آراء

حروب الأمبراطورية الناعمة أو العنيفة هدفها الفوضى وليس تحرير الشعوب (2)

altayb baytalalwi"ظل صانعو السياسة الأمريكية تائهين في البحث عن معالم ذلك النظام الجديد / الذي إفترضوا وجوده / دون العثورعلى أية مؤشرات ملموسة له، ... ولذلك لجئوا إلى إستحداث حقبة حالكة...، حقبة تسود فيها الفوضى والإضطرابات، فوجدوا ضالتهم في نظرية صامويل هنتيغتون" / روبرت غرين من كتابه "أزمة الحضارات في القرن العشرين"

شغف المنظرون الأمريكيون منذ نهاية الحرب الباردة بإطروحات الفوضى واللانظام في العلاقات الدولية.فتحدث بيير هاسنر، عن عودة "قرون أوسطية جديدة"وروبرت كابلان عن "الفوضى القادمة" حيث لخص لنا المفكر السياسي الكندي البروفيسور "روبرت كوكس" في عام 1994 تلك الأجواء الفكرية السياسية التي سيطرت على مراكز البحوث الجيو- سياسية الأمريكية زمنها قائلا: "إن سيناريوهات روبرت كابلان حول: "الفوضى القادمة" وفوكوياما حول" نهاية التاريخ "وصامويل هينتيغتون حول" صدام الحضارات"، ما هي سوى تجسيد للعقلية الأمريكية التي تتشابك داخلها الآمال والمخاوف من المستقبل" ...

 فبدأ الأمريكيون يرون أعداء محتملون في كل مكان ولوعلى بعد آلاف الأميال، وأخذوا يعتبرون كل بلد لا يخضع لجشع قروض البنك الدولي / التي هي بمثابة عقود إسترقاق للدول المتخلفة / والتي ليس فيها فرعا من فروع أبناك روتشيلد، بمثابة "دولة فاشلة"، التي تعني في المصطلح / الإسرائيلو-أمريكي دولة مارقة، وعقبة في سبيل إنجاز مشروعي" النظام الإقتصادي الجديد " النظام العالمي الجديد " / الخالي من الروس والصين، وإيران / ولذا فقد كان إحتلال إفغانستان وإعادة إحتلال العراق ستراتيجية ضامنة للسيطرة على العالم، وتطبيق نظرية الفوضى الشاملة...فعادت نظرية " المصير المبين" / التوراتية / لجون فيسك- التي طعمت الفكر السياسي الخارجي الأمريكي في عشرينات القرن العشرين، تسيطرمنذ الألفية الثانية، من جديد على عقلية متخذي القرارالسياسي في البيت الأبيض / جمهوريون وديموقراطيون /، مادام المحافظون الجدد قد تغلغلوا في كلي الحزبين منذ نهاية الحرب الباردة

ولذا فمن الملاحظ أنه كلما تم " تحرير" بلد ما عن طريق الإمبراطورية، إلا وغاص البلد المُحَررفي المزيد من الفقر والتخلف والفوضى.

وهذا ما ينطبق اليوم على كل البلدان التي "حررها" الأطلسي، حيث أن واشنطون وحلفائها الأوربيين ودول عربيية، يخرجون البطاقة الحمراء لكل دول المنطقة العصية عن التدجين، الرافضة للإمتثال لصندوق النقد الدولي، وأبناك روتشيلد والمناهضة لإ سرائيل، والخارجة عن الطوق الأمريكي، حيث أن تلك البلدان " المحَررة" / أمريكيا / تهيمن عليها اليوم الفوضى الشاملة، ويستشري فيها الفقر، وتفوح في آفاقها رائحة الموت والبارود : ليبيا سوريا، العراق، والقائمة ستطول عما قريب لتعم الجزائر والمغرب

ومن هنا يتبدى لنا بالملموس، أن ستراتيجية واشنطن وعواصم الغرب / كأغبياء مفيدين وخدم خنوعين لتل أبيب أبيب / ليس غرضها كسب الحروب المعلنة على البشرية، أوإيجاد الحلول الجذرية لمشاكل المنطقة العربية والشرق الأدنى والأوسط، بل فقط لترسيخ الفوضى، ونشرالدمارالشامل.وتلك هي الطريقة الوحيدة لمحاصرة الشعو ب، وسلب خيراتها وسرقة أموالها وترهيب سكانها وتركيع حكامها / ونماذج ليبيا وسوريا والعراق واليمن-في جغرافيتنا العربية أمثلة واضحة /

