البشرية بالإكراه على التمثيل:بدل التماثل

و يتساءل اليوم عقلاء العالم وحكمائه، عن جدوى هذه التقاليد السياسية الأربعة المقدسة كعيقدة ومن سيحاسب سياسيي أمريكا عنها - ونحن في نهايات الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين-والتي يبدو أن الإمبراطورأوباما في خطاباته الحالية منذ شهر جوان2016–وسواء في مجلس الأمن الدولي او بمناسبة 11 سيتبمبر-قد أكد على ضرورة إيجاد نقلة نوعية جديدة ترسم الخط السياسي الجديد للولايات المتحدة الأمريكية بالتأكيد على الرسالة الخالدة والمقدسة للولايات المتحدة في المرحلة الإنتقالية العالمية الأخيرة عبرإلزام العالم كله بقبول النظام العالمي الجديد الذي لم يتواني الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تحذير باراك أوباما - في إجتماعهما الأخير العشرين الكبارفي شهر سيبتمبر 2016 بالصين -من مغبات هذا المشروع الجهنمي الخطير، الذي معناه النهاية الممنهجة لكل الثقافات والحضارات والديانات في مشروع حكومة العالم الجديدة التي فصلت فيها في الجزئيات و التفاصيل (في كتاب سابق)

حيث حذربوتين ـأوباما في السعي إلى إشعال حرب نويية لا تبقي ولاتذر، وخطاب أوباما الجديد في الأمم المتحدة هو نقلة هجومية مصادمة أعنف من كل الهجومات الأمريكية السابقة (جمهورية أم ديموقراطية)، مما دفع بالصينيين إلى تخصيص الإمبراطور أوباما بإستقبال مهين لا يليق حتى بأصغروأحقر دولة موزفي المحيط الهندي او الباسيفيكي، نعته رئيس دولة الفلبين في مؤتمر صحفي عالمي في إجتماع الصين بإبن الباغية ، وتحداه أن يفعل شيئا ضد بلده؟-(و الفلبين هي من أول الدول الأسيوية التي طالها التدميرالأمريكي فيالماضي مرتين (منسنة 1899حتى سنة 1913) و(في ما يسمى ب العصيان الفليبيني ضد القوات المسلحة الأمريكية سنة 1999 )

والسؤال المحير الذي يطرحه اليوم أنثروبولوجيي السياسة الأمريكية من الأمريكيين والأوروبيين على السواء مثل إدغار موران في فرنسا والبروفيسور ويليام فولبرايت في أمريكا هو:

 هل يمكن لأمريكا أن تعود إلى أطروحاتها الأصلية للقرن التاسع عشر كأرض الميعاد و أرشليم الجديدة التي ما تزال في التراث السياسي الأمريكي بمثابة( نهاية حج عظيم ونهاية للبحث الروحي العظيم) كما اراد لها مكتشفها كولومبس ، وكما عرفها القس البروتستانتي في موعظته الشهيرة على ظهرالسفينة أرابلا –كمبدإ سامي ديني بسبب الإيجادالإلهي-الذي جعل كولومبس رسولا للجنةالجديدة والأرضالجديدة ، التي حدثه بها يوحنا المقدس في سفرالرؤيا وأراه المكان والزاوية والنقطة التي سيجد فيها المكانالمقدس العظيم الذي هوالقارة الشمالية الأمريكية-أم ستستمرالولايات المتحدة كدولة صليبية وك روما الحديثة بهدف التوسع والجشع والإستحواذ ؟هذا ما ستكشفه لنا جهينة بخبرها اليقين في القريب العاجل الذي سيرى الأمريكيون والعالم من أمره عجبا !

 

 

في المثقف اليوم