آراء

لماذا كل هذا الغضب؟

بعد ان استيقضت صباحا وانا اسمع صراخا لجار قريب مني، وهو يسشيط غضبا ويصرخ ويقول باعلى صوته؛ سافقأ عينيه الاثنتين، وكان من شدة فورانه من انه الحق والصح فيما كان يتوقعه ومن تسبب في اتفه شيء كان اغضبه . وبعد ان تاكدنا عليه من انه يمكن ان يكون على الخطا ومتوهم فيما ذاهب اليه بتوقعاته، لان من يقصده المسبب كان في العمل ليلا ولم يعد لحد الساعة، هدا من روعه وتافف واراح نفسه بشهيق طويل متاسفا مما بدر منه في هذا الصباح الباكر . وبعد ذلك عندما جاء طفل في سن الزهور وقال له يا بابا، لقد تعثرت قبل قليل بحاوية نفايات بيتنا وتالمت بعدما ذهبت لاشتري الخبز. كل ما كان يستصرخ ويصيح ويعيط من اجله هو ما سبب في نشر النفايات امام بيته، وشكه في احد من ابناء جيرانه لانه انتقده بالامس لسلوك صدر منه، وبادر الى الاعتذار منا فيما سببه في هذا الصباح الباكر، وانه كان على حال ولربما اقترف حتى جرما بعدما ظن الشر . هكذا استيقضنا على هذه الحال في صباح باكر لم نسمع كلمة الخير، لكن مر بخير وتصالح مع ابن الجيران ايضا بعدما عاد من عمله لكونه احس بانه تسرع واتهمه في قرارة نفسه . بل لكونه رجل كبير لم يسمح له عزة نفسه ان يعتذر من احد اصغر منه واحس بخطاه حتى من ما وبخه عليه لانه كشف ايضا بانه شيء خاص به وليس حتى للاخ الكبير ان يتدخل به، لم يغادر الا بعد ان داس على كبرياءه وان يقول اخيرا يا جماعة الخير ارجوا ان تعذروني على ما بدر مني في هذا الوقت بالذات .

كل هذا وانا تعمقت في الامر وما يفكر به الانسان لو بدا عليه فورة غضبة او لحظة وهو يعيش في حالة يتوقع السوء من مَن كان على خلاف معه دون ان يفكر بالاحتمالات من جهة، وربما يرتكب اخطاءا اكبر لو لم يتمعن ويتمحص ويكشف بنفسه الحقيقة ليقرر فيما بعد الخطوة الملائمة من جهة اخرى .

هذا ينطبق على الحالة الاجتماعية كما هي السياسية ايضا، سواء ما بين القادة او الاحزاب ذاتها . فلا يمكن ان يتوقع من يضمر في نفسه الشر للاخر ان يتوقع الخير منه وربما يكون على الخطا، هذا ينطبق على شرقنا لانعدام المؤسسات وافتقارنا الى العقلية المؤسساتية المعتمدة على المصالح والعمل العقلاني العلمي الذي تبعد عن نفسها كل ما يمس النفسية من الكره والضجر والتوقعات الخاصة والحالة الاجتماعية والنظرة الشخصية للامور . فهل من احد ينكر بان المشاكل والقضايا الكبرى التي لا يمكن ان تُحل الا بما يمكن ان يبادر اليه احد القادة على الرغم من ما يفرضه حزبه وكم من المشاكل اسير غضينة وحقد شخصي يحول دون الوصول الى امر يمكن ان يفيد المجتمع بشكل عام . لا يمكن ان ابالغ لو قلت رؤساء جميع احزابنا التي يتسمون بما كان يدفع بهذا الرجل ان يغضب وبنهار لشدة انفعاله على امر لم يكن السبب ما توقعه، ولكن القادة لم يُكتشف لهم الصح او الحقيقة احيانا الا بعد فوات الاوان وتتضرر منه الشعوب .

فالتوقعات المبنية على الخلفية الشخصية او الحزبية او نتيجة امر يفرض حكما مسبقا ولم يكلف صاحب القضية نفسه للصبر القليل ليكشف الامر، فان نتائجه ستكون وخيمة على نفسه وعلى الجميع حتى وان كانت توقعاته صحيحة وفي مكانها، لانه سيركن الى مكان ويقرر ماهو الخطا واكثر فضاحة من السوء الذي بدر ضده لانه يقرر في فورة غضب، واي قرار عند الغضب لا يمكن ان يكون صحيحا ومناسبا .

وفي هذا الجانب ايضا، كنت في احد الايام مع قائد من القيادات الكوردية ولاحظت ما يبدو عليه وهو قلق ويتعمق في التفكير وكان يظهر عليه الشكوك في شيء ما، وهو يفكر بالموضوع بحالة غير اعتيادية . وبعدما بدر منه رؤس الاقلام لما يفكر به، واستوضح لي انه كان يتوقع من اجتماع المنافس له مع جهة اخرى بانه لامر يخصه وربما على شيء يمكن ان يحيكوا له خطة لازاحته في امر قد انشغل به طويلا، وابديت استغرابي من خلط التوقعات وان يلتقي عنصر في حزبه مع الاخر لا يمت بصلة بحزبه من اجل امر او ما يتوقعه بمؤآمرة في وضح النهار وان كان الوقت ليلا ولكن العمل كان علنيا وفي مكان عام .

بعد نقاش طويل وكنت اريد ان اهدا من روعه قليلا كي نعلم المقصود او غرض اللقاء الذي جاء باخباره الى رفيقنا الغاضب احدهم يخبر بها تملقا كي يقرب نفسه، وعلى اساس انه من المقربين ويفعل كل ما يمت له المصلحة والخير لقائده، وكل ما اصريت عليه الصبر ومعرفة الامر من صاحب الشان، ولكنه لم يعر لي اي اهتمام ولم يعترف بانني كنت على الحق في عدم المبالغة في شان لا نعلم ما حصل خلاله بالشكل المعلوم وباليقين . هكذا مر وقت وربما اخذ رفيقنا القرار في قرارة نفسه وما يمكن ان يفعله وجهز في ذهنه ما يمكن ان يرد به على من يريد له الشر . ونحن نناقش وكنا في صلب المناقشة ولم نر الا ودخل علينا من اجتمع مع من لا يستسيغه رفيقنا وتوقع منهم الشر، وبعد استراحة قصيرة، استهل الاخ الكلام وتكلم عن ما فعله الليلة الماضية وكان مع الشخص الذي توقع منه صابحنا ما يفكر في خطة او مؤآمرة . وكان مختصر نقاشاتهم وكلامهم وقراراتهم هوتنظيم لقاء ثنائي وما ينويه الاخ زيارة اخينا المشكك وليبين له المشكوك في امره ما يريده، وهو انه يريد ان يستوضح له بانه كان على خطا وندم على سلوكه ويريد الاعتذار وانه يعتبره الاخ الاكبر له . وبه بدا على وجه رفيقنا القلق الارتياح وزفر طويلا بعدما اكل القلق من اعصابه وشرب خلال هذا الوقت، وابدى استعداده لاستقباله وتصفية الامر، ونظر الي مبتسما وانني نظرت الى الاخ الزائر ضحكا واستهزات منه مازحا وقلت، وهذا امر انت جئت به في هذا الامر وانت لم تعلم ليس بينهما اي واصلا لم يفكر الاخ بما حصل ولم يحمل اي شيء سيء ازاءه، وضحكت مع الاخ المشكك، دون ان يعلم الاخ الزائر شيئا من ما سبق مجيئه الينا، والتقوا فيما بعد على الخير والمحبة وعادت المياه الى مجاريها .

انه نفسه الغضب، استنادا على اسباب سابقة او خلفية حاملة لللضغينة، وبه يمكن اصدار قرارات خاطئة التي يمكن ان تضر بالكثيرين مع الذات ايضا، وبالاخص ان كان صادرا من قبل من له النفوذ وبيده الحل والربط واي خطوة له يمكن ان تؤثر على الشعب في النتيجة النهائية . ولهذا يجب ان يكون الهدوء والصبر والتمعن والتدقيق من شيم الشخص المتزن، فكيف بقائد او من يعرف نفسه بقائد في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحابل بالنابل على ايدي هؤلاء المتسرعين في اقرار ما يمكن ان يفرز منهم من السوء، ولربما لا يمكن ان يُعاد الامر الى سابق عهده، وعليه فانه احد الاسباب الجذرية التي وصلت حال كوردستان الى ما نحن عليه .

في المثقف اليوم