آراء

كاظم الموسوي: تناقضات تركية ومزاعم امبراطورية

khadom almosawiلم يسجل المشهد السياسي التركي تناقضات سياسية جدية كما يعيشه هذه الفترة الراهنة. لاسيما بعد ان فضح فشل الانقلاب العسكري في اواسط تموز/ يوليو الماضي ما جرى ويحصل في تركيا، وكشف ابعادا لكل التناقضات والسياسات الهوجاء التي كانت تستند الى قواعد من التبعية والرهانات المختلفة، سواء لأصحاب القرار او التابعين لهم والراكضين خلفهم. فلم تعد خطط الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اوهاما له تبناها بنفسه وحسب، وإنما اخذت خطوات عملية، لاسيما في شؤون تغييره لأغلب المعادلات والعملية السياسية الجارية في بلاده، المناقضة للدستور ومنهج الدولة. اضاف لها تكليف نخب قربها منه وسلمها مفاتيح ابواب قصره الامبراطوري، واغلبها شخصيات مزايدة في دعمه والسير في مصالحه الشخصية وخططه دون اعتبارات دستورية او انجازات لتحولات تاريخية في بنية الدولة التركية وتقدمها. من مجلس وزرائه الى الانقلاب الداخلي داخل المؤسسة العسكرية وتصفية كل من يدعيه بخصومه من مؤيدي حليفه السابق، رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة الامريكية، فتح الله غولن، بشبهة التآمر معه ضد احلام اردوغان، ولهذا تم "اجتثاث" الالاف من العاملين في مؤسسات الدولة، العسكرية والمدنية، وصولا الى الاعلام بكل صنوفه، والعمل على قمعه لحريات التعبير والتنظيم والمعارضة السياسية. اذ تم اعتقال ألاف الاتراك وزجهم في السجون وكذلك فُصل اكثر من مئة ألف مدني وعسكري من وظائفهم، فضلا عن عزل مئات القضاة وآلاف المعلمين وغيرهم وتكميم افواه المعارضة واعتقال رموز منها. زادها رفع شعارات العودة الى الاحلام العثمانية والتمجيد بتاريخ السلاجقة والاحتفال به دون اعتبار من دروس التاريخ، الامر الذي قد يخلق اشكاليات ومصاعب لا تصب في خدمة المصالح التركية اولا ولا المنطقة ثانيا وأخيرا.

جاءت قضية الموصل وتحريرها عراقيا من ما يسمى اعلاميا بـ "داعش" اشبه بقشة اخرى قصمت ظهر سياسات اردوغان وأفكاره ومشاريعه وحتى احلامه. ارساله قوات عسكرية تغلغلت داخل الاراضي العراقية مسافات لا يمكن اعتبارها بأي شكل إلا مشروع احتلال وتدخل سافر في شؤون داخلية عراقية وتهديد لمستقبل المنطقة وتنفيذ لمشاريع مرسومة ابعد من خططه ومشاريعه، قد تحرق اصابعه، وتفضح تصريحاته وأعوانه المتناقضة والمؤججة لقضايا تثير نوازع وفتنا خطيرة، كما انها لا تصب في تحسين العلاقات الودية ولا التاريخية ولا يمكنها إلا اثارة المخاوف من قرع طبول حرب الان وانتقالها الى ما لا يحمد عقباه.

بعد كل ما ادعته اصوات تركية كثيرة، من اردوغان نفسه، الى رئيس وزرائه ونائبه ووزيري خارجيته ودفاعه، وغيرهم، حول التغلغل العسكري في العراق ومن ثم ارسال قوات مؤللة اضافية الى الحدود العراقية التركية وغيرها من التصريحات الرنانة والتدخلات السافرة أُجبرت على التراجع منها وإعلان تحركها من معسكر بعشيقة وانتقالها الى مناطق اخرى. والأخطر في كل ما سبق محاولات اردوغان نفسه التهرب من التزامات معاهدات تاريخية كلوزان لعام 1923 وغيرها والادعاء بإعادة التفكير بها وإخراج بنود سرية لها والسعي الى اعادة التوسع الامبراطوري الذي انتهى زمنيا وأصبح في ذمة التاريخ، ولا يمكنه تحريكه الان إلا في خدمة ما هو اخطر واكبر  من كلمات اردوغان وإتباعه. كما ان اطلاق مفردات طائفية وإعادتها من قبل اعوانه وترديدها في اغلب الخطب والتصريحات وفي كل المناسبات تزيد من محاولات اشعال فتن طائفية وصراعات اثنية اضافية وقد تمتد نيرانها الى خارج حدودها.

