آراء

الخطة معلنة .. والاغبياء يقعون بالفخ

سارعت مراكز الأبحاث والقوى المؤثرة في صنع القرار في الولايات المتحدة إلى وضع استراتيجية بديلة عن الاستراتيجية السابقة التي جرى التحضير لها طيلة عقد التسعينيات والتي تم تنفيذها بعد أحداث 11 أيلول . وتتجسد الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تحددت ملامحها السياسية في ولاية بوش الثانية في المحاور الآتية:

المحور الأول . .

سقوط أو تراجع مبدأ الضربات العسكرية الاستباقية .

المحور الثاني . . .

التخلي عن مبدأ السياسة الأحادية التي جرى التركيز كثيراً عليها من قبل إدارة بوش قبل غزو العراق لصالح التعاون الدولي، وخصوصاً مع أوروبا .

المحور الثالث . . .

التخلي عن سياسة احتقار وازدراء وتجاوز الأمم المتحدة واعتمادها كأساس في مواجهة تحدّيات السياسة الخارجية ومواجهة بؤر التوتر المنتشرة في أنحاء مختلفة من العالم .

المحور الرابع . . .

التركيز على التدخّل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة وخصوصاً دول الشرق الأوسط الكبير عن طريق ما بات يُعرَف بدبلوماسية الأموال، أي التوظيف في شراء القوى السياسية والحزبية والأهلية والعمل على توظيفها في إطار الاستراتيجية الأمريكية التي تستلهم نظرية (نتان شيرانسكي) الوزير الإسرائيلي اليميني المتشدد عن الحرية والديمقراطية حيث تحلّ هذه الاستراتيجية محلّ استراتيجية الفتوحات العسكرية التي تعثرت في العراق وأفغانستان، وبات من المستحيل تكرارها في بلدان أخرى في وقت قريب . وجعل المدخل لتنفيذ هذه الاستراتيجية ما بات يُعرَف باسم “الفوضى البنّاءة” وهذا ما يفسر تشجيع الولايات المتحدة للاضطرابات والتحركات السياسية في دول حليفة للولايات المتحدة .

وفي كتاب (إسرائيل وجنوب السودان)، الذي أصدره مركز ديان للأبحاث التابع لجامعة تل أبيب، يشرح ضابط الموساد السابق العميد المتقاعد موشى فرجى، خلفيات مساندة الصهاينة للحركة الانفصالية في جنوب السودان، وذكر فيه المؤلف صراحة أن الاستراتيجية الإسرائيلية إزاء المنطقة تقوم على تشجيع وحث الأقليات في المنطقة للتعبير عن ذاتها، للحصول على حق تقرير المصير والانفصال عن الدولة الأم .

والفكرة الكامنة وراء ذلك، هي التأكيد على أن المنطقة ليست كما يؤكد العرب وحدة ثقافية وحضارية واحدة، وإنما هي خليط متنوع من الثقافات والتعدد اللغوي والديني والإثني، ما بين عرب وفرس وأتراك وأرمن و(إسرائيليين) وأكراد وبهائيين، ودروز وبروتستانت وكاثوليك، وعلويين وشيعة وسنة وتركمان وصابئة وآيزيديين … إلخ .

والمؤلف ضابط الموساد السابق يلخص التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي في التعامل مع العالم العربي ودول الجوار التي تحيط به، والتي تتلخص في نظرية أمريكية طبقها كلينتون مع السودان فيما بعد تقوم على “شد الأطراف ثم بترها” على حد تعبير الكاتب الصهيوني، بمعنى مد الجسور مع الأقليات وجذبها خارج النطاق الوطني، ثم تشجيعها على الانفصال (وهذا هو المقصود بالبتر)، لإضعاف العالم العربي وتفتيته، وتهديد مصالحه في ذات الوقت .

وفى إطار تلك الاستراتيجية قامت عناصر الموساد بفتح خطوط اتصال مع تلك الأقليات، التي في المقدمة منها الأكراد في العراق والموارنة في لبنان والجنوبيون في السودان، وكانت جبهة السودان هي الأهم، لأسباب عدة في مقدمتها إنها تمثل ظهيراً وعمقاً استراتيجياً لمصر، التي هي أكبر دولة عربية، وطبقاً للعقيدة العسكرية الإسرائيلية فإنها تمثل العدو الأول والأخطر لها في المنطقة، ولذلك فان التركيز عليها كان قويا للغاية .

ففي عام 1982 م نشرت مجلة “كيفونيم” التي تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية، وثيقة بعنوان “استراتيجية إسرائيلية للثمانينات”، وقدمها الدكتور عصمت سيف الدولة كأحد مستندات دفاعه عن المتهمين في قضية تنظيم ثورة مصر عام 1988م الذي استهدف الدبلوماسيين الصهاينة في القاهرة عقب توقيع اتفاقية السلام المصرية– الإسرائيلية .

وكان أهم ماورد في هذه المذكرة فيما يتعلق بالعالم العربي والإسلامي عدة أمور تتعلق بالرغبة الصهيونية في تفتيت العراق وتقسيم وفصل جنوب السودان، واللعب على وتر الطائفية في لبنان، وفي العالم العربي عموماً .

ومن أبرز النقاط التي وردت في المذكرة الإسرائيلية :

 

 - تقسيم العراق . . .

فقد حددوا تقسيم العراق في هذه الوثيقة إلى مقاطعات إقليمية طائفية كما حدث في سوريا في العصر العثماني في ثلاث دويلات (أو أكثر) وحولوا المدن العراقية على النحو التالي :

١- دولة في البصرة .

٢- دولة في بغداد .

٣- دولة في الموصل .

وتنفصل المناطق الشيعية في الجنوب عن الشمال السني الكردي في معظمه .

 

* - فصل جنوب السودان وتقسيمه.

* - السعي لإعلاء الثقافة الأمازيغية والاعتراف الرسمي بها كلغة ثانية، بجوار اللغة العربية في الجزائر .

* - تقسيم لبنان إلى عدد من الدويلات الطائفية، والذي حاولت الدولة الصهيونية تنفيذه في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وفشلت في تحقيقه .

* - تهجير الفلسطينيين إلى الأردن، والتخوفات العربية من استغلال أجواء العدوان على العراق لتنفيذ ذلك .

* - اللعب على وتر الأقليات في مصر، خصوصاً الأقلية المسيحية، وفكرة إنشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا .

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم