آراء

مياه الرافدين "دجلة والفرات" في محكمة العدل الدولية

alaa allami2كنت قد كتبت في صيف 2012 الأسطر التالية في الفصل الثامن من مخطوطة كتابي "القيامة العراقية الآن.. كي لا تكون بلاد الرافدين بلا رافدين"، وكأنني كتبتها قبل ساعات (إنَّ من العاجل والضروري أنْ يبادر الحكم العراقي، رغم تحفظاتنا الكثيرة والشديدة على طبيعته السياسية، وتحالفه مع الاحتلال الأجنبي، إلى تدويل هذا الملف من خلال رفعه إلى هيئة الأمم المتحدة وإلى محكمة العدل الدولية وإلى المحكمة الجنائية الدولية، ومطالبة الهيئة الأممية بالإشراف المباشر والعملي عليه، من خلال إرسال بعثة رسمية دائمة منها إلى العراق لمتابعة التطورات الخطيرة على الأرض والتي تنبئ عن بلوغ حالة الكارثة الوطنية الشاملة). كان ذلك قبل أكثر من خمسة اعوام على الأزمة الخطيرة التي يشهدها العراق اليوم والتي بلغت درجة جفاف وانقطاع مجاري أنهار فرعية" رواضع" في الجنوب وبحيرات في الوسط كانت تتغذى من النهرين دجلة والفرات. للإضاءة على هذا الموضوع والإجابة على السؤال: هل يمكن للعراق مقاضاة تركيا في "العدل الدولية" لاستيلائها على مياه الرافدين؟ هذه فقرات أخرى من هذا الفصل من كتابي المشار إليه وقد حدثتُ وطورتُ واختصرتُ بعض المعطيات فيها بما أوجبه مرور الزمن:

*أما بخصوص محكمة العدل الدولية، فالمعلوم أنَّ تركيا سترفض الموافقة على المثول أمامها، لأنها رفضت التوقيع على الاتفاقية التي أشرفت عليها الأمم لمتحدة في التسعينات من القرن الماضي، والتي تدعى "اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية" والتي تعتمدها هذه المحكمة ضمن ما تعتمد من اتفاقيات وقوانين. كان مضمون هذه الملاحظة صحيحا سنة 2012 أي  قبل المصادقة النهائية على تلك الاتفاقية سنة 2014 ، أما الآن وقد أصبحت تلك الاتفاقية جزءا من القانون الدولي فهذه الاتفاقية القانونية  تطبق على تركيا وعلى غيرها وبغض النظر عن تحفظاتها أو عدم مصادقتها عليها. فليس من حق أية دولة الخروج على القانون الدولي كما يقول القانون الدولي نفسه، فليس هناك دولة فوق القانون الدولي سوى دولة الكيان الصهيوني "إسرائيل" والولايات المتحدة الأميركية بقوة البلطجة النووية، والواقع فإنَّ النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية يشترط لتحقيق ما يسمى "اختصاص الإلزام الأساسي" اعتماد أحد الأساليب الآتية التي نصت عليها المادتين 36-37 للتعبير عن إرادة الدولة باللجوء إلى المحكمة من أجل منازعاتها القانونية بأحد الأساليب الآتية:

أ‌- أسلوب الاتفاقات الخاصة.(special agreement ) بمقتضى هذا الأسلوب، يمكن لدولتين أو أكثر، أنْ تتفقا على إحالة نزاع قائم بينهما إلى محكمة العدل الدولية عن طريق توقيع اتفاقية تعقد فيما بينهما لهذا الغرض. وهذا الأسلوب سترفضه تركيا وإيران كما هو متوقع لأنهما تعرفان أنهما مدانتان حكما بموجب القانون الدولي.

ب‌- أسلوب التعهد المسبق pre-earlier commitment: وبموجب هذا الأسلوب تقبل أية دولة باختصاص محكمة العدل الدولية للنظر في المنازعات التي قد تنشب في المستقبل بينها وبين الدول الأخرى، وهذا الأسلوب خارج الصدد، لأن القضية التي نحن بصددها ليست مستقبلية بل واقعة فعلاً ولها امتدادها المتحقق في الماضي ولكن العراق يمكن أن يلجأ إلى هذا الأسلوب فيقيم دعوى ضد تركيا على ضوء ما سيحدث من تطورات كارثية مستقبلا وخصوصا بعد تشغيل سد أليسو العملاق على دجلة.

