آراء

الأكراد بين العراق وسوريا

saleh alrazuk2لم يكن استفتاء كردستان على الاستقلال مفاجأة. وكذلك رفع علم إسرائيل تمهيدا له. فهذه الإشارة الرمزية لبغداد تدل أن كردستان عازمة على خطتها وهي جاهزة عسكريا واجتماعيا. وتبقى مشكلة الاقتصاديات. ودائما هنالك قنوات يمكن بواسطتها الالتفاف من حول الحصار.

مع ذلك توجد مدرستان في تحليل مدلولات الخيار الكردي.

الأولى (وتمثله مقالة لقصي الشيخ عسكر) أن شمال العراق منطقة قارية. وهذا يشكل تحديا بالغ الخطورة على مستقبل الأكراد. فالدول الناجحة تحتاج لمنفذ مائي لتخفف من أثر أي حصار. ويضرب مثالا على ذلك إسرائيل وعراق التسعينات. فقد تمكنت دولة إسرائيل من كسر شوكة مليار عربي بسبب وجود ساحل طويل من رأس الناقورة وحتى عكا وحيفا. وبواسطته استطاعت أن تتنفس وأن تتواصل مع العالم. وكذلك كان لدى العراق أيام الحصار شواطئ الخليج. ومع أنها قصيرة ومحدودة لكنها كانت معبرا حيويا للقفز من فوق الرقابة الصارمة على البر والجو.

 المدرسة الثانية تعتمد على مبدأ الحرب العادلة. فمن يمتلك الأرض لديه عدة نقاط لصالحه، إنه يعرف المداخل والمخارج. والأهم من ذلك أنه مرتبط بها مصيريا. 

ولكن إذا كانت هذه هي الصورة في العراق ففي سوريا تبدو المشكلة أكثر تعقيدا. فأكراد سوريا يواجهون تهديدا مستمرا من تركيا بالإضافة للنظام. ويذكر قصي الشيخ عسكر أيضا أن أكراد سوريا ليسوا أصليين، بل هم وافدون بعكس الكرد في شمال العراق. واستوطنوا في الأراضي السورية خلال عدة موجات من الهجرة. وكانت آخرها هربا من السلطات العثمانية التي شنت عليهم مع الأرمن حربا ظالمة اضطروا معها للهرب والتواري واجتياز الحدود والاحتماء بمناطق لا تطالها يد البطش والانتقام. أضف لذلك أنهم مشتتون بين مناطق حول دمشق وفي ريف حلب وفي الجيب الشمالي الشرقي من الأراضي السورية.

ولعل استفتاء القامشلي (قامشلو باللغة الكردية) أوضح مثال. فقد أعلن المسؤولون عن استفتاء الفيدرالية أنهم يخططون لإقامة كونتونات أو كومون بمثابة الدائرة أو المنطقة ويمثلها من يفوز بأكبر عدد من الأصوات. وهي صورة معدلة من لجان الأحياء. ومعروف أن الكومونات بحاجة لشريان اقتصادي واجتماعي يربطها بوحدات إدارية أوسع. فهل سيتحقق هذا الشرط؟.

كان الرهان على توسيع الفيدرالية لتشمل الرقة ودير الزور. ولكن الإحصائيات تذكر أن عدد سكان الرقة على سبيل المثال يبلغ حوالي مليون نسمة (1,078,706 ) حسب سجلات عام 2012. وتعداد الكرد بينهم أقل من تسعة آلاف. تحديدا 8910 نسمة. وتوزيع الأكراد في الرقة على الأحياء حسب التقارير (كما ورد في الرقة بوست) يبدو كالتالي:

• حي رميلة: شارع الساقية وحتى سكَّة القطار (2650 فرداً)

• حي الوحدة: عدد الأُسر 300 أسرة، وعدد أفرادها (2200 فرداً)

• حي الأندلس: شمال سكة القطار- شرق شارع تل أبيض- جنوب معمل السكَّر عدد الأسر 130 أسرة، وعدد أفرادها (1200 فرداً)

• حي الدرعيَّة: منطقة المخالفات 80 منزل ويقدَّر عددهم (800 فرداً)

• حي الأندلس: من شارع تل أبيض حتى المدينة الرياضيَّة 77 أسرة، وعدد أفرادها (800 فرداً)

• جانب جامع الحسين والفرن الآلي: 25 أسرة، وعدد أفرادها (650 فرداً)

• جانب مدرسة المتنبي ومؤسسة العمران: حوالي (300 فرداً)

• حي المأمون: جانب المنطقة الصناعية 15 أسرة، وعدد أفرادها (80 فرداً)

• الحي ما بين شارع تل أبيض وشارع القطار:عدد الأسر 14 أسرة، عدد أفرادها (70 فرداً)

• حي الفرات: أسر عدد أفرادها (80 فرداً)

• الحي ما بين شارع سيف الدولة وشارع التصحيح: 6 أسر، عدد أفرادها (80 فرداً)

وهذا يعني أنهم حوالي واحد بالمائة. فما هو مصير الغالبية العربية ولا سيما أنهم من العرب السنة ومن العشائر الذين لديهم نزوع قوي لحمل السلاح وحل المشاكل بالقوة.

كانت الإجابة أن الأرقام والإحصاءات تطالها الشكوك. فقد طرأ تبدل نوعي على توزيع السكان. ويوجد مهجرون كرد من تركيا لم يتم تسجيلهم. وأكراد لا يحملون بطاقة عائلية ويعتبر أنهم مكتومون للتهرب من خدمة العلم. أضف لهم النازحين من بقية مناطق التوتر الذين هربوا من التمييز العرقي المحتمل سواء من دمشق أو محيط حلب وداخلها. فقد قطنوا في حي الرميلة مع أن أصولهم من غوباني (عين العرب سابقا). وكما تذكر المصادر بقيت سجلاتهم في الدوائر المدنية بحلب ولكنهم استوطنوا في الرقة. وهذا يشبه ما حصل مع أبناء الطائفة العلوية الذين فروا من حلب وعادوا إلى الساحل السوري بحثا عن مزيد من الأمان.

إن ما يشاع في سوريا عن روج أفا (غرب كردستان) بدأ يفرض نفسه. ومؤتمر الشعوب الديمقراطية (البرلمان الكردي السوري) أصبح وشيكا. ولا أحد يعلم كيف ستدير سوريا هذه الأزمة. إنما مما لاشك فيه أن التعاون بين كردستان والفيدرالية السورية ليس مؤكدا. فما يجمع هو في نفس الوقت من أهم أسباب التنافر والتمايز. وكل شيء مرهون بالوقت وبالتفاهم الروسي مع أمريكا.

هل ستتخلى روسيا بوتين عن شمال العراق لأمريكا مثلما فعل غورباتشوف بأفغانستان عام 1990.

هذا هو السؤال.

 

في المثقف اليوم