آراء

لماذا التهديدات الأمريكية من منصة الامم المتحدة؟

khadom almosawiمن بين ما كشفت عنه خطابات المسؤولين الدوليين من على منصة الامم المتحدة في اجتماعات الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة لها 25 -19 ) أيلول/ سبتمبر) طبيعة وتوجهات السياسات الدولية، وفضحت ما يبيّت للعالم من خطط تتناقض مع المباديء الأساسية للأمم المتحدة في حماية السلم والأمن الدوليين. وبالتأكيد وضح خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سياسات دولته الاخطر، والتي تقود دولته واقعيا مخططات هيمنة امبريالية، تعتمد على تسميات ثقافية وتنهج نهجا عدوانيا حربيا، ابتدأ بالغزو والاحتلال ومازال متواصلا في التهديد باستمراره لخدمة المصالح الاستعمارية على حساب مصالح الأمم والشعوب. الأمر الذي يثير ما تريده الولايات المتحدة من الأمم المتحدة ومن العالم في خضم صراعات ليست قليلة بين الأقطاب الدوليين وعلى مساحات عالمية. كما أن الجمعية العامة وهي منتدى دولي للتفاهم وطرح ما يمكن أن يؤمن اهداف الامم المتحدة في مواجهة التحديات التي طرحها الامين العام لها، أنطونيو غوتيريش، والتي أكد فيها على الخطر النووي، والتهديدات الدولية للارهاب، والصراعات والانتهاكات الممنهجة للقانون الإنساني الدولي، وتغير المناخ، وزيادة انعدام المساواة،  وتهديدات الأمن الإلكتروني (الوجه المظلم للابتكار)، والهجرة والنزوح، بينما خطاب الرئيس الأمريكي جاء مخالفا للاوليات والأساسيات وقدم اشكاليات خطيرة أمام العالم. وكان تهديده لتدمير دولة عضو في الأمم المتحدة، هي كوريا الديمقراطية الشمالية تدميرا بالكامل يعري نوايا الدولة التي تستضيف الجلسة وتسهر على معالجة القضايا العالمية والتحديات التي تواجهها بشكل أساسي.

إضافة لكوريا، تناول قضية الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية في ايران، من منطلقات حربية، ووصف الاتفاق باوصاف لا تمت إلى محتواه. قائلا ان "الاتفاق معها هو من أسوأ الصفقات وأكثرها انحيازا، التي دخلت فيها الولايات المتحدة على الإطلاق". كما في وصف إيران ب"الدولة المارقة" و"الديكتاتورية الفاسدة". ومن المفترض أن يبلّغ ترامب، في 15 تشرين الأول/ اكتوبر المقبل، الكونغرس ما إذا كان يشاطر الوكالة الدولية للطاقة الذرية رأيها في أن طهران تفي بالتزاماتها الواردة في هذا الاتفاق. وحذر أعداء الولايات المتحدة من أن الجيش الأميركي "سيصبح قريبا أقوى من أي وقت مضى". كذلك أكد أنه "حان الوقت لكشف الدول الداعمة لجماعات مثل القاعدة وحزب الله"،(!) مشدداً على أن "علينا رفض التهديدات التي تمسّ سيادة الدول من أوكرانيا إلى بحر الصين"(!).

جاء اول رد على خطاب الرئيس الأميركي من الحليف الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي قال في خطابه بعده إن "التزامنا بشأن عدم الانتشار النووي أتاح الوصول إلى اتفاق صلب ومتين، يتيح التحقق من أن إيران لن تمتلك السلاح النووي". وأضاف أن "رفضه اليوم من دون اقتراح أي بديل سيكون خطأً جسيما، وعدم احترامه سينطوي على انعدام مسؤولية لأنه اتفاق مفيد". ولم يقف ماكرون عند هذا الحد، فقد دافع بشدة عن الاتفاق النووي «الجيد»، مشدداً على أن أولئك الذين لا يحترمونه لا يتسمون بالمسؤولية. وأضاف أنه أوضح ذلك لترامب وللرئيس الإيراني حسن روحاني، عندما التقى بهما خلال اجتماعات الجمعية العامة.