ت‌- أسلوب التصريح الاختياري: Voluntary declaration: يمكن للدول، الأطراف في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، أنْ تعطي تعهداً واسعاً في أي وقت تشاء بإعلانها قبول الاختصاص الإلزامي للمحكمة، تجاه أي دولة تقبل بنفس التعهد في المسائل المتعلقة بتفسير معاهدة. وهذا الأسلوب مستبعد أيضا، بسبب مواقف تركيا وإيران الرافضة المتوقعة لخيار محكمة العدل الدولية ولأنهما ليست من الدول المتحضرة التي تحترم شعوبها وتقيم وزنا للقانون الدولي وحسن الجوار ولا يمكن مقارنة قيادتي تركيا وإيران بقيادات دول أخرى وافقت على المثول أمام محكمة العدل الدولية كما في الأمثلة التي سنذكرها بعد قليل.

*رغم ذلك يبقى من واجب الحكومة العراقية تدويل هذا الملف والتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة وحتى إلى محكمة العدل الدولية من طرف واحد وبقوة تتناسب وطبيعة الخطر المحدق به وطنا وشعبا. والهدف من ذلك هو تعرية مواقف السلطات الحكومية في تركيا وإيران تماما، وكشف حقيقتهما المعادية للعراق وشعبه أمام شعبيهما وشعوب العالم أجمع إذا ما رفضتا هذا الخيار، وهذا بحد ذاته إنجاز ليس بالضئيل وخطوة على طريق إنقاذ العراق والعراقيين.

إن رفض تركيا أو إيران المتوقع للموافقة على التحكيم الدولي أو التقاضي مع العراق أمام محكمة العدل الدولي ليس نهاية المطاف، بل هناك أمل كبير آخر، فحتى إذا رفضت تركيا وإيران الموافقة على التقاضي مع العراق أمام محكمة العدل الدولية بموجب اختصاص المحكمة الإلزامي، فإنَّ الأمر لا يعتبر منتهيا، إذْ أن هناك ما يسمى الاختصاص الاستشاري لمحكمة العدل الدولي. وبموجبه تختص محكمة العدل الدولية - إضافة إلى اختصاصها القضائي - باختصاص استشاري عبر إصدار آراء استشارية حول المسائل القانونية التي تحيلها إليها الهيئات المفوضة بمثل هذه الإحالة بموجب المادة "96" من ميثاق الأمم المتحدة، ومن تلك الهيئات المفوضة الجمعية العامة و مجلس الأمن و الوكالات المتخصصة المرتبطة بها وصولا إلى عقد جلسة سرية للمحكمة حتى في حال رفض تركيا الحضور وتحويل الدعوى إلى الأمم المتحدة مع طلب عراقي للمجلس باتخاذ قرار دولي يسمى " قرار إزالة الضرر" على العراق. فما هي تفاصيل هذا الخيار وإيجابياته وماذا يجب على الدولة العراقية أن تفعل لتستخدمه أفضل استخدام؟ وما هي الدول التي لجأت الى التقاضي أمام محكمة العدل الدولية حول مشاكلها المائية في أنهارها وحلتها فعلا؟

*إذا رفضت تركيا التحكيم أو التقاضي أمام العراق في "العدل الدولية"، يمكن للعراق مقاضاتها بموجب اختصاص المحكمة الاستشاري وبجلسة سرية عبر الأمم المتحدة، فلماذا تمتنع الحكومة العراقية عن التدويل واعتماد هذا الطريق حتى الآن؟ بموجب هذا الخيار، خيار المقاضاة من خلال اختصاص محكمة العدل الدولية الاستشاري، في حال رفضت حكومتا تركيا أو إيران عملية التحكيم والمقاضاة، وبعد أنْ يرفع العراق دعوى ضد تركيا أو إيران، أو كليهما، تتذاكر المحكمة في جلسة سريّة، ثم تصدر رأيها في جلسة علنية بعد إخطار الأمين العام وممثلي الأمم المتحدة وسائر الدول والمؤسسات الدولية ذات العلاقة المباشرة بالمسألة المطروحة على بساط البحث. ولها أنْ تطلب من هذه المراجع المعلومات التي تلزمها في إبداء رأيها. والحقيقة، فلن يكون رأيها أو حكمها ملزماً إذا لم يرد نص صريح على ذلك، كما يشاهد فعلاً في بعض الاتفاقات الدولية التي تعقدها المراجع المخولة إبداء الرأي إلى المحكمة. هذا من الوجهة القانونية الصرفة، أما من الناحية الأدبية والمعنوية فإنَّ لهذا الرأي دائماً وأبداً وزنه الدولي الكبير الذي يفرض، على الطرف المدعى عليه والطرف الذي استفتى المحكمة، وعلى كل الدول المعنية بالأمر، ضرورة مراعاته.

