آراء

ارقام أيلول والمرحلة القادمة لابتزاز كردستان للعراق

saieb khalil2قبل كل شيء، نحن نعلم تماماً أن المشكلة التي نواجهها في إقناع قرائنا بوجود خطأ ما، ليست مشكلة معلومات على الإطلاق. فبعض الأمور أصبحت "حقائق ثابتة" مهما كانت كريهة ومهينة أو ظالمة جارحة للضمير. بل أن كثرة المعلومات(0) ووضوحها وتكرارها صارت تلعب دوراً معاكساً لما يفترض بها ان تلعبه كأداة لإثارة الغضب، فصارت أداةً لـ "تطبيع" الإذلال من جهة، والظلم من الجهة الأخرى.

ومؤخراً، كتبت مقالتين عن ابتزاز كردستان النفطي ودحضا للادعاء الكاذب والكثيف الانتشار بأن "بغداد قطعت رواتب الموظفين في كردستان"، والذي استخدمه مسعود وعدد من الكتاب المعروفين بتبعيتهم لكردستان كتبرير باهت للسعي للانفصال من خلال مبادرة الاستفتاء الأخيرة.

المقالة الأولى(1) ركزت على ابتزاز كردستان للمالكي واستغلال ادمانه الشديد على الكرسي، وجاءت بالكثير من الحقائق الموثقة والأرقام، ورغم ذلك، لم ير البعض منها إلا انها دفاع عن العبادي. وكانت الثانية(2) مركزة في ارقامها وحقائقها على "نهيبة" فترة حكومة العبادي الذي جاءوا به بأنفسهم لأنه الأكثر استعداداً للانبطاح لأوامرهم، فلم ير البعض من خلالها إلا أنني "من ايتام الولاية الثالثة". كذلك لم ير أي من قرائي الكرد في المقالتين المليئتين بالأرقام الموثقة، فرصة لرؤية حجم الظلم الذي يرتكب باسمهم ضد العرب، أو حتى تبيان من يسرقهم حقا ويخدعهم ويسوقهم بإثارة مشاعر قومية عنيفة، فكانت ردود أفعال من كتب منهم هي الشتائم وما شابهها.

رغم ذلك ليس لنا سوى الأرقام والحقائق، لنبرهن وجهة نظرنا، ونبقى نأمل بردود فعل عقلانية وحازمة، لعلها توقف الظلم على الأقل عند الحد الذي وصله. فيجب ان يدرك الناس في العراق، أن طموح اعدائهم لشفط كل نسغ الحياة من بلدهم لا يتوقف عند حد، والابتزاز مهما بلغ من القبح، فالحماس لزيادته مستمر مادام كشفه لا يولد رد فعل احتجاجي يكفي لوقفه، من قبل المظلومين به. دعونا نضع بعض الحقائق في نقاط أولا:

1- كما قلنا في المقالتين السابقتين، نصح السفير الأمريكي كالبريث (كما كتب في "نهاية العراق" لاحقا) الكرد بضرورة السعي إلى المشاكل، لا تجنبها، مؤكدا لهم ان كل "مشكلة" سوف تنتهي بحصولهم على افضلية إضافية. ويتبع قادة الكرد هذه النصيحة بحذافيرها.

2- بالتنسيق مع قوة الاحتلال الأمريكية وباستغلال الهبوط الأخلاقي للقادة العرب، حقق لصوص كردستان عملية نهب هائلة يستحيل تسجيل كل تفاصيلها، ابتداءاً من الـ 17% إلى تهريب النفط إلى تصديره ذاتيا إلى اجبار الحكومة على دفع مبالغ لشركات عن عقود لم تشارك في توقيعها وأخرى بلا وصولات، واستولت على الكمارك واراض شاسعة من كل المحافظات التي تحيط بها وقامت بالبحث عن النفط فيها وصدرت لإسرائيل وغيرها، وأخيراً فرضت على العراق حكومة العبادي التامة الانبطاح لأوامرها والتي ابتدأت بتوقيع اتفاقية على بياض معها ودفع مليار دولار بحجة "كسب الثقة" وغيرها كثير. وعدا هذا تمكنت كردستان وبشكل غير مفهوم من الحصول على 36 مليار دولار من الميزانيات السابقة إضافة إلى حصتها ومازال المبلغ دينا رسميا عليها، لن يتم دفعه طبعا.

