آراء

تضامناً بوجه خصخصة الكهرباء .. حقائق وخرافات أساسية

saieb khalil2هذه قائمة بالحقائق والخرافات الأساسية في موضوع خصخصة جباية الكهرباء، وهي دعوة للتضامن مع الحملة الشعبية المباركة التي تعم العراق لرفض خصخصة الكهرباء والاستثمار فيها. إننا ندعو المثقفين إلى دراسة وفهم الحقائق الأساسية التالية وتوعية الناس بها:

1- ليس الهدف من الاحتجاج هو الحصول على كهرباء مجانية:

يجب ان يكون واضحاً قبل كل شيء، أن الهدف من هذه الحملة لا يجب ان يكون ان تبقى الكهرباء مجانية بلا دفع، كما هي حالة الفوضى اليوم في الكثير من مناطق العراق. ويجب ان يكون السعر معقولا لا يشجع على التبذير غير المبرر. الهدف من الحملة هو ان تبقى الكهرباء وإدارتها واسعارها تحت إشراف الدولة وسلطتها، وعدم ادخال أي قطاع خاص بها، لأن هذا يضيف كلفة إضافية اليها سيتحملها المواطن في النهاية. كذلك فأن تسليم الكهرباء كلياً أو جزئيا سوف يعني عاجلا أو آجلا، أن يسلم الشعب رقبته إلى جهة لا سلطة له عليها لتتحكم فيه وفي شروط تجهيز الكهرباء وتغير الأسعار كما تشاء مستقبلاً.

2- الخصخصة عالة تزيد كلفة الإنتاج وبالتالي السعر:

 إن الزيادة في كلفة الإنتاج للقطاع الخاص يأتي من إضافة إرباح طبقة ثرية جشعة بطبيعتها ومتطفلة لا مبرر لوجودها ولا فائدة منها. فالقطاع الخاص، خاصة في العراق والدول العربية التي وجدت نفسها تحت الاحتلال الأمريكي بشكل عام، عديم الفائدة تماما، وهو عبارة عن مجموعة من اللصوص التي ترى في البلد مصدراً للنهب لا أكثر. والدليل على ذلك انهم لا يبنون شيئا ولا يفعلون شيئا، سوى الاستحواذ على أموال الشعب ومعامله وخدماته التي تم انشاءها بأمواله، وتقديم الرشاوي للمسؤولين لشرئها بأرخص الاثمان. وبالتالي فأي إدخال لهم في اية عملية إنتاجية أو خدمية ليس له أي تأثير سوى إثقال تلك العملية بعبئ أرباحهم.

3- الخصخصة تزيد قوة الفساد في الدولة:

من الواضح انه كلما كان الفساد أكثر استشراءاً كلما زادت أرباح القطاع الخاص الذي يتعامل مع الشعب من خلال الدولة كما هو الحال في قطاع الخدمات دائماً. فالدولة لا تسحب يدها من الموضوع، بل تبقى تقدم دعماً (كبيرا جداً في حالة الكهرباء) وتضع الشروط على أسعار الوحدات الكهربائية وتراقب التنفيذ الفعلي للاتفاق وهي معنية بحل المشاكل بين الشركة المستثمرة والمواطنين. ومن المفهوم بالتالي أنه كلما كانت الحكومة أكثر فساداً، كان الأمر أسهل للشركات لكي تكون قراراتها في صالحها وليس في صالح المواطن. وبالتالي فسوف تخلق الخصخصة والاستثمار طبقة قوية تحرص على الدفاع عن الفساد والفاسدين وعلى قدرتها على رشوتهم. وتستطيع تلك الشركات بذل الأموال لوسائل الإعلام أو برشوة القضاة او النواب او المسؤولين ليكون التحكيم لصالحها على حساب الناس.

4- الحكومة فاسدة وتابعة ولذلك هي في خندق الشركات:

المراقب لما يجري قد يدهش لهذا الحماس الشديد الذي تبديه وزارة الكهرباء والكثير من المسؤولين المحليين لدفع خصخصة الكهرباء قدما، وتسليمها عملية الجباية على الأقل، بالرغم من المعارضة الشعبية الشديدة وبالرغم من اقتراب الانتخابات. فما هي القوة التي تحرك الحكومة في عكس اتجاه الشعب في الوقت الذي هي بأمس الحاجة الى ثقته للانتخابات القادمة بعد بضعة أشهر؟

هناك نوعان من موظفي الحكومة المتحمسين للخصخصة أو خصخصة الجباية: النوع الأول هو المستفيد المباشر، وهم الغالبية وخاصة في الحكومات المحلية، ولا يستبعد ابدا أن يكونوا قد اتفقوا مع الشركات المرشحة أما بتقاسم العمل أو بالرشاوي. والنوع الآخر هو المأمور من الأعلى الذي لا خيار آخر له إن أراد البقاء في منصبه. وهؤلاء هم كبار موظفي وزرارة الكهرباء ومنهم الوزير بالتأكيد، بل من هو أعلى من الوزير وصولا إلى رئيس الوزراء المأمور من اميركا وصندوق النقد الدولي، المعروف تاريخيا بلجوئه إلى أساليب القروض المشروطة لتحطيم البلدان اقتصاديا لتبيع ثرواتها رخيصة للشركات الكبرى.

5 - لا شيء مضمون في المستقبل مع الخصخصة:

من الممكن جدا ان تقدم الحكومة والشركات الى الشعب، اتفاقا مغريا فيما يتعلق بالأسعار والشروط لتمرير العقود. لكنهما يعلمان جيدا أن هذا الاتفاق لن يمنعهما من تغيير تلك الشروط بأية حجة كانت، وتحقيق المزيد من الأرباح بفرض أجهزة جديدة مثلا، أو بخلق مشاكل في استقرار الكهرباء، ثم عرض حلول تقتضي دفع المزيد من الأموال لها. الحكومة لن تستطيع في تلك الأحوال غير المثبتة في العقد، حماية المستهلك، حتى إن أرادت. فالشركة مستقلة عن سلطة الحكومة والشعب، وقد وقعت اتفاقا مع "حكومة شرعية" يسري حتى على الحكومات القادمة.

صحيح ان الأمور ليست مضمونة تماما حتى لو بقيت الكهرباء بيد الحكومة، لكن هناك نقطتان اساسيتان في الفرق بين الحالتين: الأولى هي ان موظفي الحكومة لا يربحون شيئا من اجبار المواطن على دفع المزيد، على العكس من الشركات. والثانية هي ان الحكومة أكثر قلقا من غضب المواطن لأنه يستطيع على الأقل نظريا أن يطردها من عملها، اما الشركة فلا سلطة للمواطن عليها.

6- الدعم الحكومي هو دفع لأموال الشعب بشكل غير مباشر للشركات:

من الممكن تماما أن يتم الترتيب بين الحكومة والشركات بحيث يتم إبقاء الأسعار ثابة، بزيادة الدعم الحكومي لأسعار الشركات. وفي هذه الحالة لا يعدو الأمر ان يكون احتيالا من جانب الحكومة والشركات. فما يسمى "الدعم الحكومي" هو في الحقيقة من أموال الشعب، يدفعها الشعب لكي يجعل سعر الشركات يبدو معقولاً، بينما السعر الحقيقي هو مجموع ما يدفعه المواطن والدعم الحكومي. ولأن هذا الدعم يتم باتفاق بين الحكومة والشركات دون تدخل من الشعب، رغم ان الدعم يتم بأمواله، فيمكن للحكومة والشركات زيادة هذا الدعم دون ان يشعر المواطن بخسارته غير المباشرة.

7 – خرافة ان خصخصة الجباية ستوفر الكهرباء للمواطن بشكل مستمر:

هناك حقيقة أساسية هي ان الجباية لا تخلق الكهرباء. فإن كانت كمية الكهرباء متوفرة بشكل مستمر، فلماذا تقطعونها؟ التفسير الوحيد لذلك إذن هو ان ارتفاع السعر الناتج من الخصخصة سيجبر المواطن على تقليل استهلاكه من الكهرباء عما هو الآن! وبالتالي فهذا يعني أولاً ان الخصخصة لا علاقة لها بتوفر الكهرباء، وثانيا انها ستزيد الأسعار! والحقيقة ان هذا التقنين في الكهرباء من قبل المستهلك أمر ضروري سواء بالخصخصة او بدونها، كما شرحنا في المقدمة.

8- خرافة عدم قدرة الحكومة على جباية قوائم الكهرباء:

لا توجد حكومة في العالم تملك شرطيا، لا تستطيع جباية قوائم الكهرباء إلا في المناطق التي تحتلها قوات ليست تحت سيطرتها (مثل داعش). وفي الحالة الأخيرة لا تستطيع الشركات ان تفعل ذلك أيضا! فقدرة الشركة على اجبار المواطن على الدفع تعتمد على سلطة الدولة وشرطتها. إلا إذا كونت الشركة شرطتها الخاصة الأقوى من شرطة الدولة، وهي حالة خطيرة للغاية وإن لم تكن مستبعدة تماما في هذه الأيام. لذلك، وفي الظروف الحالية فأن خرافة عدم قدرة الحكومة على جباية القوائم حجة تافهة تماما. وإذا كانت الحكومة مشلولة إلى هذه الدرجة فكيف ستحارب الفساد وكيف ستدير الدولة؟ إن لم تستطع الحكومة الجباية فيجب انتخاب أخرى تستطيع!

9- خرافة أن الشركات أقدر على محاربة فساد الجباة لأن الجابي سيكون من الشركة نفسها: 

هذا الافتراض بعدم وجود تناقض في مصالح الجابي مع الشركة التي توظفه، افتراض لا أساس له. فلن يكون الجباة سوى موظفين في الشركة مثلما هم موظفون في الحكومة، وليسوا أصحاب الشركة نفسها. وإن كان من مصلحة الجابي الحكومي ان يقبل الرشوة فمن مصلحة جابي الشركة ان يفعل ذلك أيضاً. وبالتالي فدوافع جابي الشركة لقبول الرشوة لا تختلف شيئا عن جابي الحكومة. وحتى من يحاسب الجابي ويتابعه، سيكون أيضا موظفا في الشركة وليس صاحبها نفسه، وبالتالي فليس لهذا مصلحة أكبر مع الشركة مما مع الحكومة، ومصلحته الوحيدة في كلتا الحالتين هي الحفاظ على وظيفته. ولا يوجد سبب يجعل الحكومة اقل قدرة على متابعة ومحاسبة موظفيها، من قدرة الشركة على ذلك. فالمفروض ان حرص الوزير على منصبه لا يقل عن حرص صاحب الشركة على أرباحه. وما لم نستطع أن نأتي بحكومة يقلق فيها الوزراء على مناصبهم من غضب الشعب، يكون البلد ضائعا في كلتا الحالتين، ويكون الضياع بالخصخصة أكثر مما بدونها. لا يجب التفكير بحل مشكلة الفساد عن طريق الخصخصة، لأن هذا هو الانتحار.

10- خرافة أن جباية القوائم سهلة الغش وبالتالي الرشوة.

الفكرة السائدة أن المستهلك يستطيع رشوة الجابي ليقلل له قراءة المقياس، هي خرافة أخرى من خرافات حجج خصخصة الجباية. فتقليل القراءة لا يغير المقياس، وبالتالي فما يتخلص منه المستهلك من خلال الرشوة، سوف يؤجل فقط إلى قراءة الشهر التالي، ولو تكرر الأمر لتجمع المبلغ إلى ان يتم كشف التلاعب. الطريقة الوحيدة لذلك هي فتح ختم المقياس وتغيير العداد، أو سحب الكهرباء من وراء المقياس. وهي عملية ليست سهلة الاخفاء، وإن تمت بنجاح فلا يوجد أية افضلية للشركة على الحكومة في القدرة على كشفها أو التعامل معها.

11- أجهزة القياس الحديثة لا تتطلب وجود جابي:

كل هذه المشاكل المثارة على الجابي ورشوته قد تكون لا معنى لها ابدا، إن قامت الجهة المعنية باستعمال مقاييس حديثة تقيس التيار عن بعد وترسل القراءات ذاتيا لتدخل رقما في ديون سجل المستهلك الذي يجب ان يسددها بنفسه في البنك أو في مكتب خاص. وتستطيع نفس الأجهزة أن تبرمج للقيام بقطع التيار ذاتيا أيضا عند تأخر الدفع فترة محددة. وعند نصب هذه الأجهزة، لن يكون لدى الشركة ما تفعله سوى جني أرباح العقد الذي وقعته مع الحكومة وهي جالسة في مكانها! ويمكن الحكومة أيضا الجلوس في مكانها وإداء نفس العمل بالتأكيد، فالجلوس لا يميز بين موظف حكومي وموظف خاص.