إضافة إلى ذلك، يسمح النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، في حال رفضت الدول المدعى عليها الإذعان للحكم أو الرأي الاستشاري، تسمح للطرف المدعي وهو العراق بالتوجه إلى مجلس الأمن الدولي واستصدار قرار منه يزيل الضرر الذي ألحقه به الطرف الرافض لحكم أو رأي محكمة العدل الدولية، وسيكون العراق عندها مزودا بحكم أو رأي استشاري دولي ناجز، يُسَهِّل له مهمته كثيرا، ويضيق الخناق على الطرف المعتدي. ومن الأمثلة المهمة على حالات التدخل الناجح لمحكمة العدل الدولية في النزاعات المائية بين الدول:

*حكمت محكمة العدل الدولية في النزاع على نهر "موسيه" بين بلجيكا وهولندا، حين اعترضت الأخيرة على مشروع بلجيكا لحفر قناتها التي تأخذ من النهر المذكور. وردت بلجيكا بأن هولندا سبقتها في إنشاء مشروع مماثل. وأصدرت محكمة العدل الدولية حكمها سنة 1937، بعد أنْ تأكد لها أنَّ إنشاء القناتين الهولندية والبلجيكية لا تؤثر فعليا على النظام الطبيعي للنهر، وجاء في حيثيات الحكم (تتمتع كلُّ دولة بمطلق الحرية داخل حدودها الإقليمية باستخدام المجرى المائي، إذا لم يؤثر ذلك على إنقاص حصة الدول الأخرى).

*أما مثال قضية نهر الدانوب التي حكمت فيها المحكمة ذاتها بين هنغاريا وسلوفاكيا فهو قريب جدا من الحالة العراقية والعدوان التركي المستمر فيها. فقد حكمت محكمة العدل الدولية، بتاريخ 25/9/1997، في النزاع بين البلدين المذكورين لصالح هنغاريا، بعد أن ألحق مشروع سلوفاكيا المائي على نهر الدانوب الدولي الضرر بمصالح هنغاريا المائية. وقررت المحكمة أنَّ (سلوفاكيا قد فشلت في احترام متطلبات القانون الدولي عندما شرعت من جانب واحد بتنفيذ أعمال على مصدر طبيعي مشترك مما أدى في النتيجة إلى الإضرار بممارسة هنغاريا لحقها في الاستخدام المنصف والمعقول لمياه نهر الدانوب). هذا بخصوص خيار محكمة العدل الدولية بين دول وحكومات تحترم نفسها وشعوبها والقانون الدولي وأسلوب التقاضي المتحضر وهو أمر لا نعتقد أن حكومتي تركيا وإيران ستقدمان عليه بل ستستمران باستعمال منطق القوة والعنجهية والهيمنة! وماذا بخصوص المحكمة الجنائية الدولية وعن صلاحياتها وشروطها ونظامها الداخلي؟

*المحكمة الجنائية الدولية: تأسست المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002، كأول محكمة شكلت على أساس ميثاق روما العالمي، وبلغ عدد الدول الموقعة على قانون إنشاء المحكمة 105 دول حتى تشرين الثاني نوفمبر 2007، وقد وقعت 41 دولة أخرى على قانون روما. وقد تم وضع اتفاق بين المنظمتين - المحكمة والأمم المتحدة -يحكم طريقة تعاطيهما مع بعضهما من الناحية القانونية.

