آراء

المطلوب هو التفكير العقلاني للكورد في هذه المرحلة

تغيرت سياسة امريكا الخارجية بين ليلة وضحاها كثيرا بعد انتخاب ترامب، ولحد الان لم يعد النظر فيما ادعاه ابان ترويجاته الانتخابية، وهذا غير معهود سابقا، وسابقة لم فاجا بها ترامب القريب قبل البعيد عنه في بداية تسنمه البيت الابيض . والسؤال هو، هل انها بداية فوضوية عارمة وعمل غير منتظر منه على الرغم من التصريحات الراديكالية المعلومة له اثناء الترويجات الانتخابية ومابعد فوزه ايضا لمدة معينة . فهل تسيطر المؤسسات الديموقراطية عليه وتلجم جماحه القوي وتلهفه للسيطرة على كل شيء والنابع من عقليته التجارية، ام النظام الديموقراطي الناضج لن يسمح تخطي الاحمر مهما حاول الطرف الشاذ فيه من الانحراف والخروج عن السياق .

كل هذا، ونقصد به ما ستكون عليه سياسة ترامب الخارجية التي يُعتقد بانه يتعامل مع الدول من اجل ضمان المصروفات على كل مهمة اولا وقبل اي شيء، ويكون بعيدا عن الشعوبو ما يهمها لكي لا يتحمل تكاليف العمليات المختلفة التي ينوي اجراءها في المنطقة من اجل امريكا اولا . وعليه يريد ضمان ما ينفذ به خططه من الناحية المادية اكثر من اي شيء اخر، ولذلك نراه تفاهم الى حد كبير مع الانظمة القادرة على الدفع مهما كانت بعيدة عن المباديء الاساسية التي تؤمن بها امريكا فكرا وتاريخا كما ادعت من قبل .

على صعيد المنطقة، انه اتصل بداية مع الملك السعودي بعد السيسي رئيس دولة وهي ام الامة العربية، وهذا ما يوضح اهدافه وعقليته، انه لا يهمه نوع النظام والمباديء والافكار، ومن ثم اتصل بالرئيس التركي اردوغان والمعلوم عن مدى الخلافات التي كان فيها هذا الرئيس العثماني المغامر مع سلفه اوباما من حيث النظرة والرؤية للقضايا الكبرى وما تهم المنطقة بشكل خاص . السؤال الجدي الاخر، ان كان ما يهم ترامب هو الربح المادي كان ام السياسي قبل اي شيء اخر بعيدا عن شيء اسمه المباديء التي تعتبر في تاريخ امريكا سامية، ومن القيم التي تتشدق بها امريكا امام العالم على انها الاسس التي بنيت عليها وتطورت وتريد نشرها في العالم، وهي كما تدعي انسانية الفحوى والهدف . لا نتكلم عن مسار الاعمال والسياسات التي وجهت عكس تلك الادعاءات في تاريخ امريكا القديم والجديد ايضا خلال صراعها العالمي المرير .

فهل يمكن ان تتفق امريكا وروسيا من اجل ابعاد شبح الحرب الباردة وان كانت بشكل ومضمون والية اخرى مختلفة عن قبلها، ام اننا سنكون على بركان من الهيجانات والخلافات والمفاجئات الكبرى التي تفرضها المتغيرات على الارض وستضرب المتفق عليه مسبقا بين الدولتين وستتضارب المصالح من منظور الربح المادي الاهم لدى ترامب وفريقه، وبه سنكون امام اشباح متعددة .

من منظور ما سبق من التوقعات لما يمكن ان نلمسه من سياسة ترامب وامريكا لاحقا، ومن منطلق ما يمس الكورد خلال تعامل امريكا برئيسه الجديد غير المسبوق عقلا وتفكيرا ونظرة الى المواضيع وسلوكا وتصرفا غي اداء المهام . ماهي الوسائل الهامة التي يمكن بها ان يفرض الكورد نفسه على ما يحصل ومن اي باب يمكنه ان يدخل في مسار المعادلات الجديدة التي في طريقها الى التفاعل في المنطقة  .