روسياً، أعرب وزير الخارجية سيرغي لافروف، في تصريحات إلى صحافيين روس في الأمم المتحدة، عن قلق بلاده من تساؤل ترامب عن اتفاق إيران النووي. وقال لافروف إنّه "أمر مثير للقلق بشدة". وأضاف: "سندافع عن هذه الوثيقة وهذا الإجماع الذي قوبل بارتياح من جانب المجتمع الدولي بأكمله، وعزّز بالفعل الأمن الإقليمي والدولي".

من جهته رد الرئيس الايراني حسن روحاني، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، على الهجوم اللاذع الذي وجّهه ترامب، لدولته. مؤكدا ان "الولايات المتحدة باتت تفقد ثقة الآخرین بها ومصداقیّتها العالمیة، بنقضها للتعهدات الدولیة". وقال إن "من دواعي الأسف أن ينهار هذا الاتفاق بيد حديثي العهد بالسياسة"، موضحاً أن "هؤلاء الذین یتصوّرون أنهم قادرون على احتواء الآخرین بإفقار الشعوب، یرتكبون خطأً فادحاً". وأضاف أن ما سمعناه من الرئیس الأميركي، وخطابه الجاهل والقبیح والحاقد والمليء بالمعلومات الخاطئة والاتهامات ضد الشعب الإيراني في هذا المكان المحترم، لا یشكّل إساءة للأمم المتحدة فحسب، بل یتعارض مع ما تطالب به الشعوب من هذا الاجتماع الذي یعقد لاتحاد الدول من أجل مواجهة الحرب والإرهاب". وأوضح أن "خطة العمل المشترك الشاملة هي حصیلة عامین من المفاوضات المكثفة"، مضيفا أن "ما تمخّض عنها حظي بدعم مجلس الأمن والمجتمع الدولي، وبات جزءاً من القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن". وقال إن "خطة العمل المشترك الشاملة لا تخصّ بلداً دون غیره، بل إنها وثیقة دولیة تتعلق بالمجتمع الدولي كله".

من جهة أخرى، أكد روحاني أنه "لا یمكن أن نقبل أبداً أن یقوم الكیان الصهیوني الذي یهدّد المنطقة والعالم بالسلاح النووي، ولا یلتزم بأي من القوانین الدولیة، بنصح الشعوب الداعیة للسلام". وقال: "تصوّروا للحظة واحدة كیف ستكون ملامح الشرق الأوسط من دون خطة العمل المشترك؟! تصوّروا ظهور أزمة نوویة مختلقة في المنطقة إلى جانب الحروب الأهلیة والإرهاب التكفیري والأزمات الإنسانیة والأوضاع السیاسیة والاجتماعیة المعقّدة في غرب آسيا".

ودعا الرئيس الأمريكي في لقاءاته على هامش الجمعية العامة إلى إصلاح الامم المتحدة، التي كان قد وصفها مرة بأنها "ناد" يسمح للناس "بالالتقاء والتحدث وقضاء وقت ممتع". في الوقت الذي حث الامين العام للامم المتحدة في كلمته إلى مواجهة التحديات الجسيمة والخروج من الورطة والتهديدات الخطيرة،  واكد على ثقته في قدرة العمل المشترك على بناء السلام واستعادة الثقة وخلق عالم أفضل للجميع.

من خلال خطاب ترامب ودعوات غوتيريش تتبين الصورة التي عليها العالم اليوم. أن إطلاق التهديدات من منصة الامم المتحدة تكشف الكثير الذي ينبغي الإنتباه له مستقبلا. العالم أمام مآزق فعلية والأيام القادمة تحمل ما لا تقوله الخطابات وحدها فقط. كما قال الأمين العام للأمم المتحدة: "الناس يتألمون ويشعرون بالغضب. يشهدون زيادة في انعدام الأمن وتناميا في عدم المساواة وانتشارا للصراع وتغيرا في المناخ .... المجتمعات مجزأة، والخطاب السياسي يدفع إلى الاستقطاب. الثقة داخل الدول وفيما بينها تتراجع بفعل من يعمدون إلى التشويه وبث الانقسام. نحن عالم مجزأ ونحتاج إلى أن نكون عالما ينعم بالسلام. "

 

كاظم الموسوي

 

 

في المثقف اليوم