تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

لا سلام في العراق

بعد نجاح ثورة 14 تموز خرج العراق من حلف بغداد. فاصيب الاستعمار الانجلو امريكي بصدمة غير متوقعة، لأنه كان مشغولاً حتى تلك الثورة باستخدام حكومة نوري السعيد لافشال الجمهورية العربية المتحدة، التي تكونت توا ً بين مصر وسوريا. فجأة ً ركز المستعمرون على اسقاط الحكومة العراقية الفتية وذلك (لارجاع الحصان الهارب الى الاسطبل) كما نشرت مجلة نيوزويك الامريكية ونقلها ابراهيم علاوي في جريدة صوت الاحرار البغداية في صيف 1959.

وبعد فشل عدد من المحاولات لاسقاط حكومة الثورة، مثل عصيان عشيرة الجاف في كفري وحلبجة وعصيان رشيد لولان في بادينان، اسرع شاه ايران وعين الجنرال ورهام ليقود محاربي الحزب الديمقراطي الكردي، بزعامة الملا مصطفى البارزاني، في ايلول 1961 ضد عبد الكريم قاسم. وبالرغم من شعار (السلام في كردستان) الذي رفعه الحزب الشيوعي الكبير، يعيش العراقيون منذ تلك السنة وحتى الآن في ظروف استثنائية شاذة، تخللتها الحروب المسلحة بين الحزب الكردي وكافة الحكومات التي تلت بدون استثناء. هذا اضافة الى الحروب المدمرة الكبيرة مثل الحرب العراقية - الايرانية، 1980 – 1988، وحرب الكويت في 1991 وحرب الاحتلال في 2003 والتي تلتها المقاومة الشعبية ضد المحتلين واستمرت حتى 2011 . ثم بدأت الحرب ضد داعش منذ 2014 وحتى الآن.

وجنبا ً الى جنب هذه الحروب نشبت حروب  شرسة بين جناحي الحزب الكردي نفسه، وذلك بعد انشقاق جلال الطالباني ومكتبه السياسي عن مصطفى البارزاني سنة 1964. استمرت  الحرب الاولى حتى سنة 1970 استنجد خلاله المكتب بشاه ايران ثم بحكومة بغداد سنة 1966. وبعد صلح هش اشتعلت الحرب الثانية في 1975 واتسعت الى داخل الاراضي التركية حين تم قتل علي عسكري، قائد الاتحاد الكردستاني، من قبل قوات البارزاني، بقيادة سامي عبد الرحمن . استمرت المعارك حتى 1986 بتأسيس الجبهة الكردستانية بين الطرفين، بأمر من امريكا، لمحاربة بغداد والتحضير لحرب الكويت. ومع تكوين حكومة اربيل اتفق مسعود البارزاني وجلال الطالباني، دون الاستشارة ببرلمانهما الجديد، مع حكومة تورغد اوزال التركية لمحاربة حزب العمال الكردي (بي كا كا) في  7/10/1992 (راجع تقرير بام اوتول، مراسلة البي بي سي والغارديان من انقرة في نفس اليوم ) ومازالت حكومة مسعود البارزاني متعاونة مع تركيا لتنفيذ هذه الحرب. وفي 23/10/1993 نشبت حرب جبهوية واسعة لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (لجلال الطالباني)  ضد قوات الحركة الاسلامية في اطراف حلبجة واستمرت حتى نهاية تلك السنة. (راجع تفاصيلها في جريدة نداء الرافدين الدمشقية الاسلامية التابعة لمحمد باقر الحكيم، العدد 66 في 2/11/1993). وبعد انشقاق الحركة الاسلامية الكردية استمرت الحرب ضد ما سمي بـ (الاكراد الافغان) حيث تم قتل شوكت حاجي مشير، عضو اللجنة المركزية للحزب. تم اعلان الهدنة بين هؤلاء مع المحتلين الامريكان بعد سقوط بغداد في 9/4/2003.

  نشبت الحرب الثالثة بين حزبي مسعود وجلال حول مدخولات ابراهيم خليل في 1/5/1994 التي كانت مسعود ينالها دون جلال. واستمرت الحرب حتى 22 ايلول/ سبتمبر 1998 في اتفاقية واشنطن بين الطرفين مع اشراف الحكومة التركية لتانسوجيلرعلى المصالحة والتي استخدمتهما لمحاربة اكراد تركيا من جديد.

بلا شك بلغ مجموع القتلى اكثر من مليونين عراقي وجرح عدة ملايين أخرين.

هناك الكثيرون من الجهلاء الذين يتهمون الشعب العراقي، بعربه واكراده، بالعنف. والحقيقة قدم هذا الشعب المظلوم، بالرغم منه وكسرا ً لشوكته، الملايين من الضحايا دون ان يذوق طعم السلام والحياة الآمنه في ظل حكومة منتخبة من قبله. من الضروري الاشارة الى أن في العراق، عدا الاكراد والعرب، هناك التركمان والكلدو آشوريون والارمن والشبك وهناك ايضا ً الاقليات الدينية كاليزيديين والصابئة، وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة ولكنهم نالو الامرين وقدموا الشهداء اكثر من نسبتهم السكانية، مما اجبر الكثيرون منهم على ترك العراق بالجملة ولسان حالهم يقول:

اخي ان عـاد  بعـد اليوم  جنـدي لأوطانه

والقى جسمه المنهوك في احضان خلانه

فأيـن النصـر احرزه  ليهديـه لأعـوانه !؟

من المؤسف هناك الكثيرون لم يستمعوا الى الرئيس ترامب وهو يصف العراق ويقول (علينا ان نسيطر على نفط العراق .) ويسخر من الذين يشيرون الى سيادة العراق بالقول: (ليس هناك شئ اسمه العراق والحكام يفرهدون كل شئ.) اسمع تصريحاته على الرابط التالي:

https://www.youtube.com/watch?v=u-xhzBmP2o8&feature=youtu.be

فرئيس جمهورية اقوى دولة في العالم لايعترف بسيادة العراق ولا بحكامه ويلح على احتلال العراق للسيطرة على نفطه دون ان يدرك شئ اسمه مجلس الامن.

بعد  الاستفتاء البارزاني في 25/9/2017 لشق الشعب العراقي المسكين، تمكن الجيش العراقي من السيطرة على كركوك في 15/10/2017 . مباشرة ً رفع مؤيدو مسعود شعار السلام بحجة ان المنطقة تعبت من الحروب وانها بحاجة الى السلام. وذهب العبادي الى حد الالتماس من ايران وامريكا لتنقلا خلافاتهما بعيدا ًعن العراق. ولكن بعد ايام تبين ان السلام لا وجود له في جدول اعمال امريكا، اذ ظهرت تصريحات  وتهديدات مخيفة لاشعال حرب جديدة، قد تتسع لتشمل ايران وحتى تركيا.

ففي 25/10/2017 نشرت واشنطن بوست مقالا ً، نقلتها سكاي بريس وقناة رووداو الموالية لمسعود، بقلم كبيرة محللي الأبحاث الإعلامية بمركز أبحاث سياسات الشرق الأدنى بواشنطن راشيل أفراهام، تقول: (أن كركوك سقطت في سيطرة الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي وقوات القدس التابعة لحرس الثورة الإيراني) وأطلقت الكاتبة على هذه القوى مصطلح (المحور الإيراني) ثم اشارت إلى (أن أبا مهدي المهندس، المطلوب من قبل أميركا بتهمة "الإرهاب"، قد شارك في الهجوم على كوردستان العراق) مضيفة أن (هذا الهجوم يمثل إعلان حرب على الإقليم.) ثم اكدت على أن (هجوم "المحور الإيراني" نُفذ بدبابات وأسلحة ثقيلة  زودتها امريكا الى القوات العراقية.) خصيصا ً لمحاربة داعش لا غيرها.  واردفت (إلى أن السبيل الوحيد لوقف التهديد الإيراني هي دعم استقلال كوردستان العراق في هذه المرحلة الحاسمة.) وأضافت : (إن الكورد هم الوحيدون القادرون على ايقاف إيران عند حدها.) اي انها طالبت الحكومة الامريكية بتاييد انفصال الاكراد ثم استخدامهم كمرتزقة من جديد ولكن للهجوم على ايران هذه المرة.

وفي 26/10/2017 صدرت واشنطن بوست وفيها تحليل طويل تحت عنوان: (امريكا سائرة نحو الاصطدام مع ايران في الشرق الاوسط) يقوم فيه نيكولاس هيراس،الموظف في مركز الامن الامريكي الجديد، بشرح الستراتيجية الجديدة لأمريكا بعد القضاء على داعش. ويختتم هيراس بالتصريح:

(كل التنظير الستراتيجي والبسطال على الارض، دون الغزو العسكري الجبهوي، لا يكفي لصد قابلية ايران في سير الاحداث في بغداد وكل العراق .) واضاف: (ودون زحف الجيش الامريكي الى دمشق لايمكن قطع ايران عن سوريا ولبنان.) فالستراتيجية الامريكية الجديدة لا تجلب السلام لأنها مخططة لاحتلال الجيش الامريكي للعراق ومنه لكل المنطقة.

 وفي 26/10/2017 صدر بيان مشترك عاجل من قبل رئيس الكنغرس الامريكي بول رايان، مع رئيس لجنة الاستخبارات ورئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس لجنة القوات المسلحة الامريكية يهدد الحكومة العراقية ويطالبها  بالدخول في المفاوضات مع (حكومة اقليم كردستان) وقبول (تعليق نتائج الاستفتاء، مقابل وقف اطلاق النار والدخول في حوار على اساس الدستور.) مؤكدا ً على أن (الحشد الشعبي ليس لديه مكان في عراق سلمي وموحد ومستقر، مبينا أنه من الأهمية أن تستجيب الحكومة العراقية لقلق وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بشأن دور وأنشطة الحشد الشعبي، حيث تشعر واشنطن بقلق بالغ إزاء تورط إيران في العمليات الأخيرة.) وفعلاً جرى اتصال تلفوني بين حيدر العبادي ومسعود البارزاني في نفس اليوم وتم وقف اطلاق النار بين الطرفين مباشرة في 27/10/2017 على اساس تجميد نتائج الاستفتاء برهة ً دون الغائها. اذن تطورت الاحداث لحماية مسعود مع الابقاء على نتائج الاستفتاء بغية الاستمرار في اشعال حروب جديدة.

فاذا كانت الستراتيجية الامريكية الجديدة هي التي تقرر مصير العراق والمنطقة بالاعتماد على حزب مسعود وجيشه علينا ان نقرأ السلام على سلامة شعوبنا.

   كمال مجيد

 

 

في المثقف اليوم