آراء

الأسد المتأهب والصهيوني برنارد لويس.. قصة أغرب من الخيال

bakir sabatinنستشعر كل يوم ظلال الأسد المتأهب الغريب.. يقود المناورات المفتوحة في الصحراء الأردنية.. مخالبه أمريكية وأنيابه بريطانية وعقله صهيوأمريكي، فيما على العرب الأقحاح فقط تقديم مزودة العلف والملاذ الآمن والحطب الزائد الذي سيتحول بعد الحرب إلى وقود للإرهاب.. وضحايا هذا الأسد المتوثب في محصلة الأمر أوطان عربية تتفتت، وكرامة تهدر، وقضية اسمها فلسطين تذبح من الوريد إلى الوريد، وأمان في منطقتنا ستذروه زوابع الحروب، وإرهاب سيطغى ومستقبل ستستحوذ عليه ما تسمى (إسرائيل) وفق شهية مفتوحة على حلم إسرائيل الكبرى. أما المفكر لهذه الفوضى الخلاقة في وطننا العربي الكبير فهو الصهيوني المخرب المفكر برناند لويس الذي وصف العرب بأنهم مجانين يستوجب على الغرب تهجينهم؛ حتى يستوعبوا ما يتاح فهمه من الحضارة، وكي تنعم إسرائيل الكبرى بالأمان.

هذا المفكر الذي رسم خارطة العالم العربي الجديد معتبراً أن ما يحيط به من دول فاعلة، ما هي إلا حضارات قومية وافية ما لبثت متماسكة سواء كانت سلجوقية تركية أو إيرانية فارسية وإغريقية وأوربية، أما العرب فكما وصفهم ابن جلدتهم صاحب المقدمة الشهيرة في تاريخ علم الاجتماع (ابن خلدون) فهم مجرد قبائل دائمة الاقتتال فيما بينها، أي أن خصوماتهم قائمة عل الجاه والملك والأطماع الضيقة، حيث اعتبر حينها الحضارة الإسلامية منجز عظيم قامت ببنائه الثغور الإسلامية غير العربية.. وهو ما انتبه إليه برناند لويس في سياق رسمه للخارطة التقسيمية التي تحقق على الأرض في وقتنا الراهن معتمداً في رسمها على مبدأ أشغل عدوك بالفتن المتوالدة حتى يظل منهكاً إلى الأبد، وإذا صحا فقط اضربه على رأسه أو جوعه.

فبعد مائة عام من اتفاقية سايكس بيكو، التي قسمت الدول العربية بحدودها الحالية‘ى فإن كل المؤشرات تفضي إلى حتمية وقوع الوطن العربي تحت آليات التقسيم من جديد. ففي ظل ما يشهده العالم العربي من موجات عنف وصراعات دموية من جهة، وحروب طائفية قائمة على أسس دينية وعرقية من جهة أخرى . ومع تردد أصوات كثيرة في الآونة الأخيرة لخبراء حول وجود مخططات استعمارية جديدة تحاك خلف الستار تستهدف المنطقة العربية والتي ستتضح بصورتها الكاملة في العام 2018. حسب هذه المخططات فإن المشروع المستهدف يرمي إلى تفتيت الدول العربية بتحويلها إلى دويلات صغيرة وممزقة على أساس طائفي ومذهبي، بالمقابل ستظهر فدرالية يقودها الكيان الإسرائيلي باعتبارها الدولة المركزية الوحيدة التي ستحكم المنطقة سعيا منها لتحقيق حلم " إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات بعدما تضعف دول الجوار، وهو شعار بدأت الظروف تتشكل لاحتضانه، فلو قرأت تفاصيل الصراع العربي والقوميات الأخرى بدءاً من اليمن مروراً بالعراق وليبيا والسودان وأخيراً في سوريا ستجد أن المخطط حقيقي بدلالة خروج الكيان الصهيوني من دائرة العدو إلى دائرة الحليف العسكري والشريك التنموي والضامن للأمن العربي على رأي ملك البحرين .

كل هذا وبعيدا عن نظريات المؤامرة، سنتوقف اليوم عند أهم وأشهر مخطط يهدف إلى تفكيك الوطن العربي وترتيبه من جديد في إطار ما بات يعرف اصطلاحاً ب "الفوضى الخلاقة" التي عمت بعض الدول العربية فحولت أهمها إلى دول فاشلة تنتشر فيها الأمراض الاثنية والدينية سواء كان ذلك ما بين مسيحي ومسلم، وخاصة حينما ترأس القبطي المصري بطرس غالي الأمم المتحدة في الوقت التي كانت فيه العمليات الإرهابية نهاية القرن الماضي ضد الكنائس القبطية مستعرة ليتم تأسيس كنغرس قبطي في أمريكا توطئة لطلب حماية دولية لأقباط مصر في إطار حكم ذاتي،ولولا انشغال العالم آنذاك بأزمة العراق وتداعياتها لنفذ المشروع بحذافيره، لكن الأزمة الطائفية بين السنة والشيعة تصدرت المشهد الإقليمي وقد أشعلتها المخابرات الأمريكية بعد احتلال العراق مباشرة، حين دعمت قنوات شيعية أنيط على عاتقها شتم السنة وشيطنتهم على مدار الساعة، فيما دعمت الجهات ذاتها قنوات فضائية أخرى سنية في مصر تقوم بعكس الدور، فكان الشرخ العميق حتى اكتملت أدوات الخصومة وخرجت الطائفية البغيضة من قمقمها، حتى تشعبت ذيولها لتمتد إلى اليمن وسوريا والعراق (والحبل على الجرار) وأهم ما في هذه المحصلة تجلت في إيجاد عدو بديل حل محل الكيان الإسرائيلي الذي أخذ يتمدد اقتصادياً حتى تحول إلى حليف للدول العربية ضد العدو الفارسي الشيعي الجديد. نتحدث هنا عن وثيقة المستشرق البريطاني برنارد "هنري لويس" التي أقرها الكونغرس الأمريكي سنة 1983.

