آراء

مشروع برنارد لويس بين الخيال والتطبيق

في ظل ما يشهده العالم العربي من موجات عنف وصراعات دموية من جهة، وحروب طائفية قائمة على أسس دينية وعرقية من جهة أخرى، ومع تردد أصوات كثيرة في الآونة الأخيرة لخبراء حول وجود مخططات استعمارية جديدة تحاك خلف الستار تستهدف المنطقة العربية والتي ستتضح بصورتها الكاملة في العام 2018، أي بعد مائة عام من اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت الدول العربية بحدودها الحالية، حسب كل هذه المخططات فإن المشروع الهدف يرمي إلى تقسيم وتفتيت الدول العربية بتحويلها إلى دويلات صغيرة وممزقة على أساس طائفي ومذهبي، بالمقابل ستظهر فدرالية تقودها إسرائيل باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التي ستحكم المنطقة سعيا منها لتحقيق حلم ” إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ” بعدما تضعف جميع دول الجوار .

كل هذا وبعيدا عن نظريات المؤامرة، سنتوقف اليوم عند أهم وأشهر مخطط هادف إلى تقسيم العالم العربي، وذلك بإعادة ترتيبه من جديد وفقا لأهداف مدروسة ودقيقة أو في إطار ما بات يعرف باصطلاح ” الفوضى الخلاقة” .

نتحدث هنا عن “وثيقة برنارد هنري لويس ” التي أقرها الكونغرس الأمريكي سنة 1983.

برنارد لويس مستشرق بريطاني ومؤرخ مختص في الدراسات الشرقية الإفريقية بلندن . ويعتبر صاحب أخطر مخطط طرح في القرن العشرين لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنية ومذهبية . كما كان حسب ما نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” منظّراً لسياسة التدخل الأمريكية في المنطقة العربية أثناء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وحربه المزعومة ضد الإرهاب . وبحكم علاقته القريبة من الإدارة الأمريكية السابقة فإن مخططه هذا يراه محللون من السياسات المستقبلية التي تنتهجها الولايات المتحدة في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط وهو كذلك يعتبر جزءا من خريطة” الشرق الأوسط الجديد” التي لوحت بها علنا وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خلال العدوان الإسرائلي على لبنان عام 2006، وكما يظهر ذلك أيضا في تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع ما أطلق عليه ” ثورات الربيع العربي” .

إن مخطط برنارد لويس الذي يلعب على اشعال النعرات الإثنية والعرقية والدينية المتواجدة في دول العالم العربي الإسلامي / نشرته لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأمريكية مرفقا بمجموعة من الخرائط التي توضح تقسيم كل دولة إلى 4 دويلات، ودول أخرى قسمت إلى أكثر من 4 دويلات .

حيث يبني برنارد لويس مخططه هذا انطلاقا من دراسته الطويلة لبنى العالم العربي وتأليفه لعشرات الكتب عن الشرق الأوسط وخاصة اهتمامه بنظم الحكم أيام الدولة العثمانية، ومن أهم كتبه :

- حرب مندسة وإرهاب غير مقدس

- أزمة الإسلام

- مستقبل الشرق الأوسط

- العرب في التاريخ

- الحداثة في الشرق الأوسط الجديد

وغيرها الكثير .. ومنه فإن الطبيعة والتركيبة القبلية والعشائرية للدول العربية على مر السنين جعلت برنارد لويس يجزم بأنه من المستحيل على العرب تكوين دولة بالمعنى الحديث . وذلك لأنهم مؤسسون على مجتمع محكوم بالنظام القبلي الطائفي .

ويرى أن على أميركا استثمار هذه التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية لصالح مصالحها الإستراتجية بالمنطقة كما يتوقف الأمر أيضا على حسن استعمالها لسياسة فرق تسد .

وفي نفس الاطار نُقل عن برنارد لويس في أحد مقابلاته إنه قال :

(إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مـُفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم .. وإذا تـُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية ارهابية تدمر الحضارات وتقوّض المجتمعات .. ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو اعادة احتلالهم واستعمارهم) … ويضيف: (ولذلك فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية .. ولا داعي لمـراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم .. ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا.. ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المـُعلنة “هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية) .

الحديث عن هذه المخططات بات واضحا في العديد من القنوات والمجلات الغربية، واخر الخرائط نشرتها كل من صحيفة ” نيويورك تايمز” ومجلة ” تايم” الأمريكيتان توضح هذه المخططات تقسيم كل من المملكة العربية السعودية والعراق وسوريا وليبيا إلى 14 دولة .

من جهة أخرى، يذهب بعض الخبراء والمحللون أبعد من ذلك، حيث يعتبرون أن ما بات يعرف بتظيم داعش، ما هو إلا صناعة أمريكية وحجر أساس لبداية تنفيذ هذه المخططات التي تلعب على الوتر الطائفي الديني . وبعيدا عن كل التكهنات، لعل كل متتبع للوقائع والأحداث الجارية بالعالم العربي يلاحظ أن الأمر قد خرج عن السيطرة بعد التمدد السريع والخاطف لتنظيم داعش في كل من العراق وسوريا والقائم على أسس طائفية مذهبية وكما وصفه مشروع برنارد لويس .

ما يرتكبه هذا التنظيم اليوم في العراق على الأخص أو ما يقع في ليبيا واليمن من تمزقات داخلية توصلنا جميعا إلى قناعة واحدة، قناعة تثبت أن الدول العربية تقع على فالق زلزالي، فأصعب الحروب على مر التاريخ وأشدها فتكاً هي الحروب الأهلية والتي نرى ملامحها ومسبباتها اليوم بانتشار مجموعات مسلحة كـ”داعش” وغيرها والتي تعلن صراحة أنها تريد أن تقيم دويلات وتعيد تقسيم المنطقة من جديد.

 يبقى مشروع برنارد لويس مشروعا قائما بذاته، ونظرية مطروحة بقوة خاصة مع ظروف عربية متاحة ومناسبة تثمن هذا المخطط ومع وجود تشرذم واضح، واقتتال وتناحر داخلي يطفو يوما بعد يوم على السطح … كل هذا يقدم خدمة جليلة للاستعمار الحديث ويمهد لمشروع “سايكس بيكو” جديد يحرق المنطقة ويحفظ أمن إسرائيل .

وللموضوع بقية . . .

 

والله من وراء القصد

 

 

في المثقف اليوم