وفي هذا الصدد فإن الأمبراطورية في حاجة ما سة إلى المزيد من العسكروالعتاد الحربي المتقدم على كل شعوب ا العالم كله مجتمعة، حيث صادق الكونغرس الأمريكي في 16 / 11 / 2017 على ميزانية 700 مليار دولارتغطية للميزانية الحربية لعام 2018 بحيث زاد المبلغ بكثيرعن طلب دونالد ترامب نفسه / مما يدل على مهزلة أكذوبة الصراع ما بين ترامب و" الدولة العميقة"، التي ترغب أكثر من ترامب نفسه في نشر المزيد من الحروب القادمة في عام 2018 /، بالرغم من أن ترامب يعد أكبر دعاة الحرب لما بعد مرحلة "ريغان " / حيث أن ترامب مصاب بعقدة " ريغان " في كل شيء /، ولنُذكر على أن أكثر من 50٪ من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة يعتمد على المجمع الصناعي الحربي، والصناعات الموازية المرتبطة باللوازم والمعدات العسكرية / وهو من أهم اللوبيات المسيطرة على إتخاذ القرارالسياسي الخارجي الأمريكي الذي حذرمنه الرئيس الأمريكي الجنرال داويت أيزنهاور في أواسط الخمسينات، كما لوبي الصناعات الحربية مرتبط بدعاة الحرب الصقور في واشنطن، إذ هو من أهم اللوبيات الذي يخضع له كل رؤساء الولايات المتحدة وجنرالات الحرب في البينتاغون – / وبالمناسبة فإن هذا اللوبي-مثله مثل الكونغرس الأمريكي - يترأسه إما يهود أمريكيون أو أمريكيون متصيهنون أو صهاينة متزوجين بيهوديات / كما هو الشأن بعائلة ترامب : / إبنته / كمستشارة له في السياسة الخارجية والقضايا الإجتماعية : يهودية أرثودوكسية متطرفة، وأخويها الآخرين -المستشارين أيضا لترامب متزوجان من يهوديتين متصهينتين .. وترامب نفسه بروتستانتي متصهين فتأمل.

التدليس الغربي في أكذوبة " إعادة الإعمار"

وبالتوازي ,, فإن البلد المأساوي المُحرَر / أمريكيا / فأول ما سيحتاجه –بطبيعة الحال- هو" إعادة الإعمار" فيه، وإعادة هيكلة مؤسساته التنموية – التي تستدعيها بالطبع، ظروف الضرورة–التي خلقتها " ظروف الحرب"... التي خلقتها الإمبراطورية ها ها / إنها بحق مسرحية عبثية كافكية /، حيث يلزم دائما-"النظام العميل الجديد" أوالبديل / إلى الشروط المذلة " للمحرِرِين"، بحيث نتسائل عن شروط مجموعة النصابين في بروكسيل والولايات المتحدة بترحيل بشار الأسد وتنصيب "ثوراني معتدل "كشرط أساسي لإيقاف الحرب الدائرة في سوريا / مادامت أبناك روتشيلد تنفق بسخاء على " الحروب الكبرى والصغرى من أجل صهيون، منذ أول ثورة ربيعية أوروبية مفبركة عام 1848 / أشعلتها الأقلية اليهودية حيث يتم إدخال البلد" المُحرَرَ"في نظام الإسترقاق الغربي، وإخضاعه للرقابة لضرب عصفورين بحجر واحد / التخلص نهائيا من المسيحية والأنظمة الملكية التي كانت معظمها معادية لليهود في أوروبا / وهذا جانب تفصيلي تعرضت لها في كتابي ربيع المغفلين /

حيث ما على "الدولة المحررة سوى القبول بالشروط المجحفة والمذلة لجشع صندوق النقد الدولي-الذي هو أمريكي- بشروط النظام المصرفي "الربوي" اليهودي، بغرض إحكام الخناق على البلد المُحرَرَ، حيث يحق للمقرضين تسيير وترشيد البلد "الديموقراطي المحرر الجديد" في كل كبيرة وصغيرة / مثل ليبيا تماما / / لأن المقرضين هم أنفسهم دول الحلف الأطلسي وأبناك روتشيلد الذين يتعاملون مع كل الحكام الفاسدين في العالم وخاصة في العالم العربي والثالثي /

