آراء

راي حول مابعد نعم تركيا في الاستفتاء

emad aliعلى العكس من المتشائمين حول نتيجة الاستفتاء الشعب التركي حول تغيير دستور الدولة وما ورائه، انني يمكن ان اقول بان الايجابيات لما خرج به الاستفتاء ان لم تكن مساوية لسلبياته فانها اكثر منها لعوامل واسباب كثيرة سواء للشعب التركي بشكل عام او على ما ينعكس على الشعب الكوردي في نهاية الامر .

 من الناحية الخارجية لدولة تركيا، يمكن ان نقول بانه سوف يطوف الى السطح نتيجة ما حصل من هذا الجانب وهو ما يمكن ان يضخم في اكثر الاحتمالات من عراقيل ماوراء الاستفتاء وما تواجهه تركيا بهدوء، وتمنع ملاحتها السياسية والاقتصادية من الغوص في اعماق البحار المتلاطمة، وايضا لما يامله اردوغان من الجوانب العديدة سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتاريخيا، وما يهمه من تمجيد نفسه قبل اي شيء اخر . وفي وقت لاحق، ان ابعدنا كليا ما يكنه اردوغان من التوجهات الخبيثة لما تفرضه نرجسيته وتمنعه الظروف الموضوعية التي تحيط بدولته من مغامرات كثيرة وتعيقه من تحقيق مرامه الشخصي ايضا وتمنعه من تحقيق اهدافه مهما حاول، فانه لن يقطف الثمرة في نهاية الامر بما يتوقع، ووضع تركيا على مطب الموجات الكبيرة . وان كان هذا هو العامل الخارجي الذي يمنعه من اللعب على الساحة المغايرة لما يبنيها بعد النجاح الخجول في الاستفتاء وما يتجدد في المنطقة من جهة، وما يبديه الاتحاد الاوربي بشكل خاص من مواقف مختلفة جدا لما ابداه قبل الاستفتاء من جهة اخرى .

اي تعتبر المرحلة مابعد الاستفتاء هي الفاصلة وانعطافة كبيرة في تاريخ تركيا وعلاقاتها الخارجية من جوانب عديدة وفي مقدمتها ضرب شروط الاتحاد الاوربي لانضمامها اليه عرض الحائط وبشكل قاطع ورسمي، نتيجة لما تكن المواد التي استفتيت عليها من العوامل الدافعة الى الدكتاتورية والابتعاد عن الحريات العامة والديموقراطية الحقيقية، وهذا ما يدع تركيا في عالم وواقع اخر غير ما نراه اليوم، وان تركيا مابعد الاستفتاء ستبني ارضية ربما لم يتوقعها اردوغان وسوف تدفعه بالضرورة الى ان تصبح في حضن الشرق ومائلة اليهم اكثر من الغرب، وهذا لا يلائم مع ما تفكر فيه اوربا بشكل خاص، وحتى ما تنظر اليه امريكا حول موقع تركيا المستقبلي . ومن جانب اخر، يعتقد الكثيرون بان هذه المستجدات لن تقع لصالح شعبه من الناحية الاقتصادية على الاقل ان لم تكن من الناحية السياسية ايضا، وفي حال ابتعادها عن امريكا واوربا وهي لم تجد نفسها الا وخلقت لها اي للسلطة التركية ما لا تفكر به من المشاكل وابعدها من تحقيق هدفها الاهم عندها، وهو الوقوف ضد امال واهداف الكورد في اجزاء كوردستان الاربعة .

