آراء

عماد علي: هل يمكن اعادة تلحيم البنية العراقية؟

emad aliبعيدا عن السياسة ومؤثرات التاريخ على البنية المجتمعية للشعب العراقي، وان اراد احد ان يتمعن في التفكير لاعادة بناء اللحمة لمكونات الشعب العراقي من خلفية مخلصة له، فلا اعتقد بانه يمكنه الخروج من المتاهة التي يصاب بها بسلام، يمكن ان يخرج بطريقين لا ثالث لهما، اما التقسيم والتوزيع، او الاحتراب المتواصل والمتعاقب بين المكونات مهما بلغ شدة المركزية في هذه الدولة المشؤمة منذ ولادتها وانبثاقها بامر خارجي مصلحي خبيث،  لم يفكر صاحب المخطط الخبيث الا في المستقبل البعيد له وليس لصاحب الشان .

لا نريد ان نطيل الامر من الناحية السياسية، فتكلمنا عنها كثيرا من قبل، فلنركز على الناحية الاجتماعية فقط وما في العراق من القيم الخاصة العديدة المختلفة  عما موجودة حتى لدى الشعوب المنطقة والجيران ايضا . منذ انبثاق الدولة العراقية ولم يذكر اي ما كان يسمي نفسه بالعاقل غير عدم وجود شعب متكامل الاوصاف موحد في العراق، بل كان انفارا قليلة من العقلاء المقيَمين الحقيقيين لما هو عليه المجتمع العراقي اوصفوه بتكتلات منتمية الى توجهات صغيرة منضوية على بعضها غير واصلة لما يمكن ان نصفها بخصائص شعب متكامل البنية ومرتبط مع بعضه كما قاله ملك فيصل الاول ومن ثم حلله العالم الاجتماعي الكبير علي الوردي باسلوبه العلمي السلس المعتمد على الحجج والبراهين الوافية التي لا يمكن رفضها علميا وعقليا .

اي، يمكن وصف هذا المجتمع بالشعوب العراقية على وجه التحديد لما يتصف به كل مكون ويتميز بخصلاته وسماته الخاصة التي يمكن ان تكون اكثريتها مختلفة تماما او بالمطلق عن ما يحمله الاخر، نذكر هذا بعيدا عن المثالية في التفكير ووفق خلفية علمية عالمة بمميزات شعب متوحد متراص ذو قيم موحدة مشتركة مع بعضها، والذي لا يمكن احداث شرخ كبير بين كيانهم وبنيتهم، كما هو الموجود والمتجسد بين مكونات العراق  .

كل ما يمكن ان نتذكره طوال تاريخ العراق منذ انبثاقه كبلد بعد انسحاب العثمانية المريض وموتها ومن ثم حروب عالمية مع تغيير الواقع الذي اجبر الاستعمار على التفكير بشكل مثير من اجل الابقاء والحفاظ على مصالحه واللعب في هذه  المنطقة على الرغم من خروجه جسديا، (وصف صديق عالم بهذا الوضع الاجتماعي فترة انسحاب الجيش الامريكي من العراق ابان حكم اوباما بفترة انجلاء الاستعمار من المنطقة والبقاء على وجوده سياسيا اقتصاديا وتخطيطه لضمان مستقبله لعشرات السنين لما بعده) .

 ان كانت القيم مختلفة بشكل كامل بين المكونات العرقية والمذهبية، ان كانت السلوك والاخلاق على غير شاكلة والنقاط المشتركة قليلة جدا، ان كانت الارض والجغرافيا بشكل عام والديموغرافيا مختلفة حد النخاع، فان التوصيف العلمي الحقيقي الصحيح كما تكلم به الملك فيصل ابان حكمه للعراق ليس بغريب، وهو الاصدق من بين جميع حكام العراق الذي تعقبوا على حكمه بشكل مختلف بين فينة واخرى ولم تفد ما اقدموا عليه على التوحيد والاتحاد والتوافق ابدا .

لا يمكن اهمال ادوار الشخصيات الحاكمة اوالعلمية او  الاجتماعية عبر التاريخ في تجسيد حال المجتمع، السلطات المتتالية التي برزت فيها شخصيات عاقلة الى جانب المغفلين، انهم ايضا لم يتمكنوا من غرز القيم التي تفرض التلائم وتبعد الانقسامات والشروخ لاسباب موضوعية وذاتية لما هو عليه العراق كبلد او كشعب متعدد وموزائيكي والمختلف التركيب . العقلية التي فكرت بها هذه القيادات من زاوية ضيقة غير متفهمة للاختلافات الموجودة اصلا، لا بل زادتها عمقا وتشتت بها المكونات وابتعدت عن بعضها اكثر لحد الوصول الى العداوات المجتمعية عند القاعدة ايضا، ومن خلال الحروب والتعامل مع البعض او تصرف القيادات مع المكونات من زاوية واحدة وهي المركزية وفرض الراي الواحد فقط، ابعدت هذه المكونات بعد انشراخها اكثر فاكثر، مما جعلته في حال لا يمكن ان يتفائل اي منا في اعادة التلائم واللحمة بينها بسهولة اوخلال فترة معينة .

