آراء

عماد علي: الكورد ومرحلة ما بعد تحرير الحلب

emad aliمع بزوغ فجر تحرير حلب من مخالب داعش، والاجتماعات والرحلات المكوكية لرجال البدلوماسية للدول الكبرى والمنطقة، واخيرا اجتماع واتفاق الدول الثلاث روسيا ايران تركيا على مجموعة من النقاط التي تصطدم مع ما كانت تركيا تسير على التوجه اليه في المنطقة سواء اجبرت عليه ام هي من غيّر توجهه واصطفافه وانتقل كليا الى الضفة الاخرى من المحور او غيَرت هي من تمترسها السياسي وكما تعوت عليه في تاريخها، لقد اخلت بمعاهداتها وتوافقاتها مع دول الخليج واتخدت خطوات يمكن ان تبتعد اكثر عن مسيرة امريكا برئاسة اوباما، دون ان تهتم بالامر، لانها تخطط لعهد ترامب وما يمكنها من التقارب عن طريق ركوبها سفينة بوتين التي يدعي بانه يمكن ان تبدا مرحلة جديدة باعتلاء ترامب كرسي الرئاسة الامريكية ،و يعتقد بان له الفضل عليه سواء كان محقا من خلال ما كشفه المخابرات الامريكية في تدخل بلاده في خرق عملية التصويت الامريكية في عدة ولايات او من خلال دعمه ماديا واستشاريا .

وكما يبدو ايضا، ان روسيا فرضت نفسها اكثر من قبل من خلال استغلالها لسياسة اوباما وجراة واقتاحامات بوتين بشكل غير مسبوق منذ تفكك الاتحاد السوفيتي . ان انعكاف امريكا نتيجة سياساتها التي فرضتها ظروفها الذاتية الداخلية وما يؤمن به الحزب الديموقراطي الامريكي في مسار عمله المعروف عنه باكثر انعزالية من الحزب الجمهوري، او بعبارة اخرى، اهتمامه الاكثر بما يهم امريكا من خلال المياه الباردة اكثر من المياه الحارة البعيدة المنال احيانا او التي تحتاج لتضحيات وهي على حساب الانسان الامريكي، جعل بوتين يسير بخطى كبيرة في المسار الذي اختاره .

لنعد الى حلب، وما تفرضه خصوصياتها، والاتفاقيات التي فرضت ما وصلت اليه وما سرب من المعلومات عن الاتفاقات السرية بمباركة امريكا من جهة ورغما عنها من جهة اخرى . اعادت روسيا نفوذها بشكل كبير خلال هذه المدة القصيرة جداعلى اراضي الشرق الاوسط على حساب امريكا من جهة وباستغلالها لما تمر به امريكا من المرحلة المتنقلة لمابعد انتخابات الرئاسة الامريكية ومرحلة المخاض للحكومة الامريكية الجديدة من جهة اخرى .

بعد الاتفاق الثلاثي،ماذا عن تركيا وما تريده من ما يمكن ان يكون عليه الكورد في سوريا والاهداف الاستراتجية التي تضعها في اولوياتها وفي مقدمتها منع الكورد من تحقيق ما يريدون ؟ وما دور تركيا المستقبلي ازاء الكورد في كوردستان العراق ودورهم المستقبلي، بعدما باع ما اتفق عليه مع الدول الخليجية في شان المنطقة لمابعد الاسد؟ وما دور ايران المنافس الاول لتركيا فيما تريده تركيا بعدما ادارت وجهتها وهي تعتقد بانها على الرغم من عدم تقديمها اي تضحية استطاعت ان  تسجل لنفسها موقعا لدى الرابحين وهم ايران وروسيا والنظام السوري؟

من خلال قراءة الاولوية لدى كل طرف من الثلاثي، يمكن ان نجد ما يمكن ان يحصل للكورد او يوضع فيه من المعادلات المتغيرة المستمرة لحد اليوم . لا تهم روسيا  الا ان تكون لاعبا قويا وهي تعيد نفسها الى اللعبة السياسية العالمية من خلال سوريا، وحقا اعادت دورها وغيرت من ثقلها المهتز كثيرا، وهي لا تعير اهتماما كبيرا بالتفاصيل الصغيرة التي ليس لها اي مصلحة فيها، اي لا يمكن ان تبعد اي من الاطراف الثلاث من تحالفها من اجل لاعب صغير كالكورد في الساحة ، وعليه لا يمكن ان تبدي اي موقف داعم او مانع او رادع لاي خطوة كوردية في تحديد هدفهم النهائي . اي المعادلات لما بعد الحلب وضع الكورد امام توجهين متناقضين مع الاعتبار لموقف امريكا من الكورد وكيف تتعامل معه ضمن الاستراتيجية البعيدة المدى التي يمكن ان تتفاعل معها لضمان دورها الكبير في هذه المنطقة والتي يمكن اعتبارهم سدا منيعا او درعا سياسيا او جغرافيا لمنع تمدد روسيا لاكثر من المخطط لها، التوجهين هو اما التوافق مع البعض لكسب الرهان بقراءة المعادلات الجديدة وموقع كل طرف نهائيا والتوازنات التي تخططها وتحيكها الدول المعنية بصدد المنطقة او يمكن استغلالهم وهم يخرجوا من المولد بلا حمص .

اذاً، لنا ن ندرس موقع الكورد من خلال ما تهدفه كل من تركيا وايران وما يبدونه هم من قراءة ما يحدث ويقرروا الاصح بعد تهيئة الارضية المناسبة لهم والتي تتطلب الوحدة الفكرية والوطنية المفقودة لديهم لحد الان، وما يمكن ان يستغل الكورد الدور المناقض لهؤلاء بعد كشف ما يدور فيه وما تعتمده من الخطوات الماقضة لما يدور من قبل الدول الثلاث  من قبل امريكا ويمكن ان يكون بعيدا عن ممانعة روسيا لما تهدف اليه، اي التحيد لاهداف روسيا الاستراتيجية الكبيرة من قبل امريكا وتحصيل حاصل لذلك من قبل الكورد ايضا .

الاولوية الاولى لتركيا هي حماية رجب طيب اردوغان وايصاله لكرسي الرئاسة من خلال تعامله مع قضايا المنطقة باعتباره الضمان الاول لحماية مصالح تركيا الداخلية والخارجية، وتكون لاردوغان القدرة في التعامل مع المعادلات المتغيرة التي تبرز في المنطقة وهي تؤثر على الداخل التركي بصلاحيات واسعة لديه . وهذا ما شاهدناه من تغيير مواقف تركيا كثيرا وبشكل مفاجيء بدرجات كبيرة وهي تحولت من حضن لاخر، واخيرا ابتعدت عن دول الخليج ونفذت ما تهم ايران ونكثت بعهودها التي ابرمتها من قبل مع بعض دول الخليج التي تهمها سقوط الاسد اكثر من غيرها .

و من هنا يمكن للكورد ان يقرءوا هذه المعادلة ليتحركوا وفقها او ضمن المساحة التي يمكن ان يستفيدوا منها، وبالاخص مع من يقفوا امام تركيا في تحقيق اهدافها الخاصة كضامن لعمل الكورد في الاتجاه المقبول لتوجههم . وعليه يمكنهم التقارب مع بعض الدول الخليجية من جهة ويتمسكوا بعلاقاتهم الامركية ثانية مع الحفاظ على علاقاتهم الطبيعية مع روسيا .

اما ايران فانها عازمة على تحقيق الهلال الشيعي باي ثمن كان، وحققت نسبة كبيرة منه من خلال تحرير الحلب بفرض قوتها وهيمنتها وارادتها من جهة وفرض قوة موازية للجيش السوري التي هي من اولولياتها في سوريا لتبقى اداة لتحقيق اولولياتها في سوريا كما فعلت في العراق . والكورد يمكن ان يتفاعلوا مع توجهات ايران من زاوية الهدف السامي لديها وهي ضمان تحقيق الهلال الشيعي على الارض، ولكن السؤال هو كيف يمكن التوافق بين موقف ايران مع مواقف دول الخليج المطاطية المتمايلة في هذا الجانب .

خلاصة القول لما يهم الكورد من خلال قراءة استراتيجيات واهداف كل من تركيا وايران والتعامل مع الثغور بينهما من جهة مع التعامل مع الدول الكبرى كروسيا وامريكا من خلال ما يهمها من خلال ما يتعارض سياستهما مع ما تنويها البلدان ايران وتركيا في المنطقة، كيف يكون هذا ؟

يحتاج هذا لعقلية كوردية قيادية بارعة ولتعاون كبير بين القوى الكوردية في الاجزاء الاربعة لكوردستان، وهذا مفقود لحد الان بين كوردستان الجنوبية والغربية على الاكثر . اي ان اقتربت هذه القوى بفعل ما يجبرهم من تعامل القوى الاقليمية معهم على ذلك، على الرغم من تمسكهم بالمحاور اكثر من تمسكهم بعضهم للبعض، فان المتغيرات ستجبر هذه القوى الكوردية المتعادية الى التعامل مع البعض بشكل مغاير مستقبلا وبفعل وتوجهات خارجية .

مع تعادي تركيا وايران لبعض من زاوية تفكيرهم المصلحي الضيق واهدافهم الخاصة في اكثر الاحيان الا انهما متوحدتان في القضايا المشتركة الخاصة بينهما ومن بينها القضية الكوردية الشائكة بين البلدين وما ارغموا عليه من التعامل معها غصبا عنهم بعد ان تواجهوا مع ما لا يمكنهم من التهرب منه .

لا يمكن لمن يحلل ويتعمق في الحال الكوردي الاني ان يتفائل ان لم توجههم مصالح احدى الدولتين الكبيرتين، وهذا هو الامل الذي يمكن ان يعقد الامر عليه ، فلننتظر لما نصل اليه بفعل الايدي الداخلية غير الصحيحة التوجه وما تتعامل بها الايدي الخارجية  البعيدة والقريبة احيانا والتي تكون اكثر مصلحة للكورد من انفسهم ايضا وبفعل ما يتوافق مع مصالحهم ايضا .

 

في المثقف اليوم