لماذا إذن كل هذا الإصرار الحكومي العجيب على خصخصة الجباية؟ النقطة الأساسية التالية تشرح الأمر:

12- حكومتك ليست حكومتك.. إنها حكومة الشركات التي نصبتها:

النقطة الأساسية إن أراد الشعب ان يفهم ما يجري، هو ان يتذكر أن "حكومته" ليست حكومته! عليه ان لا ينسى أنه لم ينتخبها وهي تشعر ان ليس له أي فضل في وجودها ولا يمثل خطرا على بقائها مستقبلاً. فالعبادي جاء به الأمريكان وكردستان من وراء الكواليس وبدون اية أصوات تستحق الذكر متجاوزين الانتخابات. وبالتالي فهو يدرك فضلهم ويدرك أيضا عجز الشعب عن معاقبته إن اساء لهم أو مكافأته إن نفعهم. لذلك فإننا نرى ان كل نشاط العبادي كان في خدمة شروط السياسة الأمريكية وسلم لها كل مقاليد الحكم ووقع الاتفاقات الاقتصادية السرية معها مع عملاء إسرائيل من العرب بشكل خاص ومع المؤسسات الدولية الخطرة ذات التاريخ شديد الأذى على البلدان الأخرى. وبالتالي فأن الخصخصة بالنسبة للعبادي، ليست سوى أوامر أمريكية يجب تنفيذها، حتى لو لم يحصل على مردود لنفسه منها. اما بالنسبة للحكومات المحلية فهي وسيلة أثراء سهلة جداً. يجب على الشعب ان يدرك اذن أن الحكومة في الحالتين تقف ضده ولذلك تستميت في الدفاع عن الخصخصة وتراوغ وتناور من اجل اثبات "جمالها" له. وعليه ان يدرك أيضا أن عليه ان يدافع عن نفسه ومصالحه في هذا الظرف الذي يجد نفسه فيه، ولم يكن هو أيضا بريئا تماما من التسبب فيه، وأن يحرص في الانتخابات القادمة على أن يكون الامتناع التام عن الخصخصة، من شروطه لانتخاب مرشحه، لكيلا يجد نفسه في السنوات القادمة في وضع لا حل له.

في هذه المقالة ركزنا على نقاط وخرافات خصخصة الجباية وفي مقالات أخرى سنكشف حقيقة الاستثمار في "انتاج" الكهرباء وسنشير الى تجربة عملية فاضحة سبق ان أشرنا اليها في مقالات سابقة، تبرهن أنها عملية لصوصية مخيفة لا أكثر.

الحقيقة الأساسية التي نكتشفها هنا وفي المقالات القادمة، هي أنه لا يوجد أي مبرر حقيقي لخصخصة الكهرباء سواء في الجباية او التوزيع أو الإنتاج، وأن أي ادخال لقطاع خاص في هذه العمليات ليس سوى نهب إضافي لموارد الشعب بطريقة او بأخرى. إنه ليس سوى وضع طبقة مستفيدة عديمة الفائدة لتضيف حصتها من نهب هذا القطاع كما في كل قطاع آخر دخلت فيه، وان السبب في هذا الأمر هو ان الشعب رضي بحكومة لم ينتخبها وليس له تأثير عليها، ونأمل أن يشعر الشعب بذلك ولا يكرر الخطأ الكبير.

إنني ادعوا جميع المثقفين للمشاركة في حملة منع خصخصة الكهرباء والكتابة فيها وتوعية الناس بحقائقها وتوضيح الأهداف الحقيقية لها وبأمثلة تاريخية من كل البلدان التي عانت منها. وبالتالي فهي دعوة أيضا لأصدقائنا العرب الذين مروا بهذه التجربة في بلدانهم، ليسهموا في كشف حقيقتها والتضامن معنا لمنعها في العراق.. وسنحاول نشر كل ما يصلنا عن الموضوع في صفحة الفيسبوك المسماة "لا للتحطيم الاقتصادي للعراق"، فنرجوا ارسال مساهماتكم او ما ترونه مناسبا للنشر، إلى تلك الصفحة، كما يمكن مراجعتها للبحث عن المصادر والاخبار عند كتابة المقالات:

"لا للتحطيم الاقتصادي للعراق"،

 

صائب خليل

......................

https://www.facebook.com/FreePeopleNotFreeMarket/

 

 

في المثقف اليوم