آراء

خوف الإسرائليين من الربيع العربي..

saleh alrazukأظهرت إسرائيل اهتماما غير مسبوق بثورات الربيع العربي، على فرض أنها ستؤثر على "سلامتها الوطنية"، وعلى قوة اقتصادها وعلى البيئة الإقليمية.

و بالنظر لحجم تغطية الأحداث في الإعلام الإسرائيلي ولا سيما للثورة في مصر، وما يترتب عليها من عواقب اقتصادية واستراتيجية، ولاعتماد إسرائيل على الجيش المصري في التخلص من محمد مرسي، يكون من المبرر لنا إلقاء نظرة على طريقة اهتمام إسرائيل بأول انقلاب على السلطة في مصر.

تعويم الانقلاب

كان الإعلام الإسرائيلي هو السباق في التأكيد على تواطؤ بين حكومة تل أبيب وسلطات الانقلاب. وأكدت صحيفة هآرتز أن الحكومة الإسرائيلية  اتصلت بشخصيات رسمية في إدارة أوباما لدعم مصر بعد الإنقلاب كي تحفظها من التغيرات. وطالبت أوباما بالاستمرار في تقديم المعونات التي تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا لأن أي توقف أو منع كما ترى إسرائيل سيؤثر سلبا على أمنها الوطني. أما السفير الإسرائيلي السابق في القاهرة، وهو زفي مازال، فقد دعا العالم لتجهيز حقيبة معونات لحكومة الانقلاب، وهو ما يذكرنا بخطة مارشال بخصوص ألمانيا بعد الحرب العالمية. وقد صرح إن هذا سيقلل من فرص فشل الانقلاب وعودة الإسلاميين للحكم.

وحض مدير العلاقات العامة في وزارة الخارجية في إسرائيل، وهو ألون ليفين، صانعي القرار في تل أبيب لتقدير المخاطر الاقتصادية التي تهدد الحكومة العسكرية في مصر ولتقديم المساعدات اللازمة بلا تأخير. وكان التركيز على المياه والزراعة وإمكانية تقديم تسهيلات تقنية وعلمية إسرائيلية لتقليل أثر الاضطرابات. واستقرار حكومة يقودها الجيش، كما ورد في التقارير، له الأولوية على قائمة "اهتمامات إسرائيل". والانقلاب، كما تراه إسرائيل، سيعزز من أمنها الوطني ويحجم جماعات المقاومة في قطاع غزة.

و ذكر المعلق العسكري في يديعوت أحرونوت وهو رون بين- ييشاي أن سياسة الجيش المصري تجاه حصار غزة قد تغيرت بعد الانقلاب. فإغلاق الأنفاق وحدود رفح خفض من قدرات المقاومة على مجابهة العدوان الإسرائيلي. وقال بين ييشاي أن وضع إسرائيل الجيو استراتيجي قد تحسن بعد الانقلاب وبعد التطورات الأخيرة في سوريا، فأكبر جيشين في العالم العربي انشغلا بأعداء داخليين.

معلق سياسي في معاريف هو إيليا بيردنشتاين قال إن تأثير إسرائيل على الضباط المصريين ساعد الدولة الصهيونية على تقوية وضعها في الولايات المتحدة. وبرهن على ذلك باقتباس عبارة من رئيس الوزراء بينيامين نتنياهو تلح على المبادرة بالاتصال بالحكومة العسكرية المؤقتة التي قادها المشير الطنطاوي، وإقناعه بالإفراج عن المتهمين بخرق القانون المحلي بينما هم يديرون مؤسسات لحقوق الإنسان. ومن بينهم مواطنون أمريكيون.

معلق إسرائيلي آخر اقترح أن حكومة الانقلاب مهتمة بالاقتراب من إسرائيل. وكما ذكر الجنرال روفين بيركو في إسرائيل توداي: لهذا السبب هدد الرئيس عبدالفتاح السيسي حماس، وهذا سيساعد على إقناع أمريكا أنه يمكنها أن تعتمد عليه. والعلاقات بين مصر وإسرائيل هي الآن " أفضل من أي وقت مضى"، كما يقول المعلق في الشؤون العربية آفي سيخاروف.

و نظرا لأن "الإسلاميين" هم أعداء مشتركون، ضغطت الحكومة الإسرائيلية بواسطة ضباط عسكريين سابقين لتقديم المعونات الاستخبارية لمصر وتقوية علاقاتها مع حكومة السيسي. وكما هي العادة في الشرق الأوسط، كان الاستقرار السياسي أهم من التحول الديمقراطي. وهذا ما يؤكد عليه الإعلام الإسرائيلي على أساس أن الديمقراطية تقود عادة إلى حكومات يديرها الإسلاميون. كتب إفرايم كام في إسرائيل توداي بنفس المعنى، وحض وزير العدل السابق يوسي بيلين الرئيس الأمريكي أوباما لتعديل القانون الأمريكي من أجل تبرير مساعدة السيسي.

ومع أن مثل هذه الآراء أصبحت شائعة، فإن الحامل الأساسي لها هو بلا شك بواز باسموت، معلق سياسي في إسرائيل توداي، وهي الصحيفة الأكثر شهرة في إسرائيل. لقد نصح الغرب أن لا يشجعوا التحول الديمقراطي لأنه لن يقود فقط إلى صعود الإسلاميين ولكنه سيهدد المصالح الغربية. وبرر محاصرة مرسي، لكنه أقر أن ما حصل هو انقلاب، وأكد أن مصر بحاجة إلى "مبارك جديد". والفكرة الضمنية وراء ذلك مفادها أن الإخوان المسلمين أو نسخهم لا يجب أن تصل إلى الحكم في أي مكان من المنطقة. والمناخ الثقافي والسياسي الذي جاء بعد الانقلاب كان صداقيا مع إسرائيل، وقد ألح المعلقون والشخصيات الرسمية، أنه يجب حماية استمرار هذا المناخ.

و كانت الجهات الإعلامية في إسرائيل مؤيدة على نطاق واسع لمقالة نشرها عدد من الكتاب المؤيدين للانقلاب في مصر، فقد تبنوا الرواية الإسرائيلية عن الصراع العربي الإسرائيلي. وفي مقالة نشرها المونيتور، نظرت كاتبة إسرائيلية هي جاكي هيوك بإيجابية لبعض الكتاب العرب المؤيدين للانقلاب الذين انتقدوا موقف العرب من إعلان بلفور عام 1917، وفيه أيدت الحكومة البريطانية "تأسيس وطن للشعب اليهودي في فلسطين".

ولكن  هناك بعض الأصوات الإسرائيلية المعارضة. فقد أشار جون لينستير أن إسرائيل التي رفضت أي تدخل للجيش في الحياة المدنية تتحمس كيديا للانقلاب وعزل أول رئيس مصري منتخب.

الأسد: موضع اهتمام إسرئيل

ثارت زوبعة من المخاوف حينما اندلعت أحداث سوريا، وقال بعض الإسرائيليين إن تصفية نظام الأسد سيكون جيدا بينما آخرون وجدوا أن استمراره  سيخدم مصالح إسرائيل. والآن بعد التخلص من ترسانة الأسد الكيمياوية، يوجد في تل أبيب اتفاق على بقائه في موقعه رئيسا لسوريا. ويقول رئيس الأركان الإسرائيلي السابق دان هالوتز في جيروساليم بوست: إن هدفنا الاستراتيجي يتطلب بقاء نظام الأسد على قيد الحياة.

و كتب في هآريتز رئيس المخابرات السابق شلومو غازيت إن انتصار الجماعات الإسلامية في سوريا سيكلف إسرائيل أكثر من انتصار حزب الله والنظام. وأكد أن الإسلاميين لا يمكن ردعهم بالقوة الإسرائيلية، لكن التجارب بينت أن الأسد وحزب الله اللبناني يمكن ردعهما بالطرق المعروفة. ولم يتردد في دعوة إسرائيل لتسهيل نقل الأسلحة السورية إلى حزب الله كي لا تقع في أيدي الجماعات الجهادية.

و أكد عدد من المعلقين أن من مصلحة إسرائيل إطالة أمد النزاع في سوريا. وهذا، كما ورد على لسان يوسي ميلمان في شبكة المعلومات "والا" سيفيد في استنفاذ كل الأطراف لقواهم وأيضا سيطور إمكانيات الاستخبارات في جمع المعلومات. وتعتقد إسرائيل أن هذا سيساعدها في الاقتراب من روسيا.

وفي مقالة منشورة في إسرائيل توداي: قال دوري غولد وهو مستشار نتنياهو السياسي: إن كلا من إسرائيل وروسيا تخاف من استلام المجاهدين للسلطة في سوريا، وهذا سبب يحدو الطرفين للتقارب. وأكد المستشرق يارون فريدمان إنه مقتنع أن الأمن الوطني لإسرائيل يوجه عنايته للولايات المتحدة وسياستها ومواقفها من سوريا، وإدارة أوباما لم تكن تسمح بسقوط نظام الأسد ليكون فريسة للإسلاميين، فهو تهديد مباشر لإسرائيل.

إسرائيل ومحور الاعتدال

أحد التبدلات التي لفتت انتباه الإعلام في إسرائيل هو حقيقة أن اندلاع الربيع العربي قاد إلى تقاطع المصالح بين إسرائيل والأنظمة العربية التي استهدفتها الثورات. وتصنف الأردن ودول الخليج في حقل البلدان التي تشارك إسرائيل مخاوفها واهتماماتها بالتبدل الديمقراطي.

السفير السابق مازال أثنى على السياسة المتبعة في عدد من البلدان العربية والتي كانت ضد مرسي ورفضت تقديم المساعدة لمصر إبان حكمه. برأيه هذا هو "محور الاعتدال".

وفي مقالة نشرها الموقع العبري لجيروزاليم بوست، قال رئيس المخابرات العسكرية الأسبق عاموس يادلين إن تقاطع المصالح بين إسرائيل وبعض البلدان العربية والتي ليس لها علاقات دبلوماسية مع تل أبيب كان غير مسبوق. وهذا قاد رئيس الأركان السابق ليقول إن الربيع العربي قدم الظروف المثالية لإسرائيل للتخلص من حماس في غزة ومحوها من الوجود تماما.

على أية حال، إن استقرار الأردن تعرض لتحديات، وأصبح أحد أهم الاهتمامات الإسرائيلية، فالمملكة حليف أساسي في المنطقة. كتب الجنرال إفرايم سينها في هآرتز: ألوف من الإسرائيليين يدينون ببقائهم لجهود بذلتها مؤسسة الاستخبارات الأردنية. ووجود الأردن على الحدود الشرقية لإسرائيل، بتعبير يوسي بيلين، هو أكبر منة استفادت منها الدولة اليهودية. وهاجم الجناح اليميني في إسرائيل لمحاولته تحويل الأردن إلى "دولة تحل محل فلسطين".

عودة الربيع العربي

مع أن النخبة الإعلامية والسياسية في إسرائيل تعتقد أن الواقع الأمني والسياسي تأثر بالانقلاب في مصر، قدمت الأزمة المستمرة في سوريا وتقاطع المصالح مع "محور الاعتدال" إلى تل أبيب هامشا واسعا للحركة على كل الجبهات، ولكن هناك من يحذر أن المنطقة تقف على رمال متحركة. وعدم الاستقرار في مصر وفي المنطقة بشكل عام يمكن أن يجلب كارثة لإسرائيل.

و في التقييمات العامة لعام 2014 ذكرت وكالات الاستخبارات الإسرائيلية (الاستخبارات العسكرية، والاستخبارات الخارجية (موساد) ووكالة الاستخبارات الوطنية (شين بيت) أن عدم الاستقرار في المنطقة يمكن أن يستمر لفترة طويلة، وهذا ربما يقود لتحولات سلبية تقلل من أثر التحول الإيجابي إلى الديمقراطية التي تنعم بها إسرئيل.

وكان رئيس الاستخبارات العسكرية السابق الجنرال عاموس يادلين واضحا بخصوص المخاوف من المستقبل، إذ سيكون من العسير على الشعب في مصر قبول حكومة "دكتاتورية عسكرية" بعد أن تذوق طعم الديمقراطية. وحذر إسرائيل من عواقب التطور في مصر وفشل تطوير خطط لمواجهة سيناريوهات أخطر وذلك على الجبهتين المصرية والسورية.

 

بقلم: صالح النعامي

ترجمة: صالح الرزوق

...................

* باحث فلسطيني يقيم في الضفة الغربية. والترجمة من موقع ميدل إيست. والمترجم غير مسؤول عما ورد في المقالة من آراء وعي تعبر عن رأي كاتبها.

 

 

 

في المثقف اليوم