بلا شك لعب الاصرار العراقي، الشعبي والرسمي، على الانسحاب العسكري ورفض التدخل التركي دوره فيها وكذلك المواقف المؤيدة للعراق، من ما يسمى بالتحالف الدولي وغيره ايضا. وفي كل الاحوال من تابع التصريحات الرسمية ادرك مدى حماقة القرارات والتصريحات التركية وتناقضاتها الفجة والهزلية رغم صوتها العالي وهلوستها اللفظية وانتهاكها للقانون الدولي والعلاقات الدولية والثنائية وحسن الجوار وميثاق الامم المتحدة وغيرها من الاتفاقيات والقرارات المعروفة.

في مقابل الأصوات التركية الرسمية، رأى زعيم حزب الشعب الجمهوري التركي، كمال كليتشدار أوغلو، أن تركيا لن تشارك في المعركة بسبب السياسات الخارجية الخاطئة للحكومة. وقال: "لقد بدأت عملية الموصل، وتركيا ليست على الطاولة. لماذا؟"، مضيفاً أنه "لا بد أن أحمي مصالح بلدي وأدافع عنها، ولكن السياسة الخارجية التي تتبعها الحكومة ستتسبب في كارثة. سياساتنا الخارجية خاطئة". وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري قد انتقد في وقت سابق الرئيس التركي، لانتهاجه سياسة خارجية "طائفية" دفعت بالحكومة العراقية إلى الاعتراض على وجود قوات تركية في المنطقة الشمالية من بعشيقة. وأكد كليتشدار أوغلو أن السبب وراء معارضة كل من العراق وقوات "التحالف" مشاركة تركيا في عملية تحرير الموصل هو تصريحات أردوغان. وأشار إلى أن "أردوغان تحدث مع محطة تلفزيونية في دبي ودمّر كل شيء، من خلال دعوته إلى سياسة خارجية طائفية.. ولعل ما اورده كليتشدار أوغلو مؤشرا على ما الت اليه سياسات اردوغان وما ادت له في الانتهاكات والتدخلات العدوانية، كما فضحت طبيعة اردوغان وتناقضاته في مواقفه ومزاعمه الامبراطورية، واستغلاله للظروف المعقدة في تنفيذ استيلائه على الدولة رسميا وإحلال نفسه في اطار الامر الواقع امبراطورا عثمانيا جديدا في خارطة جديدة لتركيا، ولكنه لم يدرك ما ستؤول له احواله وبلاده والمنطقة من هذه التناقضات الكوميدية وتداعياتها الكارثية.

دفاع الشعب العراقي عن اراضيه وحقه في تحرير ما احتل او وقع تحت احتلال قوى ارهابية معتدية، ورفض أي تدخل خارجي بالقوة اعطى ردا واضحا لكل التناقضات والاستفزازات التركية. فقد اصدرت احزاب سياسية بيانات تندد بما قام به الاتراك عسكريا، وكذلك رفعت التظاهرات الشعبية، كل جمعة، في وسط وجنوب العراق، شعارات ضد التغلغل العسكري التركي وطالبت بمحاسبته، وتطابقت عمليا سياسة الحكومة مع ما اصدره البرلمان من قرار (4/10/2016) لاستكمال الموقف العراقي، الرسمي والشعبي.

تضمن القرار الذي صوّت عليه مجلس النواب خلال جلسته الـ 21 من الفصل التشريعي الاول للسنة التشريعية الثالثة سبعة نقاط، ابرزها رفض قرار البرلمان التركي بتوغل القوات التركية في الاراضي العراقية ورفض تواجد اية قوات اخرى في الاراضي العراقية. واستدعاء السفير التركي في بغداد وتسليمه مذكرة احتجاج برفض تواجد القوات التركية وكافة الاعتداءات على الاراضي العراقية. ومطالبة الحكومة باتخاذ كافة الاجراءات القانونية والدبلوماسية المطلوبة لحفظ سيادة العراق وإعادة النظر في العلاقات التجارية والاقتصادية مع تركيا، واتخاذ الخطوات السريعة بمطالبة الامم المتحدة ومجلس الامن والجامعة العربية باتخاذ الاجراءات لإخراج القوات التركية. واعتبار القوات التركية في داخل الاراضي العراقية قوات محتلة ومعادية واتخاذ ما يلزم بالتعامل معها وإخراجها من الاراضي العراقية اذا لم تستجب للمطالب العراقية.

 

في المثقف اليوم