آراء

الإسلام السياسي والوعي الديمقراطي

ali almirhigلا يخفى علينا تأثير الإسلاميين على الساحة السياسية والاجتماعية الدولية والعربية، لاسيما بعد أحداث 11سبتمبر، وتغيير نمط السياسة الأمريكية والعالمية في التعامل مع هذا المنعطف الخطير في المواجهة بين الإسلام الراديكالي والديموقراطية الغربية التي نالت جراء سياستها الغبية في التعامل مع المُتطرفين من الدُعاة الإسلاميين الذين لم يتحملوا قسوة أنظمة بلادهم الإستبدادية، فضلاً عن نزوعهم الرافض لتيار المدنية الجارف، فصارت كثير من دول الغرب مكاناً خصباً لنمو هذا النوع من الوعي الإقصائي، إما لغباء سياسي وأمني كامن لمُتراكم تاريخي "كولنيالي" يرغب رُعاته بتواجد هؤلاء لتهديد أنظمة الإستبداد والتلويح لهم بعصا السلفيين الراديكاليين، إن لم يستجيبوا لمُتطلباتهم، أو لأنها لم تُقدر الخطر الضامر من وراء إحتوائها لهم، وهو ما حصل في أغلب البُلدان الأنكلو سكسونية والفرانكفونية التي جنت آثار فعلتها الغبية.

إن ما حدث في الدول العربية بما سُميَ بالربيع العربي الذي يتحفظ الكثيرون في إطلاق هذه التسمية عليه وعلى التحولات الجارية في منطقتنا العربية، إنما يشي بغباء الوعي الأنكلوسكسوني الذي لم يُدرك حجم المخاطر المُحيطة به حتى بعد أحداث 11 سبتمر.

وهذا الأمر ينطبق على الأنظمة العربية التي تعاملت مع حادثة حرق بو عزيزي لنفسه جراء سوء النظام والتونسي وحماقته، فكان الشرارة التي خطت بداية مرحلة ونهاية أنظمة، فسقط نظام "بن علي"، فلم تستوعب الأنظمة العربية المُستبدة الدرس فتعاملت معه على أنه حادث فردي يخص نظام تونس ولن يسري تأثيره على باقي أنظمتهم الدكتاتورية.

إن تبني مثل هكذا موقف، إنما ينم عن غياب الوعي الأمني والمخابرتي لهذه الدول التي نظرت إلى قضية التغيير الحاصل على أنه يختص بدولة عربية واحدة دون غيرها وتجاهلها للوعي الجمعي العربي الرافض لهذه الأنظمة المُستعد لتلقف شُعلة الأولمب لبدأ لُعبة التغيير. 

لم تكن الأجهزة الأمنية لدولنا العربية مُوفقة في قراءة الأحداث والمُتغيرات المُتسارعة في المنطقة، بل وحتى الأجهزة الأمنية والمخابراتية في الدول المُتقدمة وأولها أمريكا، لم تُدرك حجم المأساة والتمرد الذي أشعلت شرارته نيران بو عزيزي. 

بقيت الأنظمة العربية تسير وفق تعليمات أجهزتها الأمنية الغبية، حتى صار مما لا يُحمد عُقباه بالنسبة لهم.

هناك أجهزة أمنية مُرتبطة بالمنظومة الخليجية حاولت إظهار التغيير على أنه يخص بعض الحكام المناوئين لهم، مثل نظام القذافي ونظام الأسد، ممن سُميَوا بدول المُمانعة، بناءً على موقف آيديولوجي محكوم بالتوجه الطائفي أو السياسي الذي تبناه حُكام هذه الدول إزاء دول الخليج العربي وأنظمتها القبلية، إلًا أن جهلها بما يُخفيه مستقبل هذه التحولات وإنعكاساته على المنطقة، كان أشد وأسرع، فلم يكن من المتوقع سريان التغيير لجسد "أم الدنيا" مصر، فكان مما كان مما نحن نعرفه بهيمنة الأخوان على مصر، وتمكن الأخوان من خطف الثورة وجعل الراغبين من التحرر من الإستبداد في مهب النسيان. 

