آراء

عماد علي: من تفوز في النهاية روسيا ام تركيا

emad aliكلنا على اليقين بان عملية نقل التوجه لتركيا من الغرب الى الشرق بشكل سريع ليست بسهلة عليها من جهة او بامكانها ان تستمده وتنقطع نهائيا عن الغرب والناتو الذي يعتبر حلفها معهم شريانها الابهر الذي لا يمكن بتره وهو الذي يغذي كل كيانها السياسي الاقتصادي والاجتماعي، وتبقي عليه لكونه من الاستراتجية التي تتبعها تركيا وان ترددت في مراحل معينة لاسباب او من اجل اتباع تكتيك تعتبره ضغوطا على الغرب من اجل تحقيق مرامها المرحلي . وان كانت تركيا مضظرة وتريد اللعب بكثير من الاوراق التي بقت بيدها واوقعت بنفسها في مساحة ضيقة من جهة ، ومن جهة اخرى انها فشلت في تصفير مشاكلها في المنطقة لا بل وصلت الى تصفير صداقاتها مع الكثير من دول الجوار وحتى من اقرب قريباتها ايضا . ولذلك اضطرت الى التصالح والتنازل والارتماء في حضن بوتينكقوة مهيبة يمكن التعويض لها عما فقدتها من تعنتها وممانعتها لامور كانت لمصلحة الغرب تنفيذها واتقاءا لشر ما وصلتها من الغرب ومن فعلة يدها هي، نتيجة تهور رئيسها اردوغان وطموحاته ونرجسيته وطمعه السياسي وما يريده من تسجيل مجد له ويطمح  لتسجيل انعطافة في تاريخ بلاده .

اي كل ما دفع اردوغان الى تغيير مسار سياساته لحد اليوم ليس الا عوامل لا يمكن ان يتصور المتابع المقيّم لحال تركيا الا ان يقول بان اردوغان على الرغم من مناوراته لازال يحلم بعضوية الاتحاد الاوربي ويريد فرض خصوصيات بلاده وسماتها الحالية عليهم وهي غير المستوفية للشروط السياسية لما يتطلبها الانضمام الى الاتحاد الاوربي، من حيث الاعتماد على الديموقراطية وحرية التعبير وضمان حقوق الانسان على الاقل، وعليه، يريد اردوغان ان يكون عضوا بما تتسم به بلاده من سمات الشرق، ومستفيدا من خيراتهم الاقتصادية عنوة والا انه يغير توجهه .

 روسيا بدورها لها مصالح كثيرة في تقبل تركي على المضض وعلى الرغم من معرفتها المسبقة بان تركيا لا يمكن ان تنفصل عن الغرب بما تملكه من حبل التواصلالتاريخي الذي بنته خلال هذه السنين الطوال منذ الحرب العالمية الاولى او منذ تاسيس الدولة العلمانية التركية وبالاخص خلال الحرب الباردة وما تميزت بها تركيا وتفاعلت مع مصالح الغرب . السؤال هو، فهل يفعلها اردوغان ويقفز على المتوقع والمحتمل ويفاجيء الجميع بقطع صلته بالغرب ويسنحب من الحلف الاطلسي نهائيا، ام لازالت تركيا ملتزمة وملتصقة بما يصدر من الغرب على حساب الشرق وروسيا، ومحاولات اردوغان لكسب ود بوتين ليس الا لتبادل المنفعة المؤقتة والتكتيكية، والا انهما اي اردوغان وبوتين ينافقان ويخدعان البعض سريا ويجاملان البعض علنيا .

كل ما يجري ليس الا خداع بين قائدين ماكرين نابعين من خضم صراعات المنطقة ومن ثنايا الاوضاع السياسية والاجتماعية الملتهبة داخليا وفي مرحلة مغايرة تماما لما كانت عليه من قبل ويعتمدان على الحيل المخابراتية والافعال الثعلبية غير المضمونة النهاية، واعتمادا على اسس العلاقات الصحيحة يمكن ان نقول بانها علاقات تنتظر الانقطاع في اية لحظة وبشكل نهائي ان لم يغير كل منهما ما يكنان للبعض من الحيل، او يدخلان بشكل طبيعي في تحالف جديد مبني على توجهات مغايرة تماما لما عاشتها بلادهما من قبل .

هل تحقق روسيا مطالب اردوغان الاستراتيجية التي يفكر فيه دوما واصبح جزء منه وهوما يسمى بفوبيا الكورد وما يحلم به من انهاء هذه المشكلة بالنسبة له مصيرية، وكذلك يهتم بما موجود من القضية الكوردية في المنطقة باكملها وليس في بلاده فقط، هل تدعم روسيا تركيا وتدافع عنها في السراء والضراء وتصبح بديلا لللناتو لها، هل تثق البلدان بالبعض تماما ام تخشيان كل امر وحتى اخطر ما يمكن ان يحدث بينهما، هل بامكان روسيا ان تسحب تركيا من الناتو وتقطعها عن ما يوفر لها من قبلهم وتعوضعها عن المصالح التي تهمها لديهم .

كل تلك الامور يمكن ان تبقى حائلا دون التقارب البلدين كصديق طبيعي، وخاصة مما ترسب لدى البلدين من افرزات نابعة من التحالفين الوارشو والناتو المعاكسين للبعض، ومن ثم ترسخت في كيانهما السمات المعاكسة . وعليه هناك امران لا يمكن ان نجد ثالثهما اما تنقطع العلاقة التكتيكية التركية الروسية بعد انقضاء هذه المرحلة المتنقلة وتعود البلدان الى ما كانتا عليه من قبل، او تنقطع تركيا عن الغرب وهذا قرار مفاجيء ويحتاج للانعطافة الكبيرة من قبل تركيا ويجب ان تغير من استراتيجيتها بشكل كامل ونهائي وتصبح بلدا شرقيا قحا صديقة لروسيا اما معادية لامريكا والغرب ان وصلت الحال الى الحرب الباردة الجديدة المتوقعة في اكثر من الاحتمالات، او على الاقل تكون تركيا متحفظة على حال خاصة بها وهي تعتزم ان تعيد امجاد العثمانيين وتفعل ما يمكنها ان تتصرف كقوة امبراطورية لها باعها وشانها بعيدا عن الغرب والشرق حسبما يعلنه اردوغان في اكثر من مكان وزمان . انا اعتقد شخصيا عدم امكان اردوغان ما يمليه عليه تفكيره وطمعه الخاص من تنفيذ ما يفيده بشكل خاص، ويحلم بان يجد ما يمكنه ان يوصل بلاده به الى وضع الحياد، لان تاريخ بلاده وجغرافيتها ووضعها الاجتماعي لا يساعدون على هذا الامر . فاما ان تنقطع عن تواصلها بهذا الشكل عن روسيا او تنقطع نهائيا عن الغرب، وفق ما يستجد في المنطقة وما تبرز من التغييرات الجذرية المتوقعة  خلال المرحلة الحالية او في المستقبل القريب جدا . وان كانت كل منهما تراهن على ان تنفذ بالاخر ما تريد من الافعال وتحقق الاهداف المرحلية فاي منهما ستفوز في النهاية روسيا ام تركيا

 

في المثقف اليوم