آراء

الفخ الأمريكي وتداعيات ما يجري في السعودية! والحديث عن كارثة ستتعرض لها مصر

bakir sabatinأعلنت السعودية أمس الأول عن تنحية الأمير محمد بن نايف عن منصب ولاية العهد وتنصيب الأمير محمد بن سلمان مكانه .. بدعم من منصات اتخاذ القرار السعودي التي تتمثل بالأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية وأمريكا؛ بذريعة أن ولي العهد السابق والذي تشهد لحنكته السياسية كل الدوائر السياسية في العالم متهم بدعم خيار فك الحصار عن قطر. حيث أرغم الأخير على مبايعة محمد بن سلمان ليصبح ولياً للعهد.. وقد جاءت هذه المبايعة من خلال زيارة الأخير لمقر إقامته.. بينما رشحت أخبار اعتمد عليها كثير من المراقبين والمحللين تقول بأن ثمة صفقة تمت بين "الخصمين" يدفع بموجبها بن سلمان مبلغ 200 مليار دولار لابن نايف كي ينسحب من المشهد السياسي نهائياً، وهو ما يناقض تحليلات أخرى تفيد بأن الأمر برمته كان انقلاباً ناعماً أيدته منصات القرار السعودي الثلاث؛ اعتماداً على البند الخامس من الدستور السعودي الذي كان ينص على حصر ولاية العهد بالإخوة من الأمراء إضافة للجيل الثاني الذي ينتمي إليه بن نايف.. ليسمح بعد إجراء التعديلات عليه أخيراً بولاية العهد للجيل الثالث من الأمراء والتي جاءت على مقاس بن سلمان صاحب الصلاحيات الأوسع في المملكة حيث تبنت المملكة رؤيته الاستشرافية لمستقبل المملكة، هذا بالرغم من افتقاره للخبرة السياسية، ومحدودية ثقافته العامة، وطموحه الجامح سعودياً وإقليمياً؛ للاستحواذ بالتالي على القرار السياسي داخل مجلس التعاون الخليجي الآيل إلى التفكك، ومن ثم استملاك القرارين العربي والإسلامي وفق رؤيته اعتماداً على تحالفه الكامل مع مصر السيسي والإمارات العربية التي تجمعه صداقة حميمة مع أميرها الشيخ محمد بن زايد.

وعليه فإن السؤال العاصف يطرح نفسه بقوة:

فهل وقع الأمير الشاب في الفخ الأمريكي وفق مخطط مرسوم للإقليم، ويتناوب على تنفيذه رؤساء أمريكا المتعاقبين بالتنسيق مع الكيان الإسرائيلي منذ زمن!؟ وما حجم النتائج الوخيمة التي تنتظر السعودية والإقليم والقضية الفلسطينية من جراء اندفاع بن سلمان لتحقيق رؤيته المبهمة وغير المضمونة النتائج، والتي لا يقبل لها أن يعارضها أحد!

من هنا ينبغي أن نبدأ الحديث؛ كي نحدد حجم الكارثة التي نتمنى زوال أسبابها قبل فوات الأوان، إذ سنستعرض في ذات السياق نتائج سياسة ولي العهد الجديد من خلال إنجازاته التي حققها خلال استغلاله لصلاحيات "ولاية العهد" بدعم من والده الملك سلمان بن سعود، هذه الصلاحيات التي حُرِمَ منها بن نايف أثناء ولايته للعهد.

وعليه يمكن تلخيص إنجازات محمد بن سلمان التي يسوق لها الإعلام السعودي بما يلي:

أولاً: يعتبر بن سلمان المهندس الفعلي للحرب على اليمن والتي خاضتها السعودية بذريعة إخراج إيران من بعدها الاستراتيجي الجنوبي من خلال هزيمة الحوثيين المحسوبين عليها. هذا عندما كان رئيساً لأركان الجيش السعودي قبل ثلاثة أعوام.

ثانياً: التشديد في الدعم المفتوح لجماعة النصرة في سوريا وتعميق التورط السعودي هناك.. والذي فشل تماماً من تحقيق أهدافه بعد الانتصارات الأخيرة للجيش السوري على المعارضة وخاصة الجماعات الإسلامية المدعومة من كل من قطر والسعودية والإمارات، هذا الجيش الذي وصلت طلائعه مشارف مدينة درعا بالقرب من الحدود الأردنية.

ثالثاً: يقف بن سلمان وراء الجهود التي أدت إلى تخليص السعودية من الملاحقة القانونية بموجب قانون جاسبا الأمريكي الذي يتهم السعودية الوهابية بدعم الإرهاب الإسلامي وبالتالي إخلاء مسؤوليتها عن تفجيرات برجي التجارة العالمي التي حدثت في الحادي عشر من أيلول بنيويورك.. وقد تمكن بن سلمان من إقناع والده بالموافقة على صفقة النصف ترليون دولار التي أبرمت مع ترامب..وكأنه في ذلك لم يدرك بأن المبلغ المتفق عليه سيدفع خلال عشر سنوات من الصندوق السيادي السعودي، وهذا في طبيعة الحال سيعرقل مشروعه (عشرون- ثلاثون) الذي يراهن عليه. ويرى محللون بأن قراره جاء متسرعاً وينم عن قلة خبرته السياسية والاقتصادية؛ وهو لن يحقق رؤيته التي يحاول تسويقها إعلامياً وفق خبراء تناولوا هذا القرار عبر الفضائيات.

رابعاً: استجابة السعودية، بدافع من نصائح بن سلمان، لشروط ترامب مقابل وقف العمل بقانون جاسبا، وذلك بتطوير العلاقة السعودية الإسرائيلية المستقبلية من خلال المضي بها قدماً وفي دائرة الضوء، وذلك بالتطبيع العلني مع الكيان الإسرائيلي. ويرى خبراء (فضائيات ومواقع) بأن بن سلمان يعتبر الداعم القوي لأهم المشاريع الاقتصادية التطبيعية التي استثمرت فيها العربية السعودية سراً، أقصد هنا مشروع قناة البحرين، الذي سيربط خليج العقبة بالبحر الميت، ثم الوقوع في الفخ الأمريكي الرامي إلى تحقيق الرؤية الصهيونية نحو التوجه بالقناة نحو البحر المتوسط.. وإنشاء مناطق اقتصادية حرة على جانبي القناة داخل الكيان الإسرائيلي، مع استبعاد السلطة الفلسطينية، وبالتالي تغطية جزء من تكاليف هذا المشروع الضخم. كما هو الحال في شراكة السعودية بدعم مشروع سد النهضة الذي يشكل خطورة كبيرة على مستقبل مصر الاقتصادي والاجتماعي، والذي لاقى تجاهلاً مشبوهاً من قبل حليف السعودية السيسي، لا بل يعتبر بن سلمان بحسب مراقبين صاحب مشروع شراء جزيرتي تيران وصنافر المصريتين، واستلامهما مع تأمين الغطاء البرلماني المصري، مقابل تزويد مصرَ بالأرز مجاناً لعدة سنوات قادمة، خلافاً لقرار المحكمة في مصر القاضي بمصرية الجزيرتين.. ما استوجب على السيسي إعلان قانون الطوارئ الذي سيلجم المعارضين للمشروع توافقاً مع الرؤية السيسية السعودية، وانسجاماً مع المخطط الإسرائيلي بضمان حرية الملاحة الإسرائيلية الآمنة في مضائق تيران المصرية وتعزيز الوضع الاستراتيجي لقناة البحرين مستقبلاً وربطها بأفريقيا من خلال القرن الإفريقي وبالتالي تحييد قناة السويس المصرية، والتي ستضرب في الصميم حال استكمال مشروع قناة البحرين.

هذا المشروع الذي لم يدرك السيسي بأنه سيحول قناة السويس إلى عبء اقتصادي على مصر وذلك بزيادة المصاريف التشغيلية للقناة على حساب مداخيلها.. ومن ثم ضرب الاقتصاد المصري في الصميم.. وخروجاً عن سياق الموضوع نذكر بأن سد النهضة الأثيوبي أعلى النيل، يتم تمويله إسرائيلياً بالشراكة مع السعودية التي أنضب بن سلمان صندوقها السيادي... وكان الكيان الإسرائيلي قد بدأ فعلياً بتنفيذ مشروع سكة الحديد التي تربط ميناء أسدود على البحر المتوسط بخليج العقبة في جانبه الإسرائيلي (إيلات) كحل تمهيدي إلى حين استكمال قناة البحرين..(وفي سياق التذكير أيضاً بحجم المؤامرة التي تتعرض لها مصر فإن مصر أيضاً تواجه مشروع إقامة دولة قبطية بدعم إسرائيلي شامل (كما سنتطرق إليه في مقال لاحق). أي أن ثمة مؤامرة تحبك في الظلام ستحول مصر إلى دولة فاشلة واقتصاد ميت، وكل ذلك يندرج في قائمة أهداف الفخ الأمريكي المراوغ.

خامساً: استحواذ ولي العهد الجديد على مشرع بن نايف في محاربة الإرهاب بتعزيزه عربياً وإسلامياً؛ لكن بن سلمان كان قد أدخل حركة المقاومة الفلسطينية حماس في قائمة الإرهاب كشرط أمريكي، وحتى يثبت صدق نواياه قام بن سلمان حسب مراقبين (فضائيات) بالتناغم في تأييد موقف الإمارات العربية الداعم لمشروع مصر ومحمد دحلان من خلال الضغط على حماس كي تتنازل عن خيار المقاومة.. والتي رفضته استراتيجياً متبنية فقط خيارها الذي قد يمثل حصان طروادة، بالتنسيق مع دحلان لتخفيف الحصار على غزة مقابل منح الأخير بعض الصلاحيات السياسية على حركة فتح في غزة..وتجدر الإشارة إلى أن المشروع الإسرائيلي الدحلاني وبالتعاون مع مصر يهدف إلى تفريغ غزة من سكانها وبناء كيان فلسطيني لهم في سيناء، لأبعاد خطر المقاومة عن مشروع سكة الحديد التجاري الذي يربط ميناء أسدود بخليج إيلات على البحر الأحمر.

سادساً: محاولة بن سلمان في استكمال حلقة الحصار الجيوسياسي على إيران، وكان قد صرح سابقاً بذلك في حديثه لإحدى القنوات السعودية الفضائية واعداً ترامب بنقل المعركة إلى داخل إيران، وهو تصريح يؤكد على عدم خبرته التكتيكية لأن مثل هذه الخيارات يجب أن تتم بالسر، ناهيك عن أن إيران تعتبر قوة إقليمية كبيرة حيث تمتلك منظومة صواريخ إيرانية الصنع تنافس في دقتها الصواريخ الأمريكية، كما أبدته النتائج مؤخرا حينما أطلقت إيران صواريخها البالستية إلى مواقع داعش في سوريا..

ولكن ماذا لو فشلت رؤية بن سلمان التي يراهن عليها، بإخراج داعمها الفعلي ترامب من البيت الأبيض؛ حينما تثبت عليه تهمة تنسيقه مع روسيا في التجسس على مكالمات الحزب الديمقراطي إبان الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ولجان التحقيق تدفع جاهدة نحو ذلك! وكيف سيرد على فشل الحصار السعودي المصري الإماراتي لقطر والمدعومة تركياً.. وما هو موقفه كوليِّ للعهد والمستحوذ على القرار السعودي، لتمكن النظام السوري من السيطرة على البلاد كما تثبت المؤشرات ميدانياً.. وأخيراً هل سيغير موقفه من حماس التي تخلصت مؤخراً من مهالك الفخ الدحلاني المصري!؟

النتائج مرهونة بالتداعيات التي تحيط بقرار تعيين بن سلمان ولياً للعهد.. ما يعني حدوث تغيرات جوهرية لصالح رؤيته التي تتضارب الآراء حول جدواها..

وفي محصلة الأمر لا يسعني إلا أن أقول بمناسبة قدوم عيد الفطر السعيد:

بأي حال تطرق أبوابنا يا عيد وجراحاتنا يعربد في أعماقها القهر.. وكل عام وفلسطين محررة وكل الشعوب العربية وخاصة السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن في وئام والمسلمون في سلام...والعالم أجمع يسوده السلام العادل بعيداً عن الرياء وما يطبخ في مواخير السياسة من مؤامرات تدمر الأوطان وتشرذم الطوائف وتقذف بمصائر الشعوب إلى مهالك الموت الزؤام في المنافي. . الحريق في وطننا العربي ما زال مشتعلاً فهل من حكمة سديدة تشفي الغليل!

 

 

في المثقف اليوم