مع كل هذا فهناك أمر ينبغي علينا أن نُقَر ونعترف به، وهو أن الساحة السياسية اليوم وبالإستفادة من التجربة الديمقراطية، وبغباء دول التصارع بعد الحرب الباردة وسقوط جدار برلين، ونتيجة للغطرسة الأمريكية في تبنيها الحرب ضد نظام صدام حسين تساوقاً مع إيمانها بسياسة "القطب الواحد" وبالضد من قرارات مجلس الأمم المُتحدة، ولأنها قدمت للمنطقة من دون تخطيط مدروس يحمي مصالحها حتى، بوصفها "شُرطي العالم" كما يُقال الذي يرعى التوجهات المدنية، ولكننا لم نجني منها سوى الدمار وسُعر الإرهاب، فأثبتت أن فيها من الغباء الشيء الكثير، وإن نظر المنظرون بأن أمريكا لا يخفى عليها شيء وكأنها إله الأرض القادر على إدراك علوم الغيب مثل إله السماء، ولكن غباؤها بيَن منذ أحداث 11 سبتمبر.

يبدو أن مصالح أمريكا اليوم تتسع وحظورها كما نلحظ أكثر فاعلية، لا سيما في إيهمنا بحاربتها للإسلام الراديكالي، وفي الوقت نفسه نجده أكثر توغلاً مما كان في الأمس، وبالفعل فقد صار للاسلاميين المتطرفين (سنة وشيعة) في عراق ما بعد صدام تأثيرهم الفاعل بعد أن أفرزت صناديق الإقتراع نجاحهم في العراق. وبعدها تمكنوا بمساعدة دول العصبية البدوية من إسقاط كل الأنظمة ذات التوجه العلماني رغم نزوعها الإستبدادي بتونس ومصر وليبيا وصولاً سوريا لتمكين الجماعات الاسلامية ودعمه بالسلاح والمال والعمل على تغييب تأثير المُعارضة المدنية وفاعليتها السياسية (!!)، ولكنها لم تدعم أي مُعارضة لهذه الأنظمة البدوية الإستبدادية القامعة للحُريات في الخليج العربي (!!). 

ولربما يقول قائل أن هذه التحولات الجارية في المنطقة ومنها العراق لصالح الإسلاميين إنما جاءت بدعم من دول خارجية، وهو أمر لا يُنكر ولكن هذا لا يمنعنا من القول أن التعاطف مع الإسلاميين على المستوى السياسي يغزو الشارع العربي، وهذا متأت برأينا من عدة أسباب أهمها:

1ـ النزعة الإستبدادية والقمعية التي كانت تتبعها الأنظمة الحاكمة ذات الطابع العلماني في التعامل مع المعارضين لا سيما الإسلاميين، وخير مثال تعامل النظام المصري مع الإخوان المسلمين وإعدام سيد قطب من قبل نظام عبد الناصر، وتعامل نظام البعث مع الإسلاميين لاسيما حزب الدعوة وإعدام مؤسسه السيد محمد باقر الصدر.

إن الدولة الاستبدادية، سواء الدينية منها أم غير الدينية، "تُحَول ما هو  تاريخي الى مقدس يقع خارج الزمان والمكان، ويصبح القائمون عليها حُراساً للحقيقة، وتتشكل حولهم شريحة من المُفسرين الذين يملكون وحدهم دون غيرهم حق التفسير والتأويل، إنها مؤسسة ذات نزعة متعالية تجعل من النص الآيديولوجي نصا مقدساً. إن الآيديولوجيات التوتاليتارية، وبتقديمها لمجموعة من التصورات غير الخاضعة إلى مقولات العقل النقدي، إنما تهدف إلى تقديم منظورها كما لو كان منظوراً خلاصياً، كما الديانات السماوية. وإن ثمن الطاعة التي يُقدمها الفرد لهذه الآيديولوجيا أو لهذه الدوغما، من خلال تخليه عن إستعمال حقه في الاختلاف، وتغييب قدرته على أن يختار طريقه لنفسه بنفسه.

ويمكن القول إن العلمانية في الأنظمة الاستبدادية الشمولية تتحول إلى دين وضعي يحل محل الدين السماوي" يُنظر، سليمان.خ.المخادمة: العلمانية والديمقراطية، المجلة الفلسفسة العربية، م6، ع12، ص55)

2ـ عسكرة المجتمع من قبل هذه الأنظمة ودخوله في صراعات دائمة مع عدو حقيقي أو عدو مختلق، حتى يديم الثورة ويقضي على أعداء الخارج وأذنابهم من المتآمرين بعبارة المستبد والمتمجدين الذين يزينون للطاغية أفعاله.