اما من الناحية الداخلية، فان النتيجة سوف تزيد من عوامل الانشقاقات الكثيرة بعدما كانت واستمرت على اسس اثنية ودينية ومذهبية، فانها ستزيد من الناحية الايديولوجية بين بني عرقه وحتى اعضاء حزبه وقياداتهم . ان ما شاهدناه من الاستفتاء في المحافظات والنتائج الجزئية ليست لصالح اروغان بنفسه، لكونها بدت على حال اضعفت قاعدة اردوغان الطبيعية التي كانت تستند عليها من قبل في انتخاباته العديدة ،و قد خسر اكبر مسندين له وهي على الاكثر في محافظتي انقرة واسطنبول، اللتان ساندتا اردوغان في السراء والضراء من كافة الجوانب وبالاخص السياسية . اي، وان فاز اردوغان في الاستفتاء الا انه خسر في جزئيات ما يهمه داخليا اكثر من الاستفتاء بذاته . ومن جانب اخر، هذا يشكل له خطرا خلال السنين القليلة القادمة على الاقل لحين وصوله الى الانتخابات الرئاسية، ويمكن ان يفوز اي منافس قوي له في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ان تشكلت تحالفات قوية لمنافسه البارز .

اما ما يخص الشعب الكوردي، فان النتيجة تدلنا على انه ربما الريح باتجاه توجه شراع المسيرة، والمنتظر من الربح ان لم يكن مساوية للخسارة فانه اكثر منها بالنسبة للقضية الكوردية ومستقبلهم وما يمس الشعب الكوردي في المنطقة بشكل عام وفي تركيا بالاخص ، كيف ؟

ان النتيجة وان فاز اروغان في رئاسة الدولة المقبلة بالذات، فان البلاد ستتجه نحو الدكتاتورية اكثر مما هي عليها اليوم، لما يفتح الدستور المعدل يدي اردوغان ليخطوا نحو تضيق كافة الحريات وتضع العراقيل امام الديموقراطية، وعليه تضيق الاوضاع ولا يمكن ان تنتهي التضيقات الا بالفرج كما هو حال وما يفرضه الواقع وكل بديهية لما يفيدنا به التاريخ، وكما شاهدنا العراق وبلدان الربيع العربي من هذه الناحية . وهذا يدعنا ان نعتقد بان احتمال التغييرات الكبيرة المتعددة الجوانب في تركيا الدكتاتورية اكبر واوسع من البلدان الاخرى في المنطقة . اي كلما ازدادت منحنيات السلطة الدكتاتورية الدموية القمعية المتسلطة سيكون احتمال التغييرات الجذرية في بلد الدكتاتور اكثر قربا ونسبة لغيرها . وهذا يمكن ان يفيد الاستراتيجية الكوردية من تحقيق اهدافه ومصيره النهائي .

هذا من جانب، اما من جانب اخر فان التغيير لم يُبقي على الهيبة المعنوية لدولة اتاتورك العلمانية المدعية للديموقراطية والحرية من نواحي عديدة، وهذا يؤثر على الوحدة القومية التركية بشكل واخر، ومن جانب ثالث فان طموحات اردوغان في اعادة العصر العثماني لما يفيده شخصيا، فانه يمكن ان يعيد به العمل بسلطة الولايات التي تشبه من حيث المضمون الفدرالية الادارية التي تدفع المكونات وبالاخص الكورد من حيث وحدة جغرافيتهم وديمغرافيتهم من الناحية الادارية، وان يتقدم خطوات وفق متطلبات العصر، ويمكن الكورد ان يتعامل مع ما يمكن ان يستجد كفدرالية، وبالاخص لو زادت التغييرات المحتملة على ارض الواقع من همته وان وضع اردوغان في زاوية لا يحسد عليها، ويمكن ان يفرض عليه التنازلات المختلفة من اجل نفسه من جهة، ويمكن ان يعود الى المصالحة التي ادعاه من قبل دون اعاقة او عراقيل المتعصبين القوميين كما حصل من قبل من جهة اخرى، ان كان صادق النوايا في هذه الناحية، او اعتقد بان المصالحة تكون لصالحه، وهذا من واجب الكورد ان يثبتوا له ذلك ولم يدعوا ان يختار غير المصالحة باي شكل كان .

وعليه، ليس من الضروري ان يتشائم الكورد كثيرا من نتائج الاستفتاء،و الاحتمال الوارد يمكن ان نقول به رب ضارة نافعة، وما يمكن ان تفرضه المعادلات والظروف الموضوعية ومتطلبات مابعد الاستفتاء من امور مختلفة بان تقع لصالح الكورد ومستقبلهم .

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم