آراء

لماذا لن تستقل كردستان وما الذي يمنع استقلالها وكيف تحققه؟

saieb khalilلماذا أرى أن كردستان لن تستقل ومن الذي سيمنعها؟

كردستان لن تستقل في الوقت الحاضر على الأقل. والذي يمنعها، ليس تركيا كما يقال ولا إيران ولا حتى أمريكا بشكل مباشر، وبالطبع ليس العراقيين العرب. فهؤلاء، إضافة إلى أنهم غير قادرين على منع شيء، ولا حتى حماية أنفسهم وارضهم بوجود حكومة تابعة لأميركا، فإنهم يتمنون، استقلال كردستان بأكثر مما يتمناه الكرد أنفسهم لأنهم لا يرون في كردستان إلا عبئاً ثقيلا ومهيناً لهم. فكردستان لا تخفي قربها الشديد من إسرائيل التي تمثل إهانة وتحد وجودي بالنسبة للعرب. ولا يجد القادة الكرد أي إشكال في توجيه الإهانة ليس الى الحكومة العراقية، بل إلى الدولة العراقية التي يرأسونها، ويجاهرون برغبتهم برؤيتها تتفكك.

وعلى المستوى الثقافي تحتفل كردستان بالهولوكوست وتقيم معارض الفرهود العراقي لليهود مستعينة بصور مزورة، وتجعل من نفسها مزاراً لكل عنصري معاد للعرب ورمز لإسرائيل، من القاتل المدان سمير جعجع الذي يستقبل ليلقي محاضرات في الأخلاق، مرورا بكل عملاء حركة 14 آذار في لبنان ووصولاً إلى برنارد ليفي، منسق الدمار العربي الشامل ذاته، الذي لا تجد البيشمركه خيراً منه لإخراج الأفلام عنها.

ولو كتبت على كوكل "أيها الكرد نشكو لكم مثقفيكم" لوجدت مقالة من أربعة أجزاء لي تبين ان الكتاب الكرد يهبطون إلى مستوى أدنى حتى من الإسرائيليين في حماسهم لإهانة العرب وتحقيرهم. ولا أتكلم هنا عن كتاب الصدفة على الفيسبوك، بل على كتاب "محترمين" في كردستان ولهم مراكزهم ونشاطاتهم.

لذلك فكل الضجيج عن "حق الشعب الكردي في تقرير مصيره" ليس سوى نكتة سمجة. فالعرب هم من يتمنى ان يتخلص من هذه العلاقة الطفيلية غير العادلة، المفروضة عليه، وسيرحب بـ "استقلاله عن كردستان" أيما ترحيب. 

المصالح الإسرائيلية في كردستان الحالية

لكن كردستان لن تستقل ومن سيمنعها هو بالضبط من يقال انه "الجهة الوحيدة التي تؤيد استقلالها": إسرائيل! وبالطبع الموقف الأمريكي تحصيل حاصل. لذلك اعتقد أن التصريحات الأمريكية بمعارضة استقلال كردستان، ليست كذبا هذه المرة (وهذا نادر جدا). ليس حرصا على وحدة العراق طبعا، فهم يستميتون من أجل تمزيقه، إنما لأن الأوامر الإسرائيلية تمنعهم، والأسباب منطقية هي حساب المصالح.

وطبيعي ان لإسرائيل مصالح كبيرة في كردستان مستقلة، لكن هذه المصالح يجب ان تقارن بمصالح إسرائيل بكردستان داخل العراق، أي في الوضع الحالي، وأنا اعتقد ان مصلحتها في وجود كردستان داخل العراق أكبر، وهذا هو أساس موقفي.

العسكرية

من الطبيعي أن ننتظر أن يكون التعاون العسكري والأمني أكبر وأوضح مع إسرائيل في حالة الاستقلال، لكنه يسير اليوم أيضا على قدم وساق. وقد كشف قبل فترة وجيزة عن قواعد تجسس إسرائيلية في كردستان موجهة ضد إيران. وقبلها ببضعة سنوات كان هناك حديث عن نقاط مراقبة قريبة من الحدود الإيرانية. وقبل ذلك ببضعة سنوات أخرى، نشرت البي بي سي تقريرا عن تدريب إسرائيليين لقوات "مجهولة الهوية" في كردستان، أتصور انها كانت النواة الأساسية لداعش فيما بعد وقد كتبت عنها في حينها. أي يمكننا القول إن تلك المصالح لن تتغير كثيراً. وبوجود الحدود بين كردستان والعراق، فإن حركة الإسرائيليين قد تتعرقل، كما ان كردستان ستتحمل المسؤولية كاملة عن اعمال تلك القوات التي تتمركز على أراضيها.

التعاون مع داعش

ولولا وجود كردستان داخل العراق، لما سهل تعاونها مع داعش لاحتلال المدن العراقية. وقد كشف تقرير اللجنة النيابية حول احتلال الموصل الدور المركزي لكردستان في ذلك الاحتلال. فجميع القادة الكرد في نينوى تعاونوا مع داعش، ابتداءا من بابكر زيباري إلى أصغر جندي بيشمركه. وكانت كردستان مركز تنسيق احتلال الموصل، ومن خلال مبعوثها اثيل النجيفي الذي اعترف بلسانه بتعاونه مع داعش وساهم بإصدار الأوامر بالانسحابات. وتعاون الكرد في مجلس المحافظة أيضا في هذه المؤامرة. كذلك لعب برواري دوراً في هزيمة الأنبار، ودعم الإرهاب في بغداد (إقرأ مقالاتي عن كنيسة سيدة النجاة). ونسقت البيشمركة مع داعش لاحتلال سنجار، وفي مكان آخر كان البيشمركة يعترفون في تسجيل بالفيديو، بحمايتهم للطريق السريع الذي تمر به داعش، وأن معهم أوامر بعدم ضربهم! ونتج عن هذا التنسيق احتلال مدن العرب وتقاسمها بين كردستان وداعش، التي نراها فرقة عسكرية إسرائيلية.

الحصول على أسلحة مجانية وحرمان العراق منها

نتج عن التعاون الكردي مع داعش تقاسم الطرفان كميات هائلة من أسلحة الجيش العراقي المسروقة. ولو كانت كردستان مستقلة لتوجب عليها ان تشتري أسلحتها بنفسها او ان تتبرع لها بها اميركا، اما الآن فهي تحصل عليها مجاناً أما بالاستيلاء عليها مباشرة، أو باستلامها من الامريكان بعقود تدفعها الحكومة العراقية، رغم توقف تبادل النفط مع كردستان. وبوجود العبادي على رأس السلطة ليس لها ان تخشى حتى المطالبة بإعادة الأسلحة المسروقة أو حتى احتسابها ضمن حصة كردستان من التسلح. ولم يكن المالكي اقل مذلة من العبادي، فقد ذهب يجرجر أذياله ليلغي الدعوة التي أقامها وزير الدفاع السابق سعدون الدليمي على كردستان لمطالبتها بإعادة أسلحة الجيش العراقي.

المصالح السياسية

على المستوى السياسي، ما ستفقده إسرائيل باستقلال كردستان هو أكثر أهمية بكثير مما ستربحه. فإسرائيل تمتلك اليوم بحدود الأربعين نائباً كردياً مضموني الأصوات لأي مشروع إسرائيلي في مجلس النواب العراقي، إضافة الى الوزراء الكرد ورئيس الجمهورية وعدد من كبار القادة العسكريين. ووجود هؤلاء مفيد جداً لدعم عملاء الخندق الأمريكي الإسرائيلي وضمان عرقلة أي قرار وطني يحتمل ان يتخذه مجلس النواب او الحكومة مستقبلا إن تغيرت الأمور بالاتجاه الإيجابي للعراق.

وأسهمت كردستان بدور أساسي في إيصال شخصية غير معروفة إلى رئاسة الحكومة، هي الأكثر استسلاماً وطاعة للخندق الأمريكي الإسرائيلي. وبدأ رئيس الحكومة هذا بمنح الكرد حرفياً، “كل شيء” مما لم يكونوا يحلمون به من أموال وسيادة العراق، ومجاناً. فقال هوشيار زيباري بعد اتفاقية مع عادل عبد المهدي ثم توقيع الميزانية، ان بغداد وافقت على جميع شروط كردستان بدون استثناء!

ومن جهة أخرى يشكل النواب الأربعون الكرد في مجلس النواب العراقي، ضمانة لحماية الألغام التي وضعها الأمريكان في الدستور لتدمير البلد، من التغيير المحتمل.

وتقوم كردستان إضافة إلى ذلك بدور المنسق في تجميع من يسمون أنفسهم "التيار المدني الديمقراطي" والمنظمات غير الحكومية، وتوجيهها بالاتجاه المناسب للخندق الأمريكي الإسرائيلي.

تطبيع

ويمكننا ان نتخيل بسهولة أن القوى السياسية الكردية في بغداد، ترغب بشدة في دفع العراق نحو التطبيع مع إسرائيل. لكنها تنتظر كخلايا نائمة في انتظار درجة الحرارة المناسبة للنهوض والحركة. وقد لاحظنا تلك الرغبة الشديدة من خلال موجة "المصافحات" التي تمت في بداية احتلال العراق، بين المسؤولين الكرد في الحكومة العراقية، والساسة الإسرائيليين في المؤتمرات الدولية. وكانت تلك المصافحات تسبب لهم مواقف محرجة أمام العرب، هم في غنى عنها، خاصة وأنهم لم يكونوا قد احتلوا كركوك والمناطق الأخرى بعد، وكانوا مازالوا يجمعون الدعم للحصول عليها. لقد ضحت كردستان بمصالحها لتنفيذ الرغبة الإسرائيلية، ولم يكن ذلك ممكنا لو كانت كردستان مستقلة عن العراق.

تفتيت العراق

لعبت كردستان دور الملجأ لكل الفاسدين الهاربين والمتآمرين على العراق ووحدته. فكل السنّة المتآمرين لتقسيم العراق لهم مكانة خاصة في كردستان. وفي الجانب الشيعي يتمتع أسوأ الساسة سمعة، مثل عمار الحكيم، بمكانة خاصة فيها أيضا.

وتبدو كردستان جاهزة دائما، لدعم اية جهة تتجرأ مثلا على إعلان نيتها لجعل نفسها إقليما. وطالما أبدت كردستان حماسا شديدا لأي مشروع تقسيمي مثل الأقاليم والحرس الوطني وكل ما يساعد على تمزيق العراق. هذا التدمير للعراق، يصب طبعا ضمن الأجندة الإسرائيلية، وإن خرجت كردستان من العراق، فقدت إسرائيل كل هذا. والحقيقة ان مستوى الطموح لتدمير العراق كان أكبر مما حدث. ففشل العبادي حتى الآن بتمرير مؤامرة الحرس الوطني. كما أنه كان مؤملا أن تسبب الافضليات الهائلة التي قدمها لكردستان، في انتفاض البصرة وتكوينها إقليماً يهيئ للانفصال، املاً في ان تعامل مثل كردستان. ولو انفصلت البصرة لكانت نهاية العراق.

والحقيقة ان كردستان تبدو متحمسة لانقسام الشيعة والسنة الى بلدين أكثر من حماسها لانفصالها وإعلان وطنها القومي! ويمكنكم مراجعة المرات العديدة التي صرح بها قادة كردستان بضرورة أن يتقسم العراق إلى ثلاثة دول، وأنه مكون اصطناعي اسسته اتفاقيات سايكس بيكو، وأمثالها من التصريحات. ويتساءل المرء: إن كنتم تجدون في العراق مشكلة، فلماذا لا تتركوه ببساطة؟ لماذا تربطون أنفسكم بضرورة ان ينقسم الباقي الى قسمين قبل ان تقرروا المغادرة؟ المراقب يعجب من هذا التصرف فالساسة الكرد لا يكسبون من وراء هذه التصريحات الفاضحة لدورهم، إلا كراهية العراقيين العرب، والتضحية بمصالحهم معهم. ولا يدل هذا الإصرار على مواقف تكسبهم الكراهية مجاناً، إلا على أنهم مجبرين عليها وكأنهم مكلفين بإكمالها وتسليم العراق مفككاً، قبل انفصالهم.

خاتمة

لهذا كله، ولأسباب أخرى متفرقة، ولأن كردستان لم تنفذ واجبها كاملا بعد في تقسيم العراق، فإن إسرائيل لا مصلحة لها في استقلال كردستان وستقف ضده وتجهضه.

ما هو الحل إذن؟

الحل، إن لم يرد الكرد ان يرهنوا مصيرهم بانتظار تفتيت العراق الذي قد لا يحدث ابداً، هو أن يحرصوا على تغيير مصلحة إسرائيل لتكون مع استقلال كردستان! أي ان تتحول كردستان من دويلة ذليلة تتمسح بإسرائيل وتأمل ان تكسب ودها، إلى مفاوض لإسرائيل له وزنه ويحسن استعمال أوراقه. وطبعا يفترض هذا إزاحة الطبقة المتمسحة الذليلة والفاسدة وتلك التي تمت تربيتها في أحضان اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، والتي تحكم كردستان اليوم. (هذا ينطبق علينا بالتأكيد أيضا، والعبادي أخطر على العراق من أبو بكر البغدادي).

قد يبدو هذا للبعض مضحكاً وهو بالتأكيد صعب جداً، لكن علوم السياسة تقول إن طريق المصالح، خاصة لمن لم يكن قوة عظمى، هو الطريق الوحيد المفتوح لتحقيق الأهداف. فالشديد الغفلة فقط من قد يتصور للحظة واحدة أن إسرائيل ستتخلى عن فرصها في الحصول على ثلاثة ارباع نفطها بأسعار رمزية لأجل عيون الكرد وطموحاتهم القومية. لذلك لا يكفي التملق لإسرائيل بالهولوكوست ومعارض الفرهود ولا حتى قواعد التجسس الأمنية المجانية، ولا مفر لكردستان من ان تضع مصالحها أمام "اصدقائها" وتفهمهم انهم لن يحققوها ما لم تحقق كردستان أمنيتها.

ليس مستحيلا استعادة ولو بعض الأوراق الكافية للضغط على إسرائيل باتجاه دعمها لكردستان، لكن هذا طبعاً فقط لتكوين "كردستان الصغيرة"، وليس "كردستان الكبرى". لأن إسرائيل لن تسمح بدولة "كبرى" في المنطقة مهما كانت قوميتها. هدفها التفتيت لكل المنطقة قطعا صغيرة سهلة القيادة والتوجيه، ومن الغباء الشديد التصور بأنها ستعاملكم بشكل مختلف وتتخلى لكم عن مصالحها واجندتها. لذلك فالأحلام الواقعية لدعم إسرائيل تحتاج ضغط وتنتهي في كل الأحوال عند دويلة صغيرة تحت سيطرتها. وإن طمح الشعب الكردي إلى التحرر من تلك السيطرة مستقبلا أو أراد تشكيل دولته الكبرى، فسيواجه ما يواجهه العرب اليوم، وسيصبح المطالبون بأي تحرر أو وحدة، "إرهابيين"، وستثور فجأة القوميات في كردستان الجديدة، وتتكرر المسرحية.

يجب على كردستان إن ارادت تحقيق الوطن القومي "المفتت" للكرد العراقيين العمل بهذا الاتجاه: البدء بكسب بعض الاستقلالية اللازمة لتنفيذ الخطة، من خلال إزاحة أقرب الساسة إلى إسرائيل عن السلطة، لأن هؤلاء يمنحونها كل شيء مجاناً، ويمنعون الضغط؛ تحسين علاقتها مع العرب (ولا اقصد من عملاء إسرائيل من العرب، أو أولئك التابعين لكردستان كتحصيل حاصل)؛ الامتناع عن تصدير النفط الرخيص لإسرائيل؛ الغاء القواعد التجسسية الإسرائيلية بحجة صعوبة ذلك بدون استقلال كردستان؛ الامتناع التام عن أية مشاركة أو دعم لأية مشروعات الأقاليم أو تقسيم العراق؛ التوقف عن تدمير العراق اقتصاديا في سياسة الابتزاز للحكومة العراقية ودعم مشاريع الخصخصة؛ تغيير اتجاه الإعلام الكردي 180 درجة ليحترم العرب ويدعو لتحسين العلاقات معهم لتشعر إسرائيل ان كردستان لم تعد تخدمها في إذلال العراقيين؛ إغلاق جريدة "كرد و إسرائيل" ونشر التساؤل: "ماذا استفدنا من إسرائيل" بدلاً من التساؤل السابق: "لماذا نكره إسرائيل"؛ نشر فكرة أن إسرائيل هي من يعرقل استقلال كردستان بين المواطنين الكرد، (مشاركة هذا المقال؟) وإحراج إسرائيل بمطالبتها من قبل الإعلام الكردي بإثبات مصداقيتها بشكل عملي وإعطاء الإحساس لإسرائيل بأنها تخسر مع الوقت مكانتها بين الشعب الكردي الذي صار يدرك انها تقف بوجه استقلاله.

إنها مفارقة مضحكة مبكية، كما ترون. فباختصار، كان عليكم ان تفعلوا عكس ما كنتم تفعلون لعقود طويلة. لأنكم بتدمير علاقتكم بالعراق، وتأمين مصلحة إسرائيل “مجاناً” بوجودكم فيه، كنتم تدمرون كل أوراق مفاوضاتكم التي قد تقنع إسرائيل بمصلحتها بفصلكم عنه!

صعبة جدا؟ ومتى كان تأسيس الأوطان سهلا؟

 

صائب خليل

 

 

في المثقف اليوم