3ـ إبتعاد كثير من المثقفين (المتفرنجين) بعبارة الوردي عن هموم المجتمع وصناعتهم لخطاب نخبوي ولغة إصطلاحية خاصة لا يفقهها إلَا جماعتهم، وأصبحوا كمن يعيش في برج عاجي يحلم بالتغيير على طريقة الفارابي أو القديس أوغسطين. تصورهم هذا جعلهم يعيشون غربة في أوطانهم ومُجتمعاتهم لأنهم يُغردون خارج السرب، وربما تكون تصوراتهم المثالية ولغتهم الخاصة والتجريدية ذات الطابع البرهاني الإستدلالي التأملي نابعة من عدم قدرتهم على التصريح وإعتمادهم على التلميح حفاظاً على حياتهم من بطش الأنظمة الاستبدادية، وهذا لا ينفي وجود مثقفين يؤمنون بأهمية الإنسياق مع النموذج الغربي ممن كان له الأثر البيَن في مواجهة الإستبداد والطغيان ودفاعه عن الديمقراطية ومنجزاتها وأهميتها في تحقيق التقدم للشعوب العربية مثل فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي.

4ـ بساطة اللغة التي يستخدمها الإسلاموين في مُخاطبة الجماهير وإعتمادهم اللغة الخطابية والوعظية والوجدانية التي تُثير المشاعر قبل القلوب، وتربط الحاضر بالتاريخ بلغة شاعرية تُلهب الحماس وتجعلها تعيش الحدث التاريخي وتظهرها وكأنها قادرة على إستعادة النموذج التاريخي الديني المُخلَص والسير في طريق هذا الأنموذج في مواجهة الإستبداد.

5ـ ضغط الإستبداد وجبروته ولد نزعة في المجتمع العربي المسلم تؤمن بأن الخلاص من الطغيان لا يأتي فقط من المواجهة الثورية وإنما بالتوجه للغيب وللذات الإلهية كي تُنزل غضبها على من لم يقضي عليه غضب الجماهير، الأمر الذي يدفع باتجاه النزوع للدين بوصفه واحداً من الحلول التي يلجأ لها الضعفاء حينما لا يستطيعون الخلاص من بطش الأقوياء.

ما نريد قوله أن الفكر الديني والإسلامي تحديداً يحضر وبقوة في الحياة السياسية والاجتماعية في البلدان العربية والإسلامية في مُقابل غياب الفكر الفلسفي والديموقراطي، لأن الأول يُخاطب العاطفة والوجدان، أما الثاني فيُخاطب العقل ويأمل بجعل الوعي متماهي مع أهل البُرهان. ولكن خطاب العاطفة والوجدان أكثر وقعاً في أُذن العربي من خطاب البرهان الذي يبغي دفع العربي بإتجاه التماهي مع فحوى الخطاب والكشف عن قيمته الإستدلالية والبرهانية.

هناك إتجاهان في النظر لعلاقة الاسلام بالديمقراطية، الأول يرى أن الديمقراطية مُنتج غربي يتضاد مع ما تصبو اليه الحركات الإسلامية التي تدعي أن هناك علاقة وثيقة بين الإسلام والديمقراطية، وتناست وأقصت الفكرة القائلة أن الحركات الإسلامية بطبيعة تكوينها تتسم بسمة إحتكار الحقيقة المطلقة، وتسعى الى إقصاء غيرها من التنظيمات الأخرى وإذا كان بعضها قد أظهر تعاطفاً مع الديمقراطية والخروج بمظهر المُتبني لها، فهو إما مُسَلم بالأمر الواقع وهو أن الديمقراطية اليوم قد صارت سمة العصر، وإما أنه لا يستطيع أن يُقصي مُعارضيه، لأنه في حال إستخدامه للعُنف في إقصائهم ستكون حرب إبادة لا نهاية لها إلاَ بإيمان الأطراف المُتصارعة بتوازن العنف، وأن الطرف المُباين يمتلك أدوات العُنف المضاد بمقدار ما يمتلك هو، لذلك عليه القبول بالأمر الواقع وهو أن هناك آخر يمتلك قراره ويشعر بجدوى وجوده وكيانه عليه التعامل معه للعيش بسلام، أو أن بعضهم يستخدم لغة التسامح والديمقراطية كي يبدو أكثر إعتدالاً من الآخرين، لجعل التسامح مطية للوصول لمآربه والتمكن من الوصول للسلطة عن طريق الإنتخاب، لا لقناعة منه بالديموقراطية بوصفها منهج للحياة، بل بوصفها آلية للوصول للحكم.