3- اتباعاً لنصيحة كالبريث بضرورة الاستمرار بالبحث عن المشاكل والابتزاز للحصول على المزيد، أطلق الساسة الكرد كذبة أن "حكومة بغداد قطعت رواتب كردستان". وقد ردد هذه الكذبة من يعتمد في معيشته على هؤلاء اللصوص، من اعلاميين وساسة. وقد بينت المقالتان المذكورتان أعلاه مدى الكذب والتزوير في هذه العبارة. لذلك نعتقد أن موضوع الاستفتاء قد لا يكون الا مسرحية أخرى لتهيئة المسرح لعملية ابتزاز جديدة. والحديث عن ضرورة "حل المشكلة بالتفاوض" لا يعني في المفهوم السياسي في مثل هذه الحالة إلا قبول مرحلة جديدة من الابتزاز اشد إيغالاً من سابقاتها. كما ان تعابير رئيس الحكومة حيدر العبادي "المجابهة"، والتي لا تنسجم لا مع تاريخه ولا مع كيفية وصوله الى منصبه ولا مع شخصيته، ولا مع سوابقه كلها التي أسهمت أكثر من أية جهة أخرى برفع هذا الابتزاز، لا تفسير لها إلا محاولة كسب زخم يتيح له تقديم التنازل اللازم للابتزاز الجديد.

منعا لهذا الابتزاز الجديد، الذي سنتحدث عن توقعاتنا له في المقالة القادمة، والذي يتجاوز حصص النفط والميزانية، فإننا نكشف المزيد من الحقائق، ونبين حجم الكذب المستمر والنهب من قبل ساسة كردستان والارتباطات الأجنبية من العراق ومن كردستان المخدرة بالحلم القومي. ونقدم هنا ارقام آخر شهر تم حسابه (أيلول 2017) فيما يتعلق بتصدير كردستان للنفط بنفسها كما اختارت بنفسها. وتبرهن هذه الأرقام أن النهب الكردستاني فاق النسبة الابتزازية أصلا، 17% والتي يفترض أن تعطى منها "رواتب كردستان" وغيرها، وأنها كلها كانت ماضية بسلام والحكومة التابعة راضية قبل موضوع الاستفتاء، وستبقى بعده إن لم تزيد.

كما يعلم الجميع فأن الإقليم الذي لم تزدد نسبة سكانه في أي إحصاء حتى الآن على 11%، يحصل باتفاق جرى في الغرف المظلمة على 17% من الموارد التي تقسم بعد حسم الكلفة السيادية والحاكمة، التي تغطي أيضا كلفة الرئاسة الكردية والوزراء الكرد في الحكومة الاتحادية والنواب الكرد في مجلس النواب العراقي الخ. ويفترض أن يبقى للكرد ما يعادل وفق بعض الحسابات 13% (ويعادل 10,5% حسب حسابات كردية استخدمت للشكوى من قبل كردستان، لكننا سنفترض الرقم الأعلى احتياطا).

من هذه الـ 13% كانت الحكومة "توزع الرواتب" إضافة الى كلفة التنمية وغيرها، قبل ان يستلم ساسة كردستان تصدير النفط بأنفسهم. وبدلا من ان يعطوا الشعب الكردي حصته من مكاسب النهب المتزايد، قطعوا عنه الرواتب، وقالوا إن بغداد هي من "قطعها"! وما زالوا يشتكون اليوم من "تجويع" الحكومة للشعب الكردي ويستثيرون عواطفه بقلة الموارد التي تحصل عليها كردستان. وكما قلنا سابقا فان مردودات كردستان من تصدير نفطها إضافة الى ما استولت عليه من حقول في كركوك وغيرها، كان أكبر حتى مما كان يردها من الـ 17% الأصلية، ونبين هنا ان هذا الحال مستمر حتى اليوم من خلال حسابات شهر أيلول المنتهي تواً.

المفروض أنه إن كان ما يستلمه الإقليم يساوي 13% من قيمة ما يصدر من نفط (وهذا يساوي الـ 17% من الميزانية التي توزع) يكون الإقليم قد حصل على ما يعادل كامل حصته، وان لا يكون لديه اية مشكلة في توزيع الرواتب. لننظر كم حصل الإقليم في الشهر الماضي، على سبيل المثال:

وفق "تقرير النفط العراقي"، الصادر قبل أيام(3) بلغ مجمل تصدير العراق (مع كردستان) في أيلول 2017:  3.888 مليون برميل يوميا كانت حصة الاقليم منها بالتصدير من ميناء جيهان التركي 648 الف برميل يوميا. وتبلغ هذه النسبة 16.7%. ولو اخذنا فرق السعر بين جيهان والبصرة، والبالغة 8% نجد ان حصة الاقليم تصل الى 18%. وهو أكبر بـ 5% من ميزانية العراق، مما "يستحق" الإقليم وفق الابتزاز السابق.