إنها محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، وهي تختلف عن محكمة العدل الدولية لأنها لا تشترط وجود موافقة مسبقة من قبل الطرف المدعى عليه، بل يكفي أنْ ترفع جهة في الدولة المدعية أو محكمة فيها الدعوى إلى المحكمة الجنائية الدولية. ومن الطبيعي أن تدخل جريمة تجفيف نهري دجلة والفرات، وحجز مياههما خلف السدود العملاقة واحتمال انهيار تلك السدود المقامة في منطقة ناشطة زلزاليا وحدوث فيضانات طوفانية مرعبة، ستحول سوريا والعراق ودول الخليج العربي الإيراني إلى مستنقع شاسع، وما سيترتب على الجفاف بفعل حبس المياه خلف السدود العملاقة أو قطع روافد الأنهار العراقية من أضرار فادحة وإبادة عامة وغير مسبوقة للبشر والحيوان والنبات يمكن أن تدخل ضمن باب جرائم الاعتداء التي يتحمل مسؤوليتها الأفراد الحاكمين وأصحاب القرار في الحكومتين التركية والإيرانية.

وبمراجعة النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، نتعرف على مفهوم ومصطلح جريمة الإبادة الجماعية، فهي تعني أياً من الأفعال الآتية، إذا ارتكبت بقصد إهلاك جماعة قومية أو ثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه، إهلاكا كلياً أو جزئياً ويهمنا منها الفعلين الثاني والثالث في الحالة العراقية: 

2.إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة البشرية.

3.إخضاع الجماعة البشرية عمداً لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً. 

ويمكن بكل تأكيد اعتبار جريمة تجفيف دجلة والفرات وتصحير العراق وتدمير الزراعة وإحداث مجاعة أو فيضانات طوفانية فيه بسبب انهيار محتمل للسدود التي شيدت في مناطق ناشطة زلزاليا ضمن مشمولات البند الثالث والقائل (إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية بقصد إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً). كما يمكن اعتبارها ضمن مشمولات البند العاشر من الأفعال التي يشملها مفهوم ومصطلح "الجرائم ضد الإنسانية" أيضا، ويقول النص الحرفي لهذا البند (10-الأفعال اللاإنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمداً في معاناة شديدة أو أي آذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية).

وفي شهر آب /أغسطس 2009، كانت قناة "BBC" التلفزيونية، قد بثت برنامجا حول مطلب العراق بمحاكمة دولية لمرتكبي جريمة تفجيرات الأربعاء الدامي في ذلك التاريخ، وشارك في البرنامج خبير قضائي مصري هو رئيس معهد القانون الدولي في جامعة السوربون، فاتنا للأسف تسجيل اسمه. ويُفْهَم من كلام الخبير المصري والذي كان عضوا في المحكمة الدولية الخاصة بأحداث يوغسلافيا السابقة، أن العراق ليس عضواً في المحكمة الجنائية الدولية، وقد تأكدنا من صحة هذه المعلومة من خلال الاطلاع على رسالة للويس مورينو أوكامبو، المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية، رد فيها سلباً على مجموعة من رسائل من ناشطين مدنيين دعته إلى التحقيق فيما يحدث في العراق، معللا رده السلبي بأنَّ (العراق ليس عضواً في منظومة دول ميثاق روما الخاص بتشكيل تلك المحكمة). وعموما فهذه ليست مشكلة كبيرة، ويمكن للحكومة العراقية الحالية أنْ تبادر فورا إلى التوقيع على الميثاق المذكور، إنْ لم تكن قد وقعت عليه بعد، وتطرحه على البرلمان لتشريعه وبشكل عاجل، إذْ أنَّ عملية التوقيع أو سحب التوقيع على الميثاق أمران مفتوحان، وكانت دولة السودان قد سحبت توقيعها على هذا الميثاق بعد أنْ وجهت المحكمة الاتهام إلى الرئيس السوداني عمر البشير في قضايا دارفور. إضافة إلى ذلك، فالعراق يمكنه رفع دعوى عن طريق دولة أخرى عضو آخر في ميثاق روما.

