آراء

العالم المعاصر تحت هراسات الفوضى وغياب الفكر المقاوم (2)

altayb baytalalwiالنخب المهيمنة على المشهد( الثقافي–السياسي) في أوروبا وأمريكا آسيا، وإفريقيا، تعامل شعوبها مثل المادة الخام الرخيصة ، فتٌخضِعها لتجاربها النرجسية، وتستغلها إشباعا لميولها السينيكية بدون رحمة وبلا هوادة.وتسوقها كسلع بخسة في الأسواق خضوعا للأرباب المسيطرة . إيريك هوفر من كتابه مزاج عصرنا (الثقافي)

 (Eric .Hoffer, The Temper of Our Time, 1967

تساءلت جريدة لوموند الفرنسية في عددها الخاص الصادرفي 17من فيفريي منعام 2017، عن هول الإنحدار الحضاري والقيمي والثقافي الذي ساد العالم كله، تطرح أسئلة عن ماورائيات هذا الانحطاط الفكري (الإنساني)الذي تعيشه البشرية اليوم، وتستفسرعن خلفيات أهداف ملذات الإكراه، التي طغت على النخب المفكرة السياسية والمبدعة الغربية، وتحاول معرفة سرفقدان تلكم النخب، لوهج فعالية التأثيروالتوجيه والتوعية المألوفة في الفكرالغربي، حتى إلى فترات بين الحربين العالميتين، وذلك في مبحث تحت عنوان (أغراض مشاريع الإنحطاط (الحضاري) وملذات الإكراهات)

 إستهل البحث مدخله بعرض المتواليات الإستدلالية المنطقية للأزمات الخانقة للفكروالفلسفة والثقافة التي تقعرت في جوانب حياتنا اليومية، وعفنت خلايا الجسم المعرفي العالمي، الموصلة إلى التدهور الحضاري،

وتبين في نهاية المبحث، أنه ليس في زعم الكاتب طرح الحلول السحرية السهلة – التي هي مزعمة ومنقبة عربية وثالثية-، وذلك ببساطة، لأنها لا توجد سوى في المتون العربية، المدعية للحلول الفورية لكل حدث وموضوع ومشكلة وظاهرة مستعصية .بل إكتفى الباحث المعروف الذي له باع كبيرفي مجال الأنثروبولوجيا بمخاطبة العقل الدياليكتيكي الغربي وإستفزازه ، بذكرهذه الحقيقة:

 أفترض أنكم قد لاحظتم أن المركز لم يبق كما كان عليه، فبدلامن كونه-إفتراضا-منصة آمنة للأفكارالفلسفية والسياسية الثابثة-كما كان في السابق-مثل:-

أولا:التقليد: ويقصد به (الأصول التنظرية الواضحة للمدارس الفكرية السياسية)

وثانيا-غياب الخطوط الفاصلة البينة لليسار، واليمين والوسط ، أواليمين واليسار المتطرفان

ـ ورابعا:عدم وضع الأسبقية (للأوليويات) في مجالات معالجة القضايا الإنسانية الحالية

 وخامسا :تخلي المفكرين ومنظري الثقافات الجدد، عن صرامة العقلانية وضرورات المنهجولوجيا...،

وسادسا:غياب كل المعاييرالأخلاقية-التي سادت أصول الفكرالغربي منذ بداياته الإغريقية.

. فنرى، بدلا من ذلك-يقول الباحث-:هوة سحيقة من العواطف الهوجاء: (الماكيافيلية-النفعية) المتضاربة فيما بينها، داخل معسكرات ما يسمى اليسار، وما يسمى باليمين وما يسمى بالوسط..، ، فلم يعداليساريسارا، ولا اليمين يمينا، ولا الوسط وسطا، بل أصبحت كل أنواع الفكر الخلاق العالمية في خدمة الأقلية المهيمنة التي أبرزت مخالبها، وكشرت عن أنيابها، في مابعد الحرب الباردة، فإستأسدت على الشعوب المستضعفة–طمعا في المزيد من المكاسب-مع حلول الألفية الثانية، وغير آبهة للنتائج الكارثية الأكيدة على البشر، من أجل الإستمرارفي نشر الفوضى الخلاقة –داخل المجتمعات الإنسانية عبر تدميرالدول الضعيفة بالحروب ، وترويع المجتمعات المتقدمة بأكاذيب الإرهاب.

 ومن هذا المنظوروالمنطلق .. يمكن القول اليوم– ونحن في الحقبة الأولى من القرن الواحد والعشرين-، بأن العالم لم يعرف تشوشا فكريا–على كل المستويات–كما يعرفه الآن.حيث أن جماعات الضغط النخبوية المسيطرة على مقاديرالبشرية، ما فتئت تطور–عند كل رمشة عين-وسائل التلاعب بالمعلومات، وتخريب العقول، وتدميرالأرواح والنفوس.