وتلك أهم طرق السيطرة على مقادير الأمم والشعوب التي لا خيار لها فيها، فإما القبول ب" الأمر الواقع"، أو " التغيير بالثورات الملونة " أو القصف والتدمير / والملاحظ أيضا أن " تحرير الشعوب من أنظمتها الفاشية " يبدأ أولا عبر " ثورة ملونة" وعند فشلها يتم" التدخل العسكري الإنساني"" من أجل تحرير البلد من طغاته" / كما يتم التمهيد لذلك حاليا في إيران إنتقاما من النظام لمساهمته في تحرير سوريا وطرد الدواعش ورفض التعامل مع أبناك روتشيلد-والباقي ثرثرة مغفلين ودردشة مستحمَرين –

 فمتي تم "إعادة الإعمار في العراق وإعادته كما كان قبل" التحرير الأمريكي؟ "ومتى تم إعادة إعمارغزة وفتح مجالاتها برا وبحر للتواصل "كبشر"مع العالم ؟ أوعلى الأقل مع جيرانها العرب وخاصة مصر مبارك أو مصر السيسي؟ وإلى متى سيضل قطاع غزة أكبر سجن في العالم " الحر والديموقراطي المعاصر"؟

أدوات الإمبراطورية في تعميم الفوضى الشاملة في المنطقة:

 إنها طبيعة ومنطق الرهانات الأمريكية الجديدة : في اليمن، في أوكرانيا، في سوريا، العراق، في ليبيا في السودان في تونس في الصومال في نيجيريا في سيراليون في تشاد في كل إفريقيا الوسطى والقائمة طويلة فما عليك سوى الإختيار.

 فمن يحارب من؟

وأما تساؤلات المغفلين عن من يحارب من؟: داعش؟، النصرة، ؟ القاعدة،؟ أحرارالشام؟ بوكو حرام ؟، أو " أحرار تل أبيب وواشنطن؟ وأتباع الشيطان؟، وغيرها من الأسماء الوهمية التلبيسية ذات المصدر الواحد، والتكوين والتنظير الواحد، والعمل والهدف الواحد، والمؤتمرون تحت أوامر إمرة واحدة ... فتلك لعبة يستخف بها الغرب عقول المغفلين، ففي ثلاجة الغرب المغلقة الآلاف من نسخ القاعدة وبناتها وخالاتها وعماتها " وهي جاهزة لمرحلة" ما بعد داعش"- للإنتقال بها على حين غفلة إلى داخل إيران وروسيا والصين، وتلك من المهام الجديدة لصهر ترامب الذي توطدت علاقته أكثر-مؤخرا- مع كل هنري كيسينغر-الجمهوري-: مهندس الخرائط الدولية، والمتعبقر في فنون بلقنات الجغرافيات الدولية، ومع شريكه التجاري في شركة كوشنير العقارية ورفيقه السابق في الحزب الديموقراطي": الملونير اليهودي " جورج سوروس "من الحزب الديموقراطي، والمربي السابق لأوباما وممول حملته الإنتخابية, – والممول منذ التسعينات لكل الثورات الملونة والبرتقالية بما فيها ربيعنا العربي، والربيع الإيراني الحالي، وهذا "السوروس" هوللغرابة أيضا العدو اللدود لترامب / صهر كوشنير / فتأمل / الذي يعمل ليل نهار للإطاحة بترامب بكل الوسائل / وهذا جانب تفصيلي / فما عليك سوى أن تنقر على الأنترنيت Open Society Foundations لترى مدى أخطبوطية مؤسسة سوروس الدولية، وقل بعدها فيما إذا وجدت ركنا منزويا في العالم لا يؤثر فيه هذا الرجل

 وبالإضافة إلى أن الفرق الجهادية التخريبية المختلقة، يمكنك أن تضيف"بلاك ووتر"، و"كسي أكاديمي" Blackwater, Xe, Academiوهي أسماء منتقاة بعناية، لكي لا يتم التعرف عليها بسهولة، في حين أنها "دواعش إفرنجية" مكملة لأعمال الفرق القتالية الجهادية بتقنيات أكثر" جيمسبوندية"، مع تبادل الأدوار والخبرات والتاكتيكات / ليس إلا / حيث أن المدد اللوجيستي ذو مصدر واحد معروف.

وإلى جانب هؤلاء يوجد طبعا مومسات الرصيف من الأثرياء: وهم بريطانيا، وفرنسا ودول عربية إقليمية لا داعي لذكرها

 

د. الطيب بيتي

 

 

في المثقف اليوم