آراء

فشلت ذنبا لأوربا تريد راسا لآسيا

ارادت تركيا باي ثمن كان ان تدخل الاتحاد الاوربي دون ان تطبق شروط العالم الاوربي سياسة وفكرا وقانونا، وارادته منجزا لها بعيدا عن الديموقراطية وحقوق الانسان والحرية التي تريدها اوربا كي تكون في مصافي تلك الدول ولو بدرجة معينة . فشلت تركيا رغم مطاولتها ومحاولتها في امرار ما هي عليه لتدخل من النافذة، الا انها لم تتمكن من استخدام الحيل على عالم المؤسسات والديموقراطية الحقيقية، ولم تتمكن حتى بالطرق الملتوية في ادعائاتها في تنفيذ الشروط من العبور حتى الى وسط النهر وليس الضفة الاخرى . فتيقنت اخيرا بانها لا تتمكن من النجاح في تنفيذ الشروط على ارض الواقع؛ بعدما دخلت الطموحات الشخصية والنرجسية لقائد عصرها والسلوك الدكتاتوري الذي يسلكه وهو سائرعلى الطريق السلطان ايضا، ومن خلال ما اراد اردوغان ان يفرضه بناءا على عقليته واهدافه الشخصية وخلفيته وعقائده وايديولوجيته وما اهتم بخلط الاوراق بين اوربا و العالم المغاير لما يحمله وتاريخه العثماني محاولا بقوة كي يضرب العصفورين بحجر واحد فقط، اي اعادة هيبة وثقل تركيا العثمانية في الشرق الاوسط وسط من خلال محاولته في اعادة احياء العثمانية فكرا وفعلا، وما ارادت ان تستفيد منه كعضو في الاتحاد الاوربي لخدمة هذا المسار ايضا، الا انها لم تلعب جيدا او لا يمكن ان تلعب على ذقون العلم والمعرفة والتقدم بخزعبلات، وتراجعت كثيرا بعد الفشل وبعد خذلان، وتريد اليوم متبجحا ان تكون راسا للعرب ومنطقة الشرق الاوسط،لا بل للاسيا الوسطى، دون ان تعلم بانها لن تتمكن من هذا ايضا، نتيجةلظروف الموضوعية والذاتية التي تمنعها من ذلك، وبذلك يضيع عليها الطريق وتخسر الزبد واللبن معا ايضا .

و بعد ان كانت تركيا لمدة طويلة عميلا فعليا وليس صديقا او عضوا بمعناهما الحقيقي للناتو ولاتزال لدرجة معينة تسير على النغمة ذاتها وانها كانت كالكلب في بابه الناتو الشرقي كي ينبح ويمنع من يمر من القطب الاخر في المنطقة من قربها، لقد شاخت ولم تقدر على النبح او لم يعد الوقت يفرض احتياجها لمثل هذه المهمة في هذه المرحلة، فاليوم علمت بانها لم تعد بتلك الدولة المدللة التي يمكن ان تؤدي تلك الادوار التي انيطت بها، نتيجة التغييرات الجذرية التي حدثت في مرحلة مابعد انفكاك الاتحاد السوفيتي بداية وفي هذه المرحلة بالذات التي دخلت عملية التنسيق الامريكي الروسي السياسية قيد التنفيذ في تسيير امور المنطقة بعيدا عن احتياجات الحرب الباردة، وعليه وان كان موقعها ذات اهمية الا انها لم تعد بتلك الاهمية القوصى التي كانت عليها ابان الصراعات الكبيرة  .

يبدو ان تركيا لم تتعض ولم تتلقن الدروس وخاصة ما يفرضه العالم المتحضر جيدا، وانها لم تدرك بانها لم تملك من الارضية والعوامل المطلوبة من جهة  لقبولها في الاتحاد الاوربي، ولم ترد هي بذاتها ان تكون دولة ديموقراطية حاملة للمواصفات للدول المتقدمة من جهة اخرى، كي يمكنها من تكون عند المستوى المطلوب لتكون عضوا وصديقا  مع البلاد المتقدمة كيانا وجوهرا وليس شكلا ومظهرا، وما كان تهدفه  في سعيها لدخول الاتحاد الاوربي ليس الا مصلحة اقتصادية فقط بعيدا عن دنيا الحرية والديموقراطية والشروط الواجبة لتحقيق العقيدة الانسانية بعيدا عن الايديولوجيات والافكار والتوجهات التي نفدت تاريخ صلاحياتها بشكل كامل، وبالاخص الواقع المراد لما يمكن ان تكون الدولة في مرحلة متقدمة من اجل ان تصل الى الهدف.

بعد الخروقات الكبيرة في القوانين العامة التي تخص تنفيذ الخطوات المناسبة قانونيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا، لتكون على الطريق السائر نحو الانضمام للاتحاد الاوربي، كم نبهت وحذرت ولم تلتفت الى ما قيل لها، الى ان واجهوها بالعلن والصراحة بانها ليست فقط لم تنفذ شروط العالم الديموقراطي التقدمي الانساني بل تراجعت عما كانت عليه، فليس لها الحق في التقدم خطوة واحدة نحوهم .

فان تركيا وبعدما علمت بانها لم تقدر ان تخرج من ظل تاريخها وعلمت بان اوربا تعلم ذلك وتعرف نياتها، فازدادت تعنتا وغيرت من مسارها ووجهتها، ويبدو انهم ايضا تيقنوا بانهملم يستفيدوا منهاحتى ان تكون ذنبا لهم، فهي الان تريد ان تظهر نفسها بانها من لا تريد ان تكون في تلك المستوى بل تدعي شموخها وعلو شانها وهي تكابر، وبعد تخبط  اوقعت نفسها في حفرة كبيرة لا تتمكن من الخروج منها الا بعد ان تعود الى رشدها وتتعلم الدرس وتفهم المرحلة التي لا يمكن ان تسهل لها ما تريد تحقيقه من الطموحات الكبيرة المستندة على التاريخ الذي قضى والطموحات الشخصية لزعيمها المؤمن بالعثمانية عقلية، ولا يعلم بان الزمن تغير ولا يمكن ان يعود العالم الى الوراء. والمحير في امرها انها تدعي بانها ستكون راسا للمنطقة وتتصرف من تلك  العقلية، وعلى الرغم من عدم امتلاكها لما تتمكن من ذلك، اللهم الا ان رضخت الدول العربية التي ليس لها ما تفقده من خلال التبعية لهذا وذاك . ومن البديهي ان السير الطبيعي يكون بخطوات ولا يمكن لاحد لا يمتلك السمات والامكانيات والقدرات والوسائل المطلوبة لاية عملية كانت ان تنجح في خطواتها الخيالية، والا من فشل في ان يكون ذنبا لطرف ما لا يمكن ان يكون راسا للاخر .   

 

عماد علي

في المثقف اليوم