آراء

بالثقافة ترتقي الشعوب

يتكلم الجميع بالعراق اليوم عن الإنفلات الأمني الموجود، ويُحلل البعض أسبابه وتداعياته ونتائجه على مستقبل البلاد، وكيف يمكن أن نُحارب هذا الإنفلات لتخفيف وطئة العيش على الشعب، لبناء جيل مستقر نفسياً يعيش ويحب هذا الوطن ..

ولا أظن ان في هذا أي مؤاخذة مني أو من أي أحد عاقل يعيش ويتنفس العراق بداخله وجوارحه ...

لكن هل وقف أحد منا عند الإنفلات الثقافي الذي يتعرض له البلد، وأسبابه وتداعياته ونتائجه على المجتمع ومستقبل الأجيال القادمة ؟ وهل وضعت الخطط والبرامج النفسية والفكرية والثقافية والفنية الخاصة والعامة لإعادة تأهيل المجتمع الذي لم يخرج يوماً من دائرة ثقافة العنف والحرب والدم والموت والإنتقام والثأر؟

ان الحرية السياسية والفكرية والثقافية والفنية الإجتماعية بالعراق الجديد والتي يتغنى بها بعض القلّة من المثقفين الباقين على قيد الحياة، (وأقصد الحياة الإجتماعية والتواصل مع الجمهور)، كانت في أغلب الأحيان غير منضبطة بقوانين مهنية وأدبية وأخلاقية وحتى وضعية، والتي من خلالها كان المفروض السيطرة على فعاليات المجتمع المثقف، وهذا الإنفلات سبب ..

- إنكماش المثقف العراقي (بكل إختصاصاته) على نفسه خوفاً من التقاليد الجديدة التي دخلت المجتمع بعد ٢٠٠٣ والتي قد يدفع فيها البعض حياته، لأن الثقافة والفن والإبداع الإجتماعي أصبحت من المحرمات في وطن يتسلح حتى ذقنه  لمحاربة ومكافحة الارهاب وأعداء الدين والمذهب (السُنّي او الشيعي) .

- او إختياره العداء المُعلن او المخفي للعملية السياسية الوليدة والسياسيين (وكل حسب ظرفه)، بسبب ان المثقف بات يشعر انه شخص غير مرغوب فيه وأصبح هو وثقافته وفنّه وعلمه وإبداعه ليس من أولويات الدولة الجديدة  !!!، وعليه أن يُحارب أعداءه دفاعاً عن نفسه ومعتقده الثقافي او الفني .

وفي كلتا الحالتين نجد أن الوطن خسر أغلب مثقفيه بين غربة الوطن وغربة المنافي ..

ومن هنا نرى أن هناك واجب كبير يقع على كاهل الحكومة ووزارة الثقافة (تحديداً) في كيفية وضرورة توسيع مداركها وآفاقها لإستيعاب كل المثقفين الذين تناثروا بين الملاذات الآمنة (الداخلية والخارجية)،  وبين الأفكار والآيدلوجيات التي غزت الوطن بدون سابق إنذار وتمهيد، وكانت سبب رئيسي في تضادهم وتحاربهم وضياعهم، وبالتالي إنتهى المجتمع بنكسة ثقافية كبيرة . 

نعم .. نحن نعلم ونعرف أن الأمن ضرورة لعيش سليم، لكننا نرى أيضاً ان بدون الثقافة والفن لايمكن أن يستقيم وبستمر الأمن .. فالامن بحاجة لتحشيد ثقافي وفني وإعلامي بمجتمع يجهل الكثير من أفراده أهمية الأمن والثقافة .

فللأمن رجاله وللثقافة رجالها .. وأحدهم يُكمل الآخر بعمله وفكره ومنهجه وخططه، ويحمي الإثنان المجتمع من المنزلقات التي تودي لمهالك لا سامح الله .

لذى نرى ان من اول أولويات وزارة الثقافة المُحتضرة أن تُنعش نفسها لتقوم بعد السبات لممارسة دورها الريادي والقيادي للنهوض بالمجتمع من جديد من ركام الارهاب وتداعياته وآثاره السلبية على البشر والحجر، ومستقبل الاجيال القادمة .. تقوم لإحتضان كل المثقفين والمبدعين من جديد بدون النظر لخلفياتهم المناطقية والدينية والقومية والمذهبية، لغسل جروح سنين  من الأخطاء والجرائم الجسيمة التي اُرتكبت بحق الثقافة والفن .

وببساطة نحن بحاجة لوزير ثقافة وكادر عامل يحترم الثقافة، ويعرف ويعترف بقيمتها، ويرى ان من خلالها تُبنى الأوطان، وأنها اللبنة الحقيقية لبناء المجتمع الموحّد، الذي يُحارب الإرهاب والتطرّف والإنقسام ويعرف معانيه ومخاطره  .

 

وللموضوع بقية .. .

والله من وراء القصد

 

د. نبيل احمد الامير

في المثقف اليوم