 لكل إتجاه من هذه الإتجاهات الثلاث خطابها المُستمد من النص المقدس الذي تدعي أنها الممثل الحقيقي لتطبيقه على الأرض، وكل منها يُظهر شيء ويُضمر آخر، الذي تظهره أنها تريد تطبيق الديمقراطية وحق العيش للجميع والذي تضمره أن هذا الخطاب النسبي المتغير الذي يؤمن به دعاة الديمقراطية يتعارض مع المطلق الديني الذي تدعي تبنيه، لأن الخطاب الديمقراطي يؤمن إيماناً صريحاً بأحقية الآخر في التعبير عن أفكاره حتى وإن كانت تتعارض مع الدين ومسلماته.

أما الإتجاه الآخر فيذهب الى القول بإمكانية تقليص الفجوة بين الإسلام ومفهوم الديمقراطية بوصفها آلية للعمل وليست طريقة في الحياة، عبر محاولة الموائمة بين مُنجز الحضارة الاسلامية في التعامل مع الآخر أو عبر إستحضار النصوص المقدسة (القرآن والحديث النبوي) والتي جاءت على لسان صانعي الحضارة الاسلامية من من خلفاء ومفكرين وفقهاء.

يروم أصحاب هذا الإتجاه تقليص الفجوة بين الإسلام والديمقراطية، من خلال تفسير النصوص الإسلامية التاريخية (المُقدسة) بما ينسجم ومقولات الفكر الديمقراطي، لتكييف الديمقراطية وتبيئتها وفق المنظور الإسلامي بوصفها آلية للعمل السياسي ولإدارة الدولة لا كآيديولوجية وفلسفة تحكم نظام الحياة، لأن جُل مُتبنيات الديموقراطية لا تتعارض وآلية الحكم في الإسلام كما يرى كثير من المؤدلجين المتأسلمين وحتى العلمانويين الذين نظَروا للقول بعدم تعارض الديموقراطية مع الإسلام، لأنهم يعثقدون بأن الإسلام يُدافع عن: حرية التعبير عن الرأي، التعددية الحزبية، الحياة البرلمانية، الإنتخابات الحرة، الحرية الفكرية والسياسية وأعتقد أن هذه المقوم محتوى في المقوم الأول، التداول السلمي للسلطة، الأخذ براي الأكثرية وأخيراً رعاية حقوق الأقلية (!!).

أقول أن الإسلام يُقر هذه المبادىء أمر فيه نظر، على مستوى الشواهد التاريخية يُمكن أن نجد نُتفاً من هنا وهناك نُحاول أن نستند عليها لتبني هذا الرأي، وأعتقد أنها لا تُسمن ولا تشبع، وعلى مستوى النص المُقدس، فكما قال الأمام علي(ع) القرآن حمال أوجه أو أنه كلام مسطور بين دفتي كتاب يُفسره الرجال. ففي الوقت الذي نجد فيه ما يؤيد قبولنا بالرأي الآخر نجد هناك آيات تتعارض مع  هذا الرأي.

لكن هناك وجهة نظر أخرى، تعطينا حلاً لما يبدو متناقضاً، وهي أننا نستطيع أن تضع البحث عن علاقة الإسلام بالديمقراطية بصيغة سؤال وهو: هل تضر مقولات الديمقراطية الإسلام كدين وليس كآيديولوجيا، وهنا تكون مهمتنا أيسر ولا تعتمد البحث عن جذور للديمقراطية في الإسلام بقدر ما تجعلنا نبحث عن مساحة للإسلام داخل العالم الديمقراطي أو عما تُعطيه الديمقراطية من مساحة للمسلم وغيره للتعبير عن أفكاره ورؤاه.

وهذا لا يقتضي منا القول بالتناقض بين الإسلام والديموقراطية، بل وحتى بين الإسلام والعلمانية، لأن في هذا رأي وآراء، وهو أمر لم يُحسم القول فيه ولم يتفق عليه كثير من المفكرين الإسلاميين أنفسهم، فهذا حسن حنفي يقول: "أن الإسلام دين علماني في جوهره، ومن ثم لا حاجة له لعلمانية زائدة عليه، مستمدة من الحضارة الغربية، إنما تخلفنا عن الآخر، هو الذي حول الإسلام الى كهنوت وسلطة دينية، ومراسم وشعائر وطقوس وعقوبات وحدود، حتى زهق الناس، وإتجهوا نحو العلمانية الغربية، بما تمثله من عقلانية وليبرالية، وحرية ، وديمقراطية، وتقدم، فالعيب فينا، وليس في غيرنا، وفي تقليدنا للغير وليس في ابداعنا الذاتي" وذهب الى ذلك من قبل علي عبد الرازق وفيما بعد محمد آركون ونصر حامد أبو زيد وآخرين غيرهم. يقول عبدالرزاق: "لا يوجد نظام علماني يرضى عن طيب خاطر بوجود تيار إسلامي يشاركه في العمل السياسي، لكن الإرادة الشعبية والدستور وصورته في الغرب إضطره بقبول قواعد اللعبة السياسية" والتساؤل هو لو قلبنا الصورة وكانت العملية السياسية بيد الإسلاميين، هل يستطيعون فعلاً وفق السائد في توجهاتهم الدوغمائية من يتقبلوا الفكر المُغاير أو المُعارضة الفكرية والسياسية؟ وهل يستطيعون فعلاً تقبل وجود العلمانيين بتنوعاتهم وإعطائهم مساحة للتعبير عن آرائهم؟، وهل تسمح المنظومة الفكرية الإسلامية باعطاء حق لدين مُغاير أو مذهب مُباين، وإن أًصَل البعض للديموقراطية فقهياً للقبول بها لا من باب وجوبها في الشرع، ولكن من باب التسليم بها كأمر واقع ينبغي على المسلمين التعامل معه على قاعدة الضرورات تُبيح المحذورات وقاعدة لا يُترك المحذور بالميسور (صلاح عبدالرزاق: الإسلاميون والديموقراطية، ص14ـ 15) وكأن الديمقراطية من المحذورات التي تُبيحها الضرورات والميسور الذي لا يترك بالمعسور، وحين يتعذر تطبيق الأحكام الأولية التي هي الأصل في الشريعة الإسلامية، نضطر للإحتكام للأحكام الثانوية، وما الدخول في التجربة العلمانية الديمقراطية لقناعة فيها ولكن لتشكيل مجموعات للدفاع عن حقوق المسلمين ودعم القضايا الإسلامية (المصدر نفسه، ص15) ويصل بعد ذلك إلى أن الديمقراطية تصل بنا إلى أن مفهوم تكون فيه الحاكمية للشعب، بدل أن تكون لله سبحانه وتعالى، كما تنص الشريعة الإسلامية، فيجاب على ذلك أن تكليف الإسلاميين يكون في دعوة الأمة وتوعيتها لتختار (الإسلام) برنامجاً سياسياً، وبذلك لا يضطر الإسلاميون لتبني الديمقراطية فيما بعد نظاماً للحكم.

وهذا يعني أن جماعة الإسلام السياسي تجد أن عدم إختيار الإسلاميين للحكم هو إما لفشل أساليبهم، أو لعدم إستجابة الأمة أو الغالبية لدعوة الحق جهلاً أو مكابرة، فيكون الإسلاميون قد أدوا تكليفهم الشرعي، بينما تتحمل غالبية المنتخبين من الأمة وزر الخيار اللاإسلامي وكأن المفروغ منه أن عدم إختيار اللاإسلاميين لرؤيا الإسلام الراديكالي أو السياسي تُعَد خطيئة، فيُشبه الإسلاميين بالأنبياء الذين لم يحملهم الله وزر الأمم التي لم تستجب لداعية الحق، دون أن يعني هذا وصم الناخبين من جماهير الأمة بالمروق عن الدين بالضرورة، ولكنه قد يمثل لونا من المعصية، والتي لا ينبغي أن ينهى عنها بالإكراه بل بالحكمة والموعظة الحسنة. (المصدر نفسه، ص18)، وكل الإسلاميين المُعتدلين مُتفضلين في تحملهم قبول المُختلفين الذين هم في غيهم وطغيانهم يعمهون (!!).         

 

    د. علي المرهج – استاذ فلسفة

 

 

في المثقف اليوم