ويذكرنا الحديث عن المستشرق برنارد لويس نفسه بكتاب (الاستشراق) الأشهر للمفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد عن مفهوم الكولينيالية وقد مثل فيه الاستشراق حصان طروادة الذي يدخل عقل الضحية بالحيلة ويخرب ويعيد تشكيله وتغيير مفاهيمه حتى يتآلف مع فكرة الاحتلال .. وهو المثال الأقرب لتوصيف مشروع برنارد لويس الاستعماري الجاري تنفيذه على أرض الواقع. حيث أتيح لبهذا المؤرخ المختص في الدراسات الشرقية الإفريقية بلندن (برنارد لويس) ليساهم في وضع أخطر مخطط طرح في القرن العشرين لتفتيت الشرق الأوسط إلى أكثر من ثلاثين دويلة اثنيه ومذهبية، ليمثل أهم دليل على ما ذهب إليه إدوارد سعيد في أن الاستشراق كان يمثل دائماً مدخلاً للاستعمار. والنصيحة التي يقدمها المستشرق لطرفي المعادلة الاستعمارية (المحتل والضحية) لا تتعارض دائماً مع أهداف الطرف الأقوى الذي ينتمي إليه، هذا إذا تذكرنا في ذات السياق بأن اللورد بلفور صاحب الوعد المشئوم لم يكن إلا من أهم المستشرقين الذين رافقوا الانتداب البريطاني إلى فلسطين والنتيجة كانت منحه اليهود الوعد مكافأة للاقتصادي اليهودي روتشيلد الذي دعم بريطانيا بالمال في الحرب العالمية الثانية.

وبالعودة إلى برناند لويس والذي كان حسب ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" منظراً لسياسة التدخل الأمريكية في المنطقة العربية أثناء إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش وحربه المزعومة ضد الإرهاب. وبحكم علاقته القريبة من الإدارة الأمريكية السابقة فإن مخططه هذا يراه محللون من السياسات المستقبلية التي تنتهجها الولايات المتحدة في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط وهو كذلك يعتبر جزءا من خريطة" الشرق الأوسط الجديد" التي لوحت بها علناً وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. كما يظهر ذلك أيضا في تعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع ما أطلق عليه "ثورات الربيع العربي" التي ما زلنا نعيش على نتائجها الوخيمة.

ويقوم مخطط برنارد لويس على مبدأ التفكيك وإعادة البناء بإشعال النعرات الإثنية الطائفية والعرقية والدينية المتواجدة في دول العالم العربي الإسلامي. وهو مخطط استراتيجي حقيقي نشرت تفاصيله لأول مرة مجلة وزارة الدفاع الأمريكية مرفقا بمجموعة من الخرائط التي توضح تقسيم كل دولة إلى أربع دويلات، فيما قسمت دول أخرى إلى أكثر من ذلك.

وبرنارد لويس من الخبراء الذين يعون تفاصيل المنطقة البنيوية فقام ببناء مخططه هذا انطلاقا من دراسته الطويلة لبنى العالم العربي وتأليفه لعشرات الكتب عن الشرق الأوسط وخاصة اهتمامه بنظم الحكم أيام الدولة العثمانية. ومنه فإن الطبيعة والتركيبة القبلية والعشائرية للدول العربية على مر السنين جعلت برنارد لويس يجزم بأنه من المستحيل على العرب "الهمجيين" تكوين دولة بالمعنى الحديث والمنسجم مع بقية الحضارات المتاخمة لهم . وذلك لأنهم مؤسسون على مجتمع محكوم بالنظام القبلي الطائفي، وتجدر الإشارة إلى أن هذه التركيبة الاجتماعية كان ابن خلدون سباقاً إلى تشخيصها في مقدمته الشهيرة من منطلق إصلاحي في إطار علم الاجتماع؛ لكن برنارد لويس بعقليته الاستعمارية عمد إلى توظيفها لتحقيق سياسة فرق تسد. إذ يرى بأن على أميركا استثمار هذه التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية لصالح مصالحها الإستراتجية بالمنطقة كما يتوقف الأمر أيضا على حسن استعمالها لسياسة " فرق تسد"

ولك أن تتخيل مبلغ العنجهية والغطرسة التي يرى فيها برنارد لويس العرب حين أدلى بحديث له في مقابلة أجرتها معه (وكالة الإعلام) قائلاً:" إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مـُفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم .. وإذا تـُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات، ولذلك فان الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم" ويضيف : "ولذلك فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية، ولا داعي لمـراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم، ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك: (إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا)، ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المـُعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية" الحديث عن هذه المخططات بات واضحا في العديد من الدوريات والمجلات الغربية، وانعكاسات ذلك تجلت أخيراً في سياسة ترامب الرامية إلى التعامل العسكري المباشر في الشرق الأوسط لتنفيذ أجندة التقسيم ومن جهة أخرى منعه من دخول مواطني بعض الدول ذات الغالبية المسلمة من دخول بلاد العم سام .

وهذا يتوافق مع ما ذهب إليه بعض الخبراء والمحللون أن ما بات يعرف بتظيم " داعش" ما هو إلا صناعة أمريكية وحجر أساس لبداية تنفيذ هذه المخططات التي تلعب على الوتر الطائفي الديني. وهنا يجب أن نعود إلى خريطة "دولة الخلافة" لتقسيم المنطقة العربية والتي أخرجها هذا التنظيم للعالم في يوليو الماضي والقائم على نفس الأسس والمعايير الدينية .

 يبقى مشروع برنارد لويس مشروعاً قائما بذاته، ونظرية مطروحة بقوة خاصة مع ظروف عربية متاحة سواء كان ذلك من خلال تشرذم عربي واضح، واقتتال وتناحر داخلي يطفو يوماً بعد يوم على السطح، ومن الطبيعي أن كل هذا يقدم خدمة جليلة للاستعمار الحديث ويمهد لمشروع "برنارد لويس" الجديد الذي من شأنه أن يحرق المنطقة ويحفظ أمن إسرائيل إلى الأبد، ويرسخ وجودها المركزي في الوقت التي تتحول فيها الدول العربية إلى كيانات ضعيفة ووظيفية يسهل اختراقها، دول مرتعدة من الأعداء القوميين الجدد كإيران الفارسية وتركيا السلجوقية ليصل بها الأمر للاستنجاد بالضامن الجديد لأمنها القومي المتمثل بما يسمى "إسرائيل". فحينما تسلل حصان طروادة إلى العقل العربي الباطني الجمعي فقد أعاد بذلك برمجته عصبياً فأعطى للهوية القطرية قداسة على حساب الهوية القومية.. وقسم الهوية الإسلامية إلي سنية وشيعية، وبدّل من مرتكزات فكرة العدو الصهيوني ليتقبل العربي عدواً جديداً آخر يتمثل بالعدو الفارسي، ورسخ من مفهوم التحضر وفق رؤية المستعمر ليصبح التطبيع مع العدو الصهيوني سلوكاً واقعياً متحضراً، وهو عبث بمبدأ القبول بالآخر دون شروط.. وسادت بين الدول العربية حالة من وصاية الأخ الكبير على الصغير ومصادرة الرأي واللجوء إلى العقاب بالضرب المبرح حتى الإلغاء والتقسيم، فحلت بذلك لغة الحروب والاستقواء بالغرباء عليه لفرض الوصاية في ذروة تضخم الأنا، بدلاً من اللجوء لغة الحوار وانتهاج المفاوضات سبيلاً للتفاهم بين الأشقاء العرب. ليس هذا فحسب، بل يمكن أن تقول بأن العالم العربي أصيب بانفصام الشخصية على الصعيد الداخلي.. فتجد كثيراً من الحكومات تتحكم بشعوبها من خلال شعارات الوطنية والحرية والديمقراطية بينما تنسلخ عن مبادئها في العلاقات البينية مع دول العالم وصولاً إلى ضرب بعضها البعض لصالح رؤية المستعمر وكأنها تقوم بدور وظيفي يكون العدو الصهيوني الرابح الوحيد فيها، وكأن الشعوب يمكن استبدالها !! وأخيراً.. ومن سياق ما قلناه، يمكن رصد ذلك الأسد المتأهب الذي بدأنا به حديثنا، والذي سميت به المناورات المشتركة الأمريكية البريطانية الأردنية وحلفائهم الإقليميين، شمال الأردن على الحدود السورية الملتهبة لا بل ويمكن التقاط صورة أوضح للأسد المتأهب بلعابه السائل، والمكشر عن أنيابه، والذي يضجُّ زئيره حولنا دون أن نعي الرسالة بينما نحن منشغلين بالطائفية النتنة لعن الله موقظها.

1265 bakr

الخرائط نشرتها كل من صحيفة ” نيويورك تايمز” ومجلة ” تايم” الأمريكيتان توضح هذه المخططات التي شملت تقسيم كل من المملكة العربية السعودية والعراق وسوريا وليبيا إلى 14 دولة .

 

في المثقف اليوم