آراء

ماهو الهدف الاستراتيجي المشترك للقوى الكوردستانية؟

منذ انبثاق جمهورية مهابات ولم نلمس هدفا استراتيجا واضحا ومباشرا يعبر عن امنية الشعب الكوردستاني لدى الكورد وثوراتهم، الشعارات المرحلية لم تصل الى الاستقلال بحيث يمكن ان تحمله القوى السياسية المؤثرة بعيدا عن الحسابات السياسية المرحلية او بعيدا عن الظروف الموضوعية التي فرضت نفسها على افكار وعقول الجميع، اضافة الى الاحساس بالنقص نتيجة ما مروا به تاريخيا دون ان يحسوا بالمواطنة والانتماء الى كيان خاص بهم . فاننا عشنا في مراحل كانت القوى تحمل شعارات وفق ما كانت تطلبه مرحلته وظروفه بحيث بدانا من اللامركزية الى الحكم الذاتي ومن ثم حق التقرير المصير الى مابعد السقوط والفدرالية التي فرضت نفسها على الجميع على الرغم من عدم ايمان الاكثرية الشعبية والحزبية بهذه ايضا واعتبرتها هدف مرحلي فقط . غيروا اخيرا ما كانوا يحملونه منذ مدة طويلة من شعار الديموقراطية للعراق والحكم الذاتي لكوردستان، وهناك من حمل حق تقرير المصير مع التاويلات المختلفة لهذا الشعار، بحيث كان الادعاء في احيان على انه يعني ما يؤمن ويقتنع به الشعب من الحكم الذاتي وغيره ايضا، على الرغم من ان المحتوى القانوني له لم يحمل الا الاستقلال، اي اتخاذ الفدرالية بدلا عنه يعتبر تنازلا عن الشعار بذاته وتراجعا عما يعني جوهره وتاويلا خاطئا لما يضمنه جوهر الشعار .

اي، ان الحسابات الفوقية السياسية والاعتبار للوضع العام للبلدان التي توزع عليها الكورد كان المقياس الاساسي لحمل الشعارات وليس ما كان الجميع يؤمن به في قناعة ذاته وما تحمله عليه مبادئه وعقليته وتاريخه . اي، انه كانت دائما هناك من المسافات الطويلة والبعد الشاسع بين فكر وعقلية القيادة مع ما كان يؤمن به الشعب منذ انبثاق الدولة العراقية لحد يومنا هذا . ولذلك لم ينجحوا في اية مفاوضات على الرغم من االادعاءات العدية التي اطلقوها بعد كل فشل، بانهم حملوا مشاريع او برامج سياسية للحل مع مركز الدولة، وان التفاوض في اكثره كان انفراديا لقوة واخرى ولم تتفق على اي منها القوى الكوردستانية مجتمعا، اي تصرفواوفق ما يمليه عليهم حزبهم في كل شوط من تلك المفاوضات، وحتى ضمن الحزب الواحد لم يخرجوا براي مشترك اثناء تلك الفترات من العملية، وخالفوا على ما كانوا يريدون التفاوض حوله وكان حتى تحديد وقت التفاوض محل الخلاف بين القيادات والكتل ومن ثم الحزب ومن ثم بين الاحزاب، والامرّ من كل ذلك، ان التفاوض اصبح عاملا بيد الجهات السياسية من اجل فرض سيطرتها وصراعها مع الاخر الكوردي او الاستعانة بالمركز من اجل مسح ونفي الاخر، وكما شاهدنا حتى وصلت العلاقات بين اربيل وبغداد الى استقدام القوة العسكرية للنيل من الحزب المنافس ابان الحرب الداخلية . وهناك كلام كثير عن كيفية ومدى وطرق مساومات القوى لهذه الدول التي تنقسم عليها كوردستان باشكال والوان وتنازلات مختلفة، وكانت كل علاقة على حساب الحزب الاخر من جهة والشعب بشكل عام من جهة اخرى، ولا يمكن نسيان ما افرزت من السلبيات اثناء تلك المفاوضت او بعدها .

دعنا من التاريخ الحديث، فلنتكلم على المرحلة الانية التي نحن فيه . وبعدما وصلنا الى وضع مغاير نتيجة الظروف الموضوعية التي اثرت على المنطقة بشكل كلي، منذ الانتفاضة التي حدثت جراء احتلال السلطة العراقية للكويت وبعد تحريرها من قبل التحالف العالمي، مما هيء الوضع المستجد في حينه ارضية ما حصل واصبحت المتغيرات من العوامل الرئيسية التي ادت الى تغيير حال الكورد بشكل كبير .

بدايات التغيير، ومن خلال سيطرة الجبهة الكوردستانية على السلطة الكوردستانية، لم نجد من يقرا المرحلة بشكل علمي ومن خلفية محايدة حزبيا او شخصيا، بحيث لم نجد شعارا استراتيجيا رئيسيا موحدا لدى القوى، والايمان به واعتباره خط احمر، بحيث يحرموا تجاوزه، بل الخلافات الكبيرة ابعدت حتى النقاط الثانوية المتفقة عليها من قبل، كل ذلك من اجل مصالح حزبية ضيقة وليس ايمانا بما يهم الشعب . ان الاخطاء التي ارتكبت من قبل هذه القادة التي يتلسط بعض منهم على رقاب الشعب لحد اليوم تعتبر كفرا عظيما وخطيئة لا يمكن ان تغتفر، ولم يعتبروا بما حدث في تاريخ الكورد الغابر والحديث ولو بخطوة واحدة من توجهاتهم .

في المقابل من خلال التاريخ الطويل التي التصقت بها كوردستان قسرا ودون ارادة لهم بهذه الدول لم تبق حيل ومؤآمرات ومخططات جهنمية لم تنفذها مراكز هذه الدول ضد الكورد في كافة المراحل التي مروا بها سلما كانت ام حربا بينهم .

فلنتكلم عن التاريخ الحديث وما بعد سقوط الدكتاتورية . فان التغييرات الجذرية التي حصلت اغلقت الطريق كثيرا اما السلطة المركزية في العراق ان تمارس ما مورست من الاعتدائات العسكرية من قبل ضد الكورد، الا انها لم تقصر في كثير من الجوانب من الوقوف ضد امال الشعب الكوردي وما تصارعه اقتصاديا وسياسيا بحيث لم تعتبر من الاحداث التاريخية وما جرى بين الكورد والمركز العراقي، . فان لم تكن الظروف الدولية من جهة والضعف القدرة العسكرية للمركز والحروب الداخلية في العراق من جهة اخرى لما كنا حقا الان في سلم وامان في كوردستان والعراق ايضا . لان السلوك والتوجهات والافعال التي شهدتها المراحل السياسية المتعاقبة فيما بعد السقوط والصراعات وافعال القادة العراقيين الجدد ازاء الكورد لم يكن بافضل كثيرا بحيث يمحي ما واجه الكورد من السلطات الماضية من الظلم والجور بل اعاد الى الاذهان ما واجهه الكورد في تاريخه دون نقص .

اما من جانبنا نحن الكورد في هذه المرحلة وما نسير عليه داخليا، لسنا بافضل حال لاي مرحلة مررنا بها من قبل . ليس لدينا هدف استراتيجي محدد عليه اجماع شعبي وحزبي لحد هذه الساعة، لا بل هناك خلافات كبرى حتى على اصغر شعار ولم يعلم الفرد الكوردستاني ماذا يريد هؤلاء وما هو هدفهم ولماذا لم يعتبروا من التاريخ وما هو المصير الذي يمكن ان نصل اليه وكيف يمكن ايجاد الحل للمشاكل الداخلية الكبيرة التي تورطنا بها مما فرض عدم توحيد الرؤية والهدف وعدم الانسجام والاختلاف والخلاف الذي ادى الى اختلاف القوى حول التعامل مع المركز حتى باصغر توجه، ولم يحملوا ما يؤمن به الشعب ، لا بل يساومون على اكبر هدف نتيجة الصراعات والخلافات الحزبية، وهذا ليس فقط مع مركز العراق بل ان العلاقات المتشعبة مع عواصم الدول التي انقسم عليها الكورد جميعا تشهد على ذلك ايضا .

المؤلم حقا، ان الهدف السامي الكبير وهو استقلال كوردستان الذي ضحى الشباب الكوردستاني بكثير من اجله، اصبح لعبة بيد القوى، فمنهم من يحمله تضليلا او تغطية لمشكلة او مزايدة سياسية من اجل كسب ود الجماهير او من اجل عبور مرحلة وانقاذ النفس من فشل في امور السياسة والسلطة التي اوصلوا انفسهم اليه، ومن هم لا يؤمنون به اصلا، بل يساومون عليه لاصغر مكسب مع مراكز هذه الدول، ومنهم من تورط بين التوجهين وبين ما يريده الاخرون على الساحة ولم يحدد اهدافه بشكل قطعي لحد اليوم .

ان الفوضى السياسية العارمة التي تعيش فيها كوردستان من هذه الناحية، اي عدم حملهم لهدف عام واحد وابتعادهم عن الاجماع حول ما يهدف اليه الشعب وما يهمه من المصالح العليا، اصبحت عائقا كبيرا امام مسيرتهم اكثر من خطط ومؤآمرات ومصالح اعدائهم . انهم غير مجمعين على ما يمكن ان يتحدثوا به مع مركز العراق لحد هذه الساعة وامامهم قريبا زيارة لوفد منهم للتباحث مع بغداد . لا يعلم احد كيف وماذا وباي شكل واسلوب وطريقة يتكلمون وما يهدفون، هل يتفاوضون على الاستقلال ودون ادنى منه، وكيف في وضع نعلم جميعا ما نحن فيه دون اية اعمدة رئيسية للنجاح في هذه المهمة الاستراتيجية المصيرية، ام هل تطبيق الدستور والشراكة مع المركز وحل المشاكل السياسية العسكرية الاقتصادية هي الاولى لديهم للتفاوض عليها، وكما نعلم فان ما بين التوجهين فرق شاسع لا يمكن تصفيته الا بالاتفاق الداخلي والاجماع قبل التوجه الى بغداد، وهذا غير ممكن في الظروف الحالية من الخلافات الكبيرة بين القوى المتنفذة المسيطرة على زمام الامور في كوردستان . ام ان شعار الاستقلال ليس الا ورقة ضغط امام المركز وجميع القوى تؤمن بالبقاء على الفدرالية كحد اعلى للمطالب والتفاوض يكون حول الامور الداخلية والمشكلات بين المركز والاقليم من الناحية الاقتصادية فقط . وعدم وضوح الامر لدى حتى القوى التي يمكن ان تتشكل منها هيئة او لجنة التفاوض سيكون نقطة ضعف عند الوفد الكوردي في مجريات المفاوضات التي يريدون اجرائها في بغداد، ويذهب الوفد الكوردي حاملين وموفرين المجال لاهداء اكبر فرصة للساسة في بغداد للمناورة معهم في جميع المواضيع المطروحة . عدا الخلافات وهشاشة الوضع السياسي الاقتصادي الكوردستاني الذي يعلم المركز كافة ثناياه .

لذا، لا يمكن ان نعتقد بان حال الكورد كما هي عليه من كافة الجوانب يمكن ان تصلح بامور شكلية وخطوة صغيرة مرحلية هنا وهناك او بمماطلة لانتظار الفرصة او بالاعتماد على دول الجوار، ان الداء الفعال والشافي لمرضنا هو التوحد والاتفاق الداخلي حول جميع القضايا السياسية وتهيئة ارضية للتعاون وتحديد الخط الاحمر للجميع دون ان يتمكن احد تجاوزه وسد الثغرات التي يمكن للاخر نفاذها وترسيخ المقومات الضرورية للوقوف في صف واحد وككيان واحد للتفاوض مع المركز من موقع القوة حول اي شعار يمكن ان يتوحدوا ويتفقوا عليه، وخير شعار عندئذ هو ما يؤمن به الشعب ويحمله ويضحي من اجله الكثير وهو فوق كل الاعتبارات الحزبية والشخصية والايديولوجية، وهو استقلال كوردستان وبناء دولة مستقلة حرة تيعش فيها كل المكونات العرقية والاثنية بسلام وامان .

اذن السلطة الكوردستانية التي اوصلتنا الى هذه المرحلة امام ثلاث خيارات يجب ان يختار احدها ولكل منها سلبياته المرحلية، وليس امامها الا العمل على توحيد الرؤى للخروج من عنق الزجاجة التي اوقعت نفسها فيها، كي تخطوا نحو الاستقرار ويطمان الشعب لمستقبله : اما يتفقوا داخليا على الرغم من الصعوبات ويقتنعوا بان الاستقلال هو الحل الوحيد والفرصة سانحة لاعلانه، او يتفقوا على ان الفدرالية وتطبيق الدستور الحالي وما فيه التراجع حتى لقوة السلطات التي تمارسها السلطة الكوردستانية كل هذه المدة التي سارت كل منذ سقوط النظام العراقي، وهي تعمل كشبه دولة مستقلة بعيدا عن الكثير من بنود الدستور العراقي وكما لم ينفذ المركز ايضا بنود كثيرة منه، او يبقى على حاله كما هي والسير على ما سارت عليه ودون ان تضمن مستقبل كوردستان ومنتظرة ما يفرضه عليه قدره وما نصل اليه بعد حرب داعش والمتغيرات التي تؤثر على وضع المنطقة ، وتبقى كوردستان على حالها المترجح وفق ما تفرضة المراحل المتغيرة الاتية ومن ثم لم نحمل في تفكيرنا الا القلق من مصيرنا النهائي مستقبلا .

  

 

في المثقف اليوم