  إضافة إلى ذلك، هناك كميات اخرى " تهرب " تحت مسمى "البيع الداخلي" وكذلك التهريب بالشاحنات الى إيران وتركيا، (بالإضافة الى ما ينقل بالشاحنات الى تركيا "رسميا"، وتبلغ حسب التقرير 38 ألف برميل يومياً) ولو فرضنا ان مجموع الكمية غير الرسمية تصل بالحدود الأدنى الى 40 الف برميل يوميا، فستصل حصة الاقليم من التصدير الى 17.7%، ثم إلى 18,9% بعد حساب فرق الاسعار. وبهذا تصل نسبة الإيرادات الزائدة التي يستلمها قادة كردستان إلى 6% من الميزانية الكلية العراقية!

والسؤال الذي يفترض بالكردي ان يسأله: "لماذا كانت كردستان تستطيع دفع رواتبه مع رواتب جيش كبير من "الفضائيين" مدنيين وعسكريين لا عد لهم، عندما كانت حكومة بغداد تسلمها 13% (أو 10,5% حسب ادعاء أحد ساسة كردستان) ولم تعد تستطيع ذلك عندما صارت تستلم ما يقارب 19%؟"

اما السؤال الذي يفترض بالعربي ان يطرحه على نفسه، فأتركه له.

ونلاحظ أن ما يقارب نصف ما تصدره كردستان هو نفط تم الاستيلاء عليه بالقوة، جزء منه بشكل "رسمي" وآخر "غير رسمي"! فما لا يقل عن 250 الق برميل يوميا من الكميات التي صدرها الاقليم (648 ألف برميل يوميا) هي من النفط الاتحادي في كركوك (اي من نفط قبة افانا لحقل كركوك وحقل باي حسن) والتي استولت عليها حكومة الاقليم "بشكل رسمي" (أي تم الاعتراف به) بهجومها المشترك مع داعش على الموصل وكركوك. وهناك ما لا يقل عن 50 ألف برميل يوميا من الكميات التي استولت عليها حكومة الاقليم بصورة "غير رسمية " (قبة بابا لحقل كركوك وحقل جمبور). فجميع حقول كركوك تعود للحكومة الاتحادية دستوريا، وبصورة لا تقبل الشك.

يبين الرسم البياني أعلاه كميات التصدير العراقية والكردستانية، وقد تم في هذه المقالة تفصيل الشهر الأخير منها فقط. وإن تذكرنا خطة كالبريث، وتذكرنا ان ابتزاز كردستان لم يتراجع ابداً في أي وقت، بل تزايد مع كل أزمة، أمكننا ان نتوقع المرحلة القادمة. ويبدو من قصة الاستفتاء والمبادرات لحله، أنه يتم تهيئة المسرح لـ "مفاوضات" لتحديد اتفاقية جديدة بين كردستان ودميتها التي نصبتها في بغداد، من أجل مرحلة ابتزاز أكبر وإفقار وإذلال أشد لشعب العراق، الذي ما زال رد فعله باهتاً، لا يرقى إلى حجم المؤامرة المستمرة.

توقعاتي أن يكون الهدف من كل هذه المسرحية إعفاء كردستان من ديونها للعراق والبالغة 36 مليار دولار، وربما دفع ديونها الخارجية المشبوهة البالغة أكثر من 35 مليار دولار أخرى، مقابل عودتها عن المطالبة بالانفصال، وسيكون هذا موضوع المقالة القادمة.

 

صائب خليل

..................

(0) (الشكر الجزيل للثروة العراقية، خبير النفط الأستاذ فؤاد الأمير، الذي يدين له الشعب العراقي بكشف أخطر حقائق ثروته النفطية) 

(1) صائب خليل: من قطع رواتب كردستان؟

https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1585945728129157

(2) صائب خليل: من قطع رواتب كردستان؟ 2- فترة العبادي https://www.facebook.com/saiebkhalil/posts/1587829757940754

(3) Oil exports and revenues up in September

http://www.iraqoilreport.com/news/oil-exports-revenues-september-25767/

 

في المثقف اليوم