 وهناك معلومة مهمة أخرى، قالها الخبير المصري، وأرى من المفيد سوقها هنا لفائدة القارئ ومفادها: إنَّ الأمر المهم ليس موافقة الأمم المتحدة على إرسال لجنة تحقيق، بل تشكيل محكمة خاصة بهذه الجريمة.

في هذا الصدد، نسجل أنَّ العراق كان قد وقع فعلا على ميثاق روما وسحب التوقيع بعد أيام قليلة في عهد حكومة الاحتلال الأولى برئاسة إياد علاوي. وقد وردت هذه المعلومة في مقالة للباحث العراقي في الشؤون القانونية د. أكرم عبد الرزاق المشهداني، و ورد فيها على الخصوص ما يلي ( لم يكد يمض على صدور قرار حكومة السيد إياد علاوي بضعة أيام، حتى أعلنت تراجعها عن قرار الانضمام إلى اتفاقية روما بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، حيث كان مجلس الوزراء برئاسة د. علاوي أصدر قراراً جاء فيه "استنادا لأحكام القسم الثاني من ملحق قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، وبناء على موافقة مجلس الرئاسة، قرر مجلس الوزراء أنْ تنضم جمهورية العراق إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الموقع في روما في 17 يوليو من عام 1998". وسارعت فرنسا لإعلان ترحيبها بانضمام العراق للاتفاقية"..." ولكن بعد مضي أيام قليلة، ونتيجة ضغوط لم يعلن رسميا عن مصدرها، لكنها معلومة من قبل من يعرفون موقف الولايات المتحدة من اتفاقية إنشاء المحكمة المذكورة).

*من المرجح جدا أنَّ سحب التوقيع بالموافقة العراقية على ميثاق روما، لا يعدو أنْ يكون وراءه واحد من سببين، وقد يكون السببين كليهما: الأول، هو نتيجة للضغط الأمريكي والإسرائيلي على حكومة علاوي سيّما وأنَّ الدولتين أمريكا وإسرائيل كانتا قد سحبتا توقيعيهما وموافقتيهما على ذلك الميثاق، وليس من المنطقي أن تتمرد حكومة تابعة لأمريكا، شكلت من قبلها كحكومة أياد علاوي، على إرادتها السياسية. والسبب الثاني يتعلق بتورط علاوي وأركان حكومته آنذاك في أعمال القمع والبطش الدموي الذي بلغ درجة ارتكاب جرائم حرب خلال السنوات الأولى للاحتلال، ويبدو أنَّ مخاوف علاوي وأركان حكومته من ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لهم بتهمة ارتكاب جرائم حرب هي واحدة من الأسباب التي حدت به إلى سحب توقيع حكومته على ميثاق روما.

وأخيرا: فإن من واجب الحكومة العراقية ان تسارع اليوم قبل الغد إلى الانضمام بشكل رسمي إلى المحكمة الجنائية الدولية وتوقع عليها وإلا فستكون هذه الحكومة مسؤولة أمام الشعب والتاريخ عن حرمان العراق من هذا السلاح القانوني الدولي الرادع لأردوغان ولكل من يخطط او بدأ فعلا بإلحاق الضرر بالعراق عبر تجفيف أنهاره. ولكن لنكن واضحين فعملية الدفاع عن العراق بسلاح القانون الدولي ليست سهلة وتحتاج الى جهود داخلية وخارجية كثيرة على صعيد العناية بالنهرين وصيانة مجاريهما من التلويث الداخلي والخارجي، وتحديث أساليب ووسائل الري القديمة واستبدالها بالحديثة كالري بالتنقيط، وتحريم الهدر والتبذير المائي داخليا وغير ذلك من خطوات لا بد نها لكي نقنع العالم ونقنع هذه المحاكم والهيئات الدولية بشرعية دعوانا ومطالينا وحقوقنا المشروعة في مياه انهارها، ونجعل هذه الأطراف تحترم مجتمعنا وتحترم تعامله مع المياه والطبيعة.

 

علاء اللامي - كاتب عراقي

..................

*رابط يحيل إلى النص الكامل الفصل الثامن من كتاب "القيامة العراقية الآن -علاء اللامي" في أول تعليق.

http://www.albadeeliraq.com/node/993

 

في المثقف اليوم