تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

تحرير العراق اهم من الانتخابات

ما كل هذا الكلام حول الانتخابات العراقية ؟ فليست هذه الاولى، بعد الاحتلال، لكي نحتفل بوصول الديمقراطية الى ربوع الرافدين. كلا ! لأن الاولى حدثت بالحاح السيستاني و بالرغم من معارضة بريمر. لقد جرت تلك باعتبار كل العراق منطقة انتخابية واحدة وكان قصد السيستاني ان يثبت بأن الشيعة يشكلون اكثرية الشعب. وبعد مقاطعة السنة حقق هدفه الطائفي. وكنتيجة سيطر اعوان الاستعمار الامريكي المحتل على ما يسمى ببرلمان منطقة الخضراء حتى يومنا هذا. وبعدها جرت انتخابات عديدة دون ان تغير شيئا ً ولم يصدر من السيستاني فتوى واحدة تشير الى عدم شرعيتها. فلماذا يبشر قصيرو النظر بأن حدثا ً هاما سيحدث في آيار/ مايو القادم ويتخلص الشعب من آلامه؟

قبل كل شئ من الضروري الادراك بأن العراق بلد محتل من قبل الجيش الامريكي فلا يمكن الاعتراف بشرعية الانتخابات تحت الاحتلال. لقد صرح وزير الدفاع الامريكي، جيم ماتيس، قائد مجازر الفلوجة سنة 2004، والملقب بـ (الكلب المسعور) في زيارته الى بغداد، بأن (جيشه سوف لا يغادر العراق هذه المرة. ) هذا اضافة لما سبق واكدت آيلين ليبسون، نائبة رئيس المجلس القومي للاستخبارات التابع لوكالة المخابرات المركزية C.I.A.   بالقول: (بالتأكيد ان العراق بعد صدام لن يكون ديمقراطيا ً وان ذلك قد يستمر سنوات عديدة..ان الديمقراطية عملية بطيئة ولا تحدث بين عشية وضحاها.) ( راجع القدس العربي اللندنية في 16/2/1999 ) لقد جاء هذا التأكيد قبل الاحتلال باربع سنوات.

ان تأريخ حكام العراق، منذ الاحتلال وحتى الان، لا يبشر بأنهم قادرون على نشر الديمقراطية. بل على العكس فبالاضافة الى جهلهم في الحكم انهم شاركوا الاستعمار الامريكي بنشر الحرب من تلعفر في شمال العراق الى الفلوجة والى مدينة الثوره و النