آراء

موقف بعض الدول من الاستفتاء في كوردستان یعكس جزءا من استراتیجیاتهم

emad aliهنا يمكن ان اختصر الكلام من خلال ما تعمل عليه امريكا كلاعب رئيسي في المنطقة، وما لها من تاثير كبير على ما يجري في المنطقة بشكل مباشر، وبالاخص ما يكشفه لنا تفاعل رؤساء امريكا الجمهوريين منهم بالاخص مع ما جرى ويجري في منطقة الشرق الاوط بشكل خاص ومن خلال تطبيق البحوث المعتمدة في سياسات امريكا الخارجية،  لما في المنطقة من التماس المباشر مع المصالح الاستراتيجية الكبيرة لها وما يتطلبها مستقبلها القريب والبعيد في المنطقة، على العكس من بعض الدول الكبرى الاخرى التي تتعامل بشكل مختلف جدا مع ما يجري ومنهم روسيا بالذات والتي لا يمكن ان نعتقد بانها تتعامل مع تفاصيل ما يجري في المنطقة بقدر ما تفعله امريكا ومن جوانب كثيرة وخاصة في تفاصيل الامور، لعوامل واسباب ليس هنا مكان ذكر جميعها، ومنها تخص موقعها الجغرافي وما تمر بها هي كدولة لازالت تحت تاثير افرزات انفكاك الاتحاد السوفيتي وغير ذلك من العوامل الرئيسية في تاطير سياسات روسيا الخارجية وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط بما تفرضه امكانياتها المختلفة . هذا اضافة الى ما تختلف كل من هاتين الدولتين عن الدول الكبرى الاخرى كبريطانيا وفرسنا والمانيا والصين بشكل نسبي من حيث سياساتهم الخارجية .

لو نورد ما تهتم به امركيا هنا تمهيدا لتحقيق استراتيجيتها كما تدعيها مراكز البحوث العديدة فيها على انها تهدف الى اعادة رسم الخارطة السياسية في منطقة الشرق الاوسط في اخر المطاف، استنادا على العمل من اجل التغييرات في الحدود معتمدة على الثوابت الاثنية والعرقية والدينية وما تتسم به كل دولة من الاختلافات في تركيباتها الشعبية المتعددة .

 وعليه هل يمكن  ان نسال انفسنا في هذه الحال؛ هل امركيا حقا تعارض اليوم اجراء استفتاء في اقليم كوردستان من اساسه وغير راض عنه استنادا على رفضه لها بعدم اقتناعها بالعملية، ام انها في حساباتها لم تجد ان المرحلة والوقت ملائم لما يمكن ان تتواكب هذه العملية مع سياساتها او استراتيجتها وما تحسب لها بدقة في المنقطة، ام انها لم تتخذ بعد الموقف السياسي الحاسم عسى ولعلها يمكن ان تقع لصالحها بعد ان تعتكف على ان تدرسها قريبا  بشكل افضل وتقارن ما تامل او تنوي كوردستان ان تتجه اليه وتحسب لما تضمر امريكا للمنطقة في المدى البعيد .

اننا نرى تذبذبا في مواقف امريكا تجاه عملية استفتاء كوردستان ولم تتوضح بعد بشكل قاطع ما تمليه عليها موقفها النابع من مصلحتها حتما، واننا نعتقد بانها تنتظر ردود الفعل العديدة التي يمكن ان تبرز تجاه هذه العملية من قبل الدول الاخرى المنافسة من جهة وما تراقبها في المنطقة، ويمكن ان يكون لها التاثير على كل ما يجري او جله، كايران وتركيا وبعض الدول العربية من جهة اخرى . ويجب ان لا ننسى تعدد المواقف الامريكية وتوزيع الادوار بين مراكز القوى المختلفة فيها  ازاء كل موضوع يمكن ان يمس توجهاتها ومستقبلها وما تريده من تحقيق ما تخطط لها مستقبلا  مشروطة في نهاية الامر ان تخرج بموقف واحد لصالحها قبل اي شيء اخر .

روسيا لازالت على صمتها الى حدما، اما لا تهتم نتيجة ما لديها من المواضيع الاهم او تعتبر ان اقرب الصديقات لها وهي ايران تعبر عما يمكن ان تؤمن هي بها دون ان تختبر هي مواقف الاخرين لها من تفاعلها مع هذه العملية، اي تفضل لحد اليوم التحفظ في سياساتها . والدول الاوربية  ربما نراها متوزعة في هذا الامر على مصالح متشعبة ومختلفة لكل منها في المنطقة وفي كوردستان المستقبلية .

المتابع يتحير من تتابع الاحداث وفق ما يفيد الدول المخططة مترافقا كل خطوة بسيل من الدماء الغزيرة في تحقيق الاهداف المرحلية التي ترسمها هذه القوى، على العكس مما كان العالم يعيشه اثناء الحرب الباردة التي ترتبت العلاقات على المصالح المشتركة للمتحالفين ولم تسكب الدماء بهذه الغزارة الكبيرة من جهة وكانت العلاقات واضحة ومكشوفة ومبنية على علاقة كل جهة باحد القطبين الرئيسين في حينه من جهة اخرى، اي بمعنى؛ ان ترسيم الخطط كانت في اكثره نتيجة الخطوات السياسية غير مرفقة في اكثرها بما يجب ان يجري على الارض من تمهيد لما يفرض بالدم، كما يحصل الان .

ان كان تعامل امريكا مع التغيير مبنيا على حجج عديدة، ومنها ان الحدود التي رسمتها كل من فرنسا وبريطانيا للمنطقة في حينه لا تتلائم مع ما تفكر به وتخططه  امريكا لمستقبلها اولا، وان المنطقة الاكثر تعقيدا وتشابكا وهي تدخل في صلب مصالح امريكا هي الشرق الاوسط وبالاخص جيران اسرائيل وفي اولوياتها ثانيا، ولا يوجد غير تعدد الاثنيات والاديان ما يمكن ان تستغله امريكا لاعادة ترسيم الخريطة ثالثا، وحدثت تغييرات مختلفة في مناطق اخرى وادت الى الهدوء النسبي شيئاما رابعا، وان هذه الحدود  الموجودة الان احدثت القلاقل والخلل والاشتبكات السياسية والعسكرية التي وقعت على غير ما لصالحها خامسا . وبناءا على ما حدث خلال السنين الماضية او العقدين الاخيرين، فعليه يمكن ان تفكر في اعادة التجارب على منطقة الشرق الاوسط وما يهم المكونات المختلفة فيها في نهاية الامر بشرط ربطهم بها وبمصالحها بالقوة والطريقة التي تعتقد انها ملائمة وغير قابلة للتمرد . والهدف المعلن لتحركاتها هو نشر العدل والديموقراطية واعادة التوازن في المنطقة وربما تكون هذه الاهداف صحيحة ان كانت تاتي مع مصالحها قبل ما يمكن ان تفعلها بشكل حتى ايحابي في موقع الحدث .

لنعد الى موضوعنا، ومن خلال تفاصيل ما قلناه وما تعمل عليه امريكا بالذات، اضافة الى دول اخرى بنسب متفاوتة، فاننا يمكن ان نحسب مواقف الدول ازاء عملية الاستفتاء الكوردية وفي مقدمتهم امريكا بناءا على هذه الاستراتيجيات المعقدة والكورد وما يمسهم جزء بسيط فقط من كل تلك المخططات الكبيرة المتقدمة في التفكير والتخطيط والتطبيق وفق ما تتطلبه العلمية في العمل لما تفرضه عليهم الخارطة السياسة الخارجية لهم وامريكا بالذات ايضا .

اننا نقول لربما الاستفتاء وبناء دولة كوردية مستقلة يمكن ان يقع في خضم التطبيقات المعقدة لما رسمته امريكا في استراتيجيتها بشكل علمي دقيق من خلال سير استراتيجيتها، واضعة امام اعينها الاحتمالات وما تعتقد من الافرازات التي قد تؤدي الى عرقلة ما تهدف ان لم تكمل كل عملية يمكن ان تجعل في اطار ما تنوي او ان تكون في غير محلها او وقتها، اي اعتراض امريكا وفق كل البحوث الغزيرة التي تخرج بها الينا مراكز البحوث الامريكية المعتبرة وتطلعنا على جزء كبير منها حول ما تنوي امريكا وما يجب عليها ان تفعلها بناءا على ما يفرضه مستقبلها، وهي تهدف في نهاية الامر الخروج بشرق متوسط جديد ومختلف في صلب سياساتها، والتغييرات يمكن ان تكون وفق ما تمليه عليها مصالحها في نهاية الامر ايضا، وهنا الاستفتاء الذي انكب عليه الكورد في هذه اللحظة نتيجة دوافع ذاتية داخلية، لربما لم يكن في التوقيت المناسب لما يمكن ان تواكب بشكل صحيح تكتيكات امريكا في الوقت الحالي . ولذا نسمع من التاكيدات التي تطلبه امريكا من تاجيل الاستفتاء اكثر من اعتراضها عليه جملة وتفصيلا، اي ما تؤشر اليه في هذا الموضوع ان الوقت وربما عدم امكانية نجاحه جراء التعارض الذي يحصل من قبل الاخرين هو السبب فيبيان هذه المواقف الامريكية، وهذا ما يؤدي الى التاثير على المخططات البعيدة المدى لامريكا في المنطقة، او على الاقل يؤخر ما تسير عليه امريكا بالقدم والساق. ولكن يجب ان لا ننسى ان اصر الكورد ونجحوا في مهامهم وخرجوا بنتيجة يمكن ان لا تعارض نوايا امريكا في جوهرها او في مخططاتها في نهاية الامر، فانه يمكنهم تغاضي عن الامر ومن ثم دعمه بشكل يمكن ان تكون مناصرة له بشكل مناسب .

الاهداف التي تقع لصالح المصالح الامريكية في نهاية ما تذهب اليه المنطقة، وهي ضمان تدفق النفط بعد ان يعم السلام في المواقع التي تهمها، وينوي ان ينتهي الارهاب بعد انتهاء الاهداف التي رميت اليها من وراءه، وانهاء الظلم على من الجهات التي يمكن ان يكونوا ظهرا ودعما لتحقيق استراتيجيتها .

وعليه، ان من اقدم على عملية الاستفتاء دون ان يقرا الوقت ولا استراتيجية امريكا كمن يعمل وفق ما يمكن ان يقدره الله  له فقط او يضع مستقبل ومصير الامة الكوردية امام ما يفرضه القدر دون اي حساب سياسي علمي دقيق ودون ان يعتمد على العقلية العصرية في السياسة وضمان حياة الشعب  كهدف اسمى .

 اي، ان توجه البارزاني كان جراء التخبط في سياساته الدخلية ولم يعلم بانه يلعب بما تفكر به الدول المؤثرة وما تخطط من قريب او بعيد، ولكنه وما تفعله الصدف فان الخطوة موجودة في توجهات هذه الدول وربما هذه الدول هي التي تقدم على مثل هذه العمليات في الوقت المناسب . وعليه فان تغيير التوقيت والتاثير على استرايتيجات الدول قد يبوء بالفشل او قد يمنع من يتضرر من هذا التغيير جراءها مهما كانت الموانع . وعليه يمكن ان نقول، ان اقدام البارزاني على الاستفتاء عشوائي بعيدا عن قراءة ما تهدف القوى العالمية المؤثرة، ولكنه اصطدم بما تعتبره هذه القوى من التشويش عليهم في مخطاطاتهم وانه اي البارزاني الان في مفترق الطرق اي معلق بين ما تؤمن به هذه الدول من التوقيت المناسب ونسبة النجاح في كل عملية . ولكن نتيجة ما يتعاملون به مع مايجري من عشوائية تفكير وتخطيط وتنفي البارزاني، وان خرجوا بنتيجة مفادها ان التاثيرات لن تكون معيقا للاستراتيجية في النهاية فلربما يغضون الطرف عنها ان درسوا الحالة وتيقنوا بانها لم تعيق ما يهمون عليه في تكتيكاتهم ايضا، ويتعاملون معها  كحدث طاريء في طريق استراتيجياتهم البعيدة المدى، وان حدث هذا فانه يقع لصالح الكورد ويحققون ما ياملون من الاستفتاء ونتائجه .  

 

عماد علي

 

في المثقف اليوم