هذا من الجانب الموضوعي والحال النابع من سيرورات التاريخ ، اما الحروب الداخلية واستمرارية المكون الواحد في الحكم طوال تاريخه بعيدا عن العدالة والحكم الرشيد، لا بل بالعكس الحكم المؤدي الى ابعاد المكونات وزرع الاحساس لدى البعض بالاغتراب وعدم التوافق والتلائم مع الاخر جعل من التلائم والتلحيم امرا صعبا لا بل مستحيلا بعد دخول العراق في مرحلة مابعد الدكتاتورية والواقع المزري من الثار وما يفعله الموتورون مهما كانت تركيبتهم امام الاخر، وزاد الطين بلة بعد مجيء داعش في الوقت الذي كان العراق على ارض الواقع ثلاثة اجزاء فعلية دون اعتراف البعض لاسباب سياسية ومصلحية بحتة فقط بعيدا عن المصلحة العليا للبلد .

اليوم ونحن نعيش في العراق الذي يتحكم فيه الكثيرون بعد سقوط الدكتاتورية، وتدخلت مصالح مناطقية وعرقية وفئوية ودينية ومذهبية في الامر ولا يمر يوم الا ونرى اداة التقسيم  تزداد وتتعمق الخلافات والشرخ يزداد عمقا، فهل بالامكان ان يعيش العراق على بنية واحدة باسترضاء الجميع (لا اقصد مصلحة البعض في الكلام عن وحدة الشعب العراقي، وخاصة من قبل الجهات الخارجية قبل الداخلية التي لها المصلحة في بقاء حال العراق على هذا التخلخل والاهتزاز من خلال فرض الترقيعات دون وضع اليد على الجرح والبدء في عملية طويلة المدى لصالح الشعب العراقي باجمعه مهما كانت الحلول، وبحجة واهية باسم وحدة الشعب والارض العراقي) .

كل ما في الامر، ان العراق لم يفكر ولم يمد يده للحلول الجذرية التي تهم الشعب العراقي بجميع مكوناته مهما كانت على حساب المثاليات في الادعاءات من حيث الوحدة الفكرية والشعبية والعقيدية والدينية والمذهبية وغير ذلك من الحجج المصلحية التي تقع جميعها على حساب حياة الشعب وحريتهم وسعادتهم . ولم يفكر احد وحتى السلطات المتعاقبة من نافذة كل شيء من اجل الشعب، فلا الوطن ولا العقيدة ولا الفكر ولا اي قيمة او هدف او شعار او منهج يساوي حياة فرد واحد او قطرة دم تسكب من اجل تلك الادعاءات اللفظية . اذا الحل لدى المكونات بذاتهم وبايديهم وليس من حق اي مكون ان يتدخل في حقوق الاخر وان اقتسم البلد على بعضه اوالى عشرين دولة وترسخت وتجسدت فيها الشعوب الموحدة البنية بذاتها . لان الدولة والنظام والعقيدة والفكر واي شي اخر هو من اجل الانسان ومعيشته وحياته وليس لاي منهم اي قيمة اعلى من الانسان، اي الشعب بشخص الفرد وحياته ومصلحته . ان كانت الامور غير دافعة للتلاحم في فترة معينة وان كانت الطرق لهذا الهدف غير سليمة وهناك ما يفيد المجتمع على حساب بعص الادعاءات التي سميت قيما مبالغة فيها، فانه حتى التقسيم المفيد بالشعب جميعا خير من الوحدة المضرة .

و بعد ما تغيرت الاحوال وما بين المكونات نحو الاعقد والابعد منذ مجيء داعش الاسود، فان تلحيم بنية الشعب العراقي اصبح من الخيال البعيدة المنال مهما ادعى المثاليين او المصلحيين الذين يتلاعبون بالالفاظ والشعارات لمصالح خاصة بهم لا صلة لها بالمصلحة الحقيقية للشعب وحياته وسعادته ومستقبله، ومهما تدخلت الجهات الخارجية التي لا يهمها الا مصلحتها الخاصة وان كانت على مصلحة العراق وشعبوه الكريمة التي تستحق كل خير وسعادة .   

 

في المثقف اليوم