آراء

الفتنة الطائفية ومحراك الشر في إطار صفقة القرن.. لعن الله موقظها!

bakir sabatinمن هو العدو الحقيقي لأمتنا ! وهل تغيرت قواعد الاشتباك في المنطقة! كيف نغض الطرف عن الخطايا لمجرد أن مقترفيها من الطائفة التي ينتمي إليها المراقب الناقد الحصيف سنية كانت أو شيعية! وهل وحدة العالم الإسلامي مهمة مستحيلة أم أن للشيطان المعربد في العقل العربي رؤية أخرى! وهل هذا يعني بأن خيارنا الوحيد يقوم على طي ملف القضية الفلسطينية والدخول مع إيران في حرب طائفية ضروس لا تبقي ولا تذر! كيف نفسر قلب الحقائق على صعيد الصراع العربي الإسرائيلي، وتغيير المحددات الحقيقة بأخرى وهمية تحت عنوان التفرغ للتنمية العربية، بينما تقودنا خرائط الطريق نحو مواجهة طائفية لا رابح فيها إلا الكيان الصهيوني المحتل لكل فلسطين التاريخية! مواجهات بدأت بالوكالة في كل من سوريا واليمن وليبيا! كيف نفرق بين العدو الحقيقي والصديق بغض النظر عن وحدة الطائفة أو القومية! ألا يكون هذا معقولاً فقط بالعودة إلى محددات القضية الفلسطينية الحقيقية وقياس المواقف الفكرية والسياسية والدينية عليها، واعتبار أن القضية الفلسطينية تندرج في قائمة الحقوق القانونية والسياسية والإنسانية للشعب الفلسطيني الذي طرد من أرضه المحتلة عام 1948، والتجذر في البعد الأممي للقضية الفلسطينية لأن جذورها العربية باتت عرضة للاجتثاث كونها مغروسة في رمال متحركة، ناهيك عن التمسك بالحقوق المشروعة التي ضمنتها منظمة الأمم المتحدة في قراراتها المتوالية، بعيداً عن شبح الصفقات المشبوهة التي تحيكها الخفافيش في الظلام، ليناط بها مهمة التصغير من الدور الفلسطيني والتعامل مع الملفات الفلسطينية كحدث عابر، وهذه كبوة لا يستسيغها المنطق حينما تستهين بأثرها المدمر تلك الجهات الراعية لمشروع صفقة القرن.. وفي جعبتي أيضاً أسئلة أخرى.

ففي سياق البداية تجدر الإشارة أولاً إلى أن سبب كتابتي لهذه المادة التحليلية والتركيز على عنوانها الطائفي، يجيء رداً على السموم التي يبثها الذباب الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة تويتر والتابع إلى الجيش الإلكتروني الصهيو عربي أو من أصابتهم عدوى الطائفية ليمارس دوره التحريضي من منطلق طغيان ظاهرة التعصب على عقله الباطن، وليفرغ طاقة الكره لديه من خلال اعتماد خطاب تحريضي يناط بكل طائفة ضد الأخرى، في عالم لا مستقبل فيه لمن يصنع الأعداء والمتربصين به مجاناً..

وفي الحقيقة كلما افتح صفحتي على تويتر، باحثاً عن عناوين تتعلق بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، أو ما يتعلق بصفقة القرن، والأزمات التي تعربد في الخاصرة العربية، أفاجأ بسطوة الذباب الإلكتروني الموجه على منصات مواقع التواصل الاجتماعي والمدعوم من قبل السعودية والإمارات، والذي يركز في خطابه المأجور على تخفيف الضغط الجماهيري عن الحليف الإسرائيلي بالتوجه في لغة التحريض نحو إيران واعتبارها العدو البديل للمحتل الإسرائيلي الذي غدا في سياق الأجندة العربية حليفاُ استراتيجياً مهما.

السعودية التي تدعي تمثيلها للسنة كانت قد أعطت الضوء الأخضر لترامب من أجل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وها هي صانعة النصرة وداعش وقاتلة الشعب اليمني تتاجر بالأقصى لأجل صفقة القرن التي ستصفى بموجبها القضية الفلسطينية وفق رؤية المفكر الصهيوني برناند لويس والتي اعتمدت خرائطه التقسيمية للوطن العربي في الكونغرس الأمريكي عام 1983، هذه الصفقة التي قال عنها نتنياهو مدعياً بأنها جاءت في إطار تحالف إسرائيلي مع الطائفة السنية (حاشا لله) وأنه سيحمي حلفاءه من الدول العربية ذات الهوية الدينية السنية من خلال التكاتف وراء هذه الصفقة والانبراء للعدو البديل وفق الرؤية الصهيونية المتمثل بإيران، تلك التي اعتبرها نتنياهو في أكثر من تصريح له العدو رقم واحد ل"إسرائيل" على اعتبار أن هذا البلد الذي أوشك على حيازة السلاح النووي وفق قناعات أصحاب القرار في تل أبيب، هو نفسه الداعم لكل من حزب الله المقاوم في جنوب لبنان وحماس في غزة. إنها إيران التي لا تعترف بالكيان الصهيوني خلافاً لحلفائه العرب الذين أساءوا للطائفة السنية لمجرد انتسابهم إليها والتي تربأ بنفسها عن أفعالهم المشينة ومواقفهم المتآمرة على الحقوق الفلسطينية.

أما الإمارات التي تعتبر نفسها (حاشا لله) حامية الإسلام السني المعتدل كما يصرح دائماً الشيخ وسيم يوسف، فهي قد دأبت على شراء الأراضي في القدس بحجة حمايتها ليكتشف المرابطون من أهل القدس إبان هبة الأقصى بأن هذه الأراضي بيعت لجمعيات يهودية وإنها جاءت كخطة تطبيعية بين الإمارات والكيان المحتل بتنسيق رتب له دحلان، لا بل أن البعثة الطبية إبان حرب غزة بما يسمى بالجرف الصامد، كانت تمارس دوراً استخبارياً لصالح الكيان الصهيوني، الإمارات ذاتها التي تحتضن العميل محمد دحلان الذي يرتب مع مصر السيسي لإنشاء وطن بديل لفلسطينيي قطاع غزة في سيناء في إطار صفقة القرن المشئومة، ناهيك عن ضرب الكيان الأردني من خلال تنفيذ خيار الوطن البديل من أجل تفريغ الضفة الغربية والمخيمات الفلسطينية المنتشرة في الأقطار العربية وترحيلهم إلى الأردن بالتنسيق كما صرح الصهيوني بيتر ولتر مع المعارضة الأردنية التي يرأسها العميل الصهيوني مضر زهران والمقيم في لندن، وفي ذات السياق فقد وصل الحد بدولة الإمارات العربية إلى اعتماد شركة إسرائيلية لتنظيم جهاز الاتصالات والمراقبة عبر شبكة متطورة من كامرات التصوير الرقمية وبرامج المراقبة لمواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الهواتف النقالة في الإمارات، وإدارة هذه المنظومة الرقابية من قبل الشركة الإسرائيلية نفسها لصالح بن زايد ولي عهد الإمارات، الذي يعتمد في حكمه على القوات المأجورة (بلاك ووتر).

وفي ذات السياق ينبغي علينا الانتباه إلى البحرين التي تعتبر نفسها من ثغور الطائفة السنية المتقدمة بالتحالف مع الكيان الصهيوني ضد إيران، مع العلم بأن السياسات التطبيعية مع الكيان الصهيوني من قبل بعض الزعماء العرب المرتبطين بصفقة القرن تحت عنوان المواجهة السنية الشيعية تسيء لوحدة العالم الإسلامي الذي يتعرض لفتنة طائفية، بات فيه ذلك الحلم الوحدوي الجميل رهين في يد تلك الأدوات المأجورة من الذباب الإلكتروني الموجه، ومن يقف وراءه أو يسانده سواء تمثل بالكيان الصهيوني أو عملائه من العربان، والمنوط به من خلال الخطاب التحريضي نفض الذاكرة الإسلامية من القيم التي تدعو للمحبة والكرامة والتمسك بالحقوق؛ من أجل بناء عقل مسلم لا يهادن أخاه ولا يسامح، ويكون مستعداً للتنازل عن حقوقه بسهولة وعقلة الباطني يكون مبرمجاً عصبياً على قاعدة أن عدوي هو من يختلف معي في العقيدة فإما أن يتبعني أو يحسم الموت أمره بيننا، وهي دعوة لمعركة أبدية لا فكاك من تبعاتها المرعبة، وبوسع المتعصب دينياً في هذه المعركة الاستجارة بالعدو الحقيقي مثل "إسرائيل" لضرب معاقل العدو العقائدي المفترض مثل إيران المسلمة.

وللتذكير وكما نشر قبل أعوام، تجدر الإشارة إلى ما اقترحه ملك البحرين(!!!) بضرورة قبول الكيان الصهيوني كعضو مراقب في جامعة الدول العربية، والأنكى هو ما قام به وفد بحريني أميري إبان اشتعال انتفاضة الأقصى الأخيرة التي جاءت احتجاجاً على تركيب البوابات الإلكترونية عند مداخل المسجد الأسير، حيث أخذ يتجول هذا الوفد المستفز في شوارع القدس العتيقة، تأييداً للكيان الصهيوني الذي استضافه بصدر مفتوح، هذا الكيان المحظوظ بعملائه العرب والذي يعتبره ملك البحرين الضامن الوحيد للأمن القومي العربي، وكأنه يتناسى بأن هذا الكيان الهش لا يستطيع حماية نفسه من المقاومة الشيعية المتمثلة بحزب الله في جنوب لبنان، والمقاومة السنية وشركائها من كافة الفصائل في غزة التي تتمتع بحماية كتائب عز الدين القسام، وتتلقى الدعم من إيران وحزب الله كما صرح أحد قادة حماس محمود الزهار في أكثر من مناسبة، بينما تحاصر مصر قطاع غزة بالتنسيق مع الصهاينة والسعودية والإمارات والبحرين، رغم ما أبداه السيسي مؤخراً من مرونة تجاه حماس ربما في إطار صفقة أبرمت تحت الطاولة لضرب الوجود الداعشي في سيناء. ولعل أبلغ رسالة قد توقظ أمراء وملوك الخليج من غيبوبة التماهي مع المشروع الصهيوني (صفقة القرن) الذي يرعاه الرئيس الأمريكي دوناند ترامب، هي إسقاط طائرة أف 16 بواسطة صاروخ سام أطلقته الدفاعات الجوية للجيش العربي السوري‘ وباعتراف إسرائيلي، فقد أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفخاي أذرعي عبر قناة الجزيرة، بأن حادثة إسقاط الطائرة الإسرائيلية، واختراق طائرة إيرانية بدون طيار الأجواء الإسرائيلية والتي أسقطت على الأراضي المحتلة، طبعاً بالإضافة إلى تلويح حزب الله المقاوم جهاراً نهاراً بأن الحرب القادمة تتضمن استراتيجية لاحتلال الجولان وشمال فلسطين والسماح لعشرات الألوف من رجال المقاومة بكل طوائفهم لنقل المعركة إلى داخل فلسطين المحتلة، والتجربة السورية خير دليل على نجاح هذه الاستراتيجية المخيفة، كل ذلك قد غير من قواعد الاشتباك بين المقاومة مدعومة من إيران والكيان الصهيوني مع حلفائه في صفقة القرن وإلى الأبد، ما حذا بنتنياهو ليستجير بروسيا كي تلجم بموجب صلاحياتها الميدانية في سوريا، طموحات حزب الله التي أربكت حسابات قادة الكيان الإسرائيلي وحطمت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وكذبت ما يروج له نتنياهو بأنه حليف للدول العربية السنية ضد الخطر الشيعي الفارسي وهذا بحد ذاته هراء.. ويمثل دعاية رخيصة ستفرغ محتوى القضية الفلسطينية وسوف تسمح بتمدد الكيان الإسرائيلي خلال صفقة القرن في ارجاء الوطن العربي، متجاوزاً بذلك حدود أحلام هرتزل بإسرائيل الكبرى..

عدونا الأول والأخير هو الكيان الصهيوني المتمدد خلسة من تحتنا حتى تميد الأرض العربية بنا، فتشتعل نيران الطائفية التي يذكي نارها الإعلام المأجور والذباب الإلكتروني باسم كل طائفة ضد أخرى، حتى أن بعضهم يحاول وضع مقاربات ساذجة بين إيران والكيان الإسرائيلي بغية تحييد الأخير ورصف أرضية القبول به من باب التفرغ لعدو الأمة الشرقي! وهذه قمة العمالة في زمن الرياء الذي يتصدر مشهده الخصيان. عجبي.

 

بقلم بكر السباتين

 

في المثقف اليوم