آراء

مَن هم الأحرص على مرجعية السيد السيستاني؟

salim alhasani2مئات الكتب والأبحاث والرسائل الجامعية في اللغات العربية والفارسية والانجليزية حين تأتي على تاريخ العراق الحديث، وعلى المرجعية الشيعية ودورها السياسي، تطعن بالسيد محمد كاظم اليزدي، بأنه كان موالياً للاحتلال البريطاني، وأنه وقف بالضد من حركات النهضة والتحرر. وقد صارت هذه الكتابات هي مصادر التاريخ المعتمدة على مدى عشرات السنين.

ولأني كنتُ مهتماً بدرجة كبيرة في دراسة التاريخ الشيعي والتركيز على فتراته الحديثة والمعاصرة، فقد قررت ان أبحث في مواقف السيد اليزدي وفترته.

صرفت على ذلك وقتاً طويلاً وجهداً مضنياً، ولقاءات وأسفار وترجمات وساعات طويلة في مكتبات قديمة، حتى كانت النتيجة أن اكتشفت ان مرجع الشيعة السيد كاظم اليزدي صاحب كتاب (العروة الوثقى) في الفقه، كان ضحية تشويه مقصود التقت عليه عدة جهات، منها الماسونية النشطة في بدايات القرن العشرين في إيران، الى جانب الاحتلال البريطاني والاتجاه العلماني والكتّاب الطائفيين الذين أرادوا الإساءة الى المرجعية الشيعية بعد مواقفها الوطنية والتحررية في مواجهة الاستعمار وسعيها لبناء الدولة الدستورية الحديثة.

وكان لأحد أحفاء السيد اليزدي، وهو المرحوم المحقق الكبير (عبد العزيز الطباطبائي) صاحب فضل مهم عليّ حين زودني بالوثائق الخطية والمراسلات الخاصة والعامة للسيد اليزدي، وهي وثائق لم تنشر من قبل. وكانت النتيجة صدور كتابي (دور علماء الشيعة في مواجهة الاستعمار) وهو من أكثر الكتب التي أعتز بها من بين مؤلفاتي الأخرى.

ثم أتبعت ذلك مباشرة بكتاب آخر هو (المعالم الجديدة للمرجعية الدينية).

وكنت منذ بدايات عملي المهني في الصحافة والبحث والكتابة، أعطي الأولوية للشأن الشيعي، والكتابة عن المرجعية الدينية ورجالها ودورها، فهي القيادة العليا للأمة وهي القوة التي حفظت التشيع والشيعة.

وعندما ظهر ـ بعد سقوط النظام ـ اشخاص يدّعون المرجعية، كتبت عن هذه الظاهرة المنحرفة، وأطلقت عليها تسمية (المرجعيات المصطنعة).. كتبت عنها الكثير من المقالات، وذكرت الأسماء صراحة متحملاً ردود أفعال أتباعهم.

في المقابل كتبت الكثير من المقالات عن مرجعية السيد السيستاني، ودورها في العراق الجديد، وضرورة الالتفاف حولها وتحت رايتها فهي القيادة العليا للشيعة وللشعب العراقي.

وحين توضحت معالم المشروع التخريبي للمنطقة والتركيز على تخريب العراق، وضعت أميركا والسعودية ومعهما إسرائيل، هدف إضعاف المرجعية في مقدمة الأهداف، وذلك عن طريق المرجعيات المصطنعة، أو عن طريق خداع واستدراج بعض القريبين من المرجعية، إضافة الى فتح الأبواب الخليجية أمام بعض المؤثرين في الوسط الشيعي والمحسوبين على مراجع الدين.

وبعبارة موجزة، أن الفشل الذي وقع فيه اسلاميو السلطة، يُراد له أن يتسع ليصل الى أجواء المرجعية، وبذلك يضمن أعداء العراق وأعداء الشيعة إنهاء أهم قوة في كيانه السياسي والاجتماعي، فيسهل بعد ذلك التحكم به في التقسيم والتمزيق والتفتيت والفوضى حسب ما تستدعيه مصالحهم.

وهذا ما دعاني في الأشهر الماضية الى الكتابة عن أشخاص ينتسبون الى المرجعية بالعنوان، ويخالفونها في المضمون، فقد وجدتُ أن الخطر صار يقترب من سمعة المرجعية، وهذا يعني أن قلعة التشيع الأكبر والأهم والأقوى صارت مهددة، وأن الأمر لو بقي على هذا الحال، فانه بعد فترة من الزمن ستكون نظرة المجتمع الى المرجعية تتطابق مع نظرته السلبية للسياسيين.

أردت أن أبيّن الزيف الديني وأعزله عن الأصالة الاسلامية للشيعة وللمرجعية باعتبارها القيادة الممتدة لمدرسة أهل البيت عليهم السلام.

قد يستند المسؤولون في مكتب السيد السيستاني دام عزه، الى رؤيتهم واعتباراتهم في السكوت على المسيئين للمرجعية العليا. لكن هذا لن يكون مبرراً للذين يمتلكون القناعة بضرورة الحفاظ على قيادة ومكانة المرجعية، وحمايتها من المتسترين باسمها وهم أشد ضرراً عليها من الأعداء.

إن المرجعية العليا ليست ملكاً لأشخاص معدودين، وليست شؤونها خاضعة لمكتب ورجال، إنما هي قيادة الشيعة كلهم، وأن كل شيعي مخلص يشعر بأنه المسؤول عن حماية المرجعية ودفع الضرر عنها، وكشف الذين يستغلون أسمها، مهما كانت صفتهم ومكانتهم وقدراتهم التي حصلوا عليها، فالمقياس هو من الذي يريد أن يدفع الضرر عن المرجعية، وليس من يقف قريباً من منزل المرجع أو يحمل ورقة ترشيح منه مثل علاء الموسوي وغيره. بينما يتسببون في تشويه سمعة المرجعية ويعملون على اضعافها من أجل مكاسبهم الشخصية.

هذا الشيعي الفقير الذي لا يملك قوت يومه، وينتظر رأي السيد السيستاني ليضحي من أجله، هو الذي يحمي المرجعية، وليس ذاك المعمم الذي يتاجر باسمها، ويختزن الامتيازات والاموال في حساباته السرية.

هذا موقفي في الدفاع عن المرجعية، وهذا موقفي من الذين يسرقون العناوين باسم المرجعية، وسأبقى ان شاء الله على ذلك.

 

سليم الحسني

 

 

في المثقف اليوم