آراء

كيف سقطت دولة العراق؟

إذا أردت ان تسقط دولة قوية ومستقلة ومختلفة عنك .. دولة لا تريد مواجهتها عسكريا . . فما عليك إلاّ  تنظيم تدمير تلك الدولة من الداخل . . ورغم ان الأمر سيتطلب وقتا أطول بكثير من العمل العسكري وكثيرا من الصبر فان الدمار الذي سيقع سيكون أكبر عندما تدمر دولة من الداخل، وهذا يتم من خلال تدمير شعب تلك الدولة، المتمثل بالعمل على جيل الاطفال وجيل المراهقين والشباب الذين سيقودون البلد خلال السنوات القادمة، وبدون الحاجة لدماء أو قتال .

فعندما يتم ضرب مكامن مراكز قوة المجتمع في تفكيره ومعتقده ومعيشته وتعليمه وصحته وتقاليده وأخلاقه، ستكون ضرباتك قاضية لأنك بذلك ضربت مرتكزات المجتمع الذي يحيا ويدوم بقاءه عليها .

إن مراكز القوة في المجتمعات هي العوامل الأساسية في بناء الدولة، فإذا ما تمت السيطرة عليها أو تدميرها فان هذا سيكون هو العامل الحاسم في تحقيق هدفك، وهو تدمير دولته .

وعندما تريد السيطرة على بلد أو تدميره من الداخل فان المفتاح لذلك هو مهاجمة عقل المواطنين والسيطرة عليه، وإعادة تشكيل الطريقة التي ينظر فيها المواطن إلى الحياة والى القيم التي تأسست عليها حياته .

ومن أهم طرق السيطرة على مكامن مراكز القوى بالمجتمع وإعادة تشكيل الحقيقة في المجتمع المعادي، هو السيطرة على الإعلام . فمعظم الناس يستوعبون ما يعرفونه عن الحياة من وسائل الإعلام، حيث يرسم الإعلام الصورة المُراد توصيلها للمجتمع،  فان كانت تلك الصورة مشوشة على الدوام فان الأكاذيب تصبح مقبولة وكأنها حقائق . . حيث عليك أن تطلق مايكفي من الأكاذيب بتواتر وسرعان لتصبح تلك الأكاذيب حقائق مقبولة،  وإنسج ولفّق، قصص واستغل المنابر العامة والخاصة مثل التلفزيون والراديو والصحافة المطبوعة، ليمكنك إحداث التأثير السلبي والسيطرة على عقول أغلبية المواطنين في أي منطقة تختارها .

وإن هذا التأثير الإعلامي المخرب يتجلّى عندما يتم تحريض جماعة ضد أخرى في نفس المجتمع، بهدف خلق فتنة داخلية وخصوصاً عندما تتم السخرية والاستهزاء بالمبادئ الأخلاقية والقيم الوطنية والعقائدية لهذا الطرف وذاك الطرف، وتحديها بغرض هدم أي لبنة في الأساس الروحي القوي أو الانسجام الذي يشكل الثقافة الوطنية الفريدة للمجتمع، وهذه مهمة سهلة جدا خصوصاً ان كان المستهدفون أكثر كسلاً واقل تعليماً واقل معرفةً، وغير قادرين على التفكير وأكثر ميلاً للامبالاة .

كما ان السيطرة على التعليم وتلقين الأطفال المبادئ المتعاطفة مع فلسفتك سيُسهل وصولك لهدفك بجعل الأجيال القادمة ضعيفة العقل والجسم والروح . وان تفادي تعليم الأطفال الحقائق الأساسية عن تاريخ وطنهم وأمتهم ودستورهم وحقوقهم ومجتمعهم، وزرع مفهوم الإنقياد والإستسلام لمفاهيم خاطئة بعيداً عن العزّة والكرامة، سيكون من أقوى وأقصر طرق تدمير المجتمعات المعادية .

كما ان ترسيخ مفهوم التمسك بمبادئ الدين والأخلاق عند الاطفال والمراهقين والشباب، هو من علامات التخلّف والضعف والتراجع في مسايرة المجتمعات المتقدمة والمترفة، سيؤدي بالنتيجة وبعد عدة سنوات لخلق جيل ضعيف خالي من المبادئ والقيم التي يمكن أن توقف مشروعك لتدمير هذه الدولة وهذا المجتمع .

كما يجب العمل على إعادة تعريف مفهوم الوطنية في المدارس والجوامع والمضايف بزرع مفاهيم العولمة والتقدّم والإستمتاع بملذات العلم والتكنلوجيا والتي يتعارض الدين والاخلاق مع الكثير منها .

كما إن العمل وكلما كان الأمر ممكنا بوضع المتعاطفين مع فلسفتك التدميرية في مناصب الدولة وفي كل المستويات، سيكون له تأثير تدميري عالي المستوى، حيث كلما كان مستوى المنصب أعلى كلما كان التدمير أعظم .

وبهذا يمكنك تحويل اتجاهات البلد ضمن كل فعاليات الحكومة لصالحك وصالح مشروعك التدميري، خصوصاً عندما تكون كل الحلول والافكار والتشريعات والقرارات الحكومية تعمل لصالح مشروعك .

ولا تنسى المنظومة العسكرية في تدمير الدولة، حيث إن إضعاف المؤسسة العسكرية بالدولة سيؤدي لضعف الجيش وقياداته، وإن إستعمال قادة فاسدين في هذه المؤسسة سيترتب عليه نخر الجيش وضعفه وسقوطه في اول مواجهة مع أبسط وأتفه المعارك .

وستكتمل أركان مشروعك إذا إستطعت الوصول الى القضاء والقضاة، فعندما تمتلئ المحاكم بقضاة فاسدين ومرتشين لايعملون وفق نظام إحقاق الحقوق، ستكون قد كسرت آخر طوق نجاة يمكن للمجتمع التعلّق به للنجاة .

وأخيراً نقول أن كل ماسبق ذكره من طرق وأساليب تدمير الدولة والمجتمع قد مورست على دولة العراق ومجتمعه للوصول الى ماوصلنا إليه الآن من سلبية وضعف وإختلاف ومشاحنات ومناكفات بين افراد المجتمع العراقي وأطيافه، والذي كان نموذجاً للوحدة والتآخي وكانت مؤسساته المدنية والعسكرية هي نبراس لحسن السيرة والإدارة . .

فالديقراطية لاتجتمع مع الفوضى إلاّ في المجتمعات الهزيلة، حيث يكون تأثيرهما مُدمّر للدولة والمجتمع كما هو حالنا اليوم .

وللموضوع بقية . . .

والله من وراء القصد

 

 

د. نبيل أحمد الأمير

 

في المثقف اليوم