1- المطلوب وهو الشرط الملح اكثر من قبل هو الوحدة الفكرية والتواصل السياسي الداخلي من اجل التوافق على كيفية قراءة ما يمكن ان يقوم به ترامب وامريكا وما هي مصلحته الملحة التي يمكن ان يميل بها الى الكورد اكثر من الدول التي يريد التعامل معها .

2- لكك جزء من كوردستان خصوصياتها، لكل جزء اهميتها ويمكنها ان تتعامل مع المتغيرات وفق ما تفرضه الخصوصية على شرط ان لا يقاطع ما يمكن ان يسير عليه مع ما يهم ويمس النقطة المشتركة للاجزاء الاربعة، وهذا ممكن لو كانت هناك هيئة مستشارين عليا من الاجزاء الاربعة للتعامل مع ما يحصل وفق التعاون المطلوب كي يخرجوا من التعقيدات السياسية التي تفرض نفسها دون خسارة او باقل خسارة ممكنة على الصعيد الاستراتيجي الكوردي .

3- من المعلوم ان الجزء الاكثر ترسيخا وتجسيدا لكيانه على الارض هو كورستان الجنوبية على الرغم من الازمات الداخلية القاتلة وبفعل التقادم في تحريره وليس من نتاج عقليته التي تعامل بها مع العقدين الماضيين لتاريخه . اي، لابد ان تكون المركزية المطلوبة للاجزاء الاربعة قرارا وتوجها مع القضايا التي تطرح في هذه المنطقة مع مراعاة ما يهم اي جزء الاجزاء على انفراد من كافة النواحي، ونحن على هذا الوضع والواقع المخزي من الخلافات الداخلية حتى في كوردستان الجنوبية، فهل من المعقول ان نعتقد بان القيادة هنا يمكنها ان تكون على المستوى من العقلانية في التفكير وتمتلك من الامكانية للتعامل مع الوضع الجديد الذي يفرضه ترامب وامريكا وعلاقتها الجديدة مع المنطقة .

4- تنظيم العلاقات المتعددة الاوجه مع المحاور الموجودة في المنطقة وحتى الدول المختلفة الموجودة ضمن تلك المحاور بشكل معين ومناسب مع متطلبات الكورد وتنظيم تلك العلاقات وفق ما تفرضه مصالحهم وما احدثه انتخاب ترامب على موقعهم وثقلهم وتوجهاتهم، وكيفما يمكن ان يستفاد منه الكورد، اي اتباع البراغماتية لاول مرة في حياتنا على الاقل .

5- الانعكاف على دارسة وبحث الاحتمالات العديدة فيما يحصل، لايجاد الثغرات الكثيرة التي تفرزها العلاقات والسياسات الجديدة لامريكا في المنطقة من اجل النفوذ منها بسهولة واثبات الذات كعامل مهم ومصيري لما يمكن ان تقع عليه المنطقة جراء ما يحدث، او دراسة ما يحدث وكيفما تكون السياسة الخارجية غير المستقرة على اي اساس معين لحد الان للمنطقة .

6- على الكورد قبل غيرهم ان يدرسوا جيدا علاقات امريكا وروسيا وما يضمرونه في سياستهم او تفاهمهم وتنسيقهم السري والظاهر في مسار عملهم حتى خلال هذه المدة القصيرة في شؤون المنطقة، بشكل دقيق وعقلاني، من اجل مراعاة مصالح كل منهما على حد سواء ومن غير التقاطع بينهما او معهما، وهل للكورد القدرة على ذلك وهو على هذه الحال من مسيرته السياسية العفوية غير المستندة على اية خطة او منهج معين او حتى من غير تفاهمات وتوافقات داخلية لها وبين الكيانات السياسية السائرة على المصالح الضيقة الافق فيها .

7- كيفية التوافق بين الكورد في اي جزء من الاجزاء الاربعة على التعامل مع الدول الاقليمية والعالمية من جهة مع مراعاة ما تفرضه كونهم ملتزمين بالمركز للدول الاربعة المنقسمين عليها من جهة اخرى، وفق شرط عدم خروجهم من دساتيرهم وبالاخص اقصد كوردستان الجنوبية ومن ثم ما يحصل لسوريا في المستقبل القريب .

8- كيف يخرج الكورد من الازمات السياسية الاقتصادية الخانقة التي اوقع نفسه فيها دون اي مبرر ونتيجة الصراعات الداخلية والانانية في الحكم مع الجشع الحزبي والشخصي الذي سيطرت عليهم النرجسية في الحكم . فان تقوية الجبهة الداخلية من كافة الجوانب احد العوامل الرئيسية لنجاح التعامل مع المتغيرات في المنطقة من ما يحدثه ترامب والسياسة الامريكية الجديدة، مع ما يمكن ان تتبعه اسرائيل والتعامل معه من زاوية المصلحة المشتركة .

9- بامكان الكورد العمل على اتباع خطة تمكّنه من السير على التوازن في التوجه السياسي مع الدول العديدة من امثال روسيا والصين وايران وتركيا ودول الخليج واسرائيل مع ما تفرضه امريكا كعامل رئيسي لازم لنجاح حركته وتحقيق اهدافه التاريخية .

10- عدم التهور او الابتعاد عن المغامرة دون دراسة او بعيدا عن قراءة الاحتمالات التي سار عليه منذ انتفاضة اذار، وما ساعده على الابقاء على حاله هو الظروف الموضوعية التي جاءت منصفة له لحد اليوم، اما ما نلمسه لما بعد هذه المرحلة، اننا امام اخطر الاحتمالات واحسنها، ولا يمكن ان تبقى الظروف الموضوعية كما هي وان تكون غير متقاطعة مع ما يهم الكورد، الى الابد .

11- لابد ان يخرج الكورد بموقف وراي وبعد دراسة عميقة ودقيقة من الجواب على السؤال الهام لنفسه وهو، هل بامكانه ان يحل محل دولة اقليمية صغيرة ثقلا واهمية حتى في منظور امريكا فقط لتبقى المصلحة الامريكية مرتبطة به وتٌبقي من تركيزها وضوئها الكثيف عليه، ولا يمكنها الاستعاضة عنه، اي ان يكون للكورد القدرة في ضمان جزء من مصلحة امريكا او العديد من الدول ذات الصلة في المنطقة كما هو حال دول المنطقة وان لم يكن صاحب دولة لمدة ما . هذا امر صعب، لاننا شهدنا بام اعيننا ان الكورد في هذا الجزء الجنوبي من كوردستانه لم يتمكن من انجاح تجربته، ولم يعتبر من تجاربه السابقة المريرة ولم يضمن ما يدفع الصعوبات الدولية عنه، لا بل ازداد ضعفا بما يدفعه الى الحضيض حال انقلاب الظروف الموضوعية قليلا عنه . لذلك علينا ان ننتظر السوء اكثر من الحسن في مستقبلنا حتى وان كنا غير متشائمين اكثر .

و عليه، فان المطلوب للخروج من هذه المتاهات التي تحصل في السياسة الدولية ازاء المنطقة بعد بروز الترامبية، هو الفكري العقلاني المطلوب على حسن التعامل مع المستجدات . هذا من قبل الدول، فاما ما يخص ويمس الكورد، فانه يحتاج للعقلية المتميزة التي تقيّم الواقع ويستدل من ما يوقع ويستقرا ما يمكن ان يحصل له بعقلانية فائقة الامكانية اكثر من اصحاب الدول، وهل لدينا مَن هو من اصحاب تلك العقلية المفكرة المتمكنة العصرية. انا شخصيا لا اعتقد ذلك، وارجوا ان اكون مخطئا .  

 

عماد علي

 

 

في المثقف اليوم