والإعلام الدولي كيفما كان– يخضع ( ببساطة) للمولين المباشرين والغيرالمباشرين، وذلك بالتظاهربالتنوع الشكلي ، وإدعاء إثراء الثقافات، و إحترام التوجهات، مع طمر الحقيقة، ومحاربة إعلام الرأي الضد، أو النقيض، أو البديل، ويتميز المشهدان : الثقافي والإعلامي الدوليين بما يلي:

- كبارالإعلاميين والمثقفين الغربيين المشهورين إنقسموا إلى فريقين: تقدميين- ثوارانيين و محافظين ليبراليين تمولهما معا جهات بيترودولارية معروفة أوأبناك روتشيلد العتيدة .فتكون النتيجة المنطقية هو الزيف في كل شيء .

- بنك روتشيلد بفرنسا-على سبيل المثال- يمول مجلة فرنسية عريقة يمينية راقية مثل باري ماتش Paris Match ، كما يمول في نفس الوقت جريدة يومية شعبوية يسارواية رائجة مثل ليبراسيون Libération-والأمثلة أكثرمن أن تحصى!

فأصبح لإعلام الدولي يستنسخ بعضه بعضا ، ويطغى عليه الترفيه الفج، والمسخ الثقافي، والتشابه والتماثل بدل التنوع و الإختلاف.

-النخب السياسية والفكرية والإعلامية العليا في أوروبا الغربية، تخضع كلها للممولين الأكثرحاتمية وتعفنا وهجومية .

الثقافة في العالم يطغى عليها الجهل والتسطيح والإمعية، ومسايرة الموجة الغالبة، والتيار الأقوى، والخضوع لمصالح اللوبيات، فأصبحت مفردة الثقافة مصطلحا مطاطا، يعني كل شيء ولا شيئ قي نفس الوقت- وقد فصلت في هذا الشأن سابقا-

.-الفيلسوف المليونير الصهيوني الشهير بيرنارهنري ليفي سمسارإسرائيل وقوادها في المنتديات الدولية، ورفيق جورج سوروس، وتلميذ جان بول سارتر في أواخرالستينات، وكاتبه الشخصي في السبعينات قبيل موت رائد الوجودية وفيلسوف العبث والقلق ـ يشتري بأمواله الطائلة كل الأعمدة الرئيسية للجرائد والمجلات الفرنسية التقدمية والرجعية معا، وتتنافس كل القنوات الفرنسية الحكومية والمستقلة على إستضافته للتعليق على كل حدث دولي هام؟و يفتي في ما يلزم العرب والمسلمين وما لا يلزم ، وهوالمكروه والمرفوض في فرنسا من لدي العوام والمثقفين على السواء ا.

-ديناصورات الفكرالمحنط بكل أشكاله وتوجهاته، وأقزام الإعلام، وتجارالثقافة، ومهرطقوالتدينيات المصفرة والجديدة، ما يزالون هم النجوم و القدوة ، تراهم يتبارون في عروضهم القميئة على القنوات العربية والدولية النضالية و المستنضلة معا على السواء.

 معظم المواقع والصحائف والكتب، أضحت مِقْيَئَة ومبولات، وحمامات تركية للمرهصين ولموتوري ضخ الإبداعات الرخيصة

إستشراء الفساد في كل المنظمات الدولية والإقليمية: (السياسية والثقافية والإنسانية والبيئية)، فتحولت –بحكم إسترزاقها للممواين والأسياد- إلى أوكار للدعارات بكل أصنافها، وإلى جبهات ضد الإنسانية ، ..

ويكفيني هنا-في نهاية هذه العجالة-أن أسوق ملاحظة لطيفة للمفكرالمتمرد المعروف أريك هوفر Eric Hoffer من كتابه: المؤمن الحقيقي أو (أفكارحول طبيعة الحركات الجماهيرية) Movementsmass The true beliver (ughts on the Na ) حيث قال: تُستخدم البروباغاندا ووسائل والتلاعب بالأفكاروالعقول، من أجل التبريرلأنفسنا بإقناع الآخرين.بأن لدينا أكثرمن سبب للشعوربالذنب لكي نقبل الأمرالواقع وأن نكره أنفسنا ألانفكرعكس ما يقرره النظام .، حيث ما يزال الأغبياء المفيدون يكررون أمثال هذه الهذاءات:هل هناك حقا نظاما مسيطرا le systéme؟وهل هناك حقيقة مؤامرة .؟.. وهي نكث ثقيلة يكررها يوميا أولائك الأغبياء الحقيقيون، .بحيث أن المتآمرين يشجبون المتآمرعليهم وينعتوهم بالقصورالعقلي–

، وقد نجد الإجابة عند فيكتور هيغو الذي قال ما يميز ضعفي الحالي، ومما سيكون قوتي في المستقبل.كوني لا أعطي لأي فريق أو إنتماء الكلمة الآخيرة- لكي أبقى حرا- وسنتعرض في المبحث القادم لنماذج من الفكر الإنساني المقاوم

للبحث صلة

 

د.الطيب بيتي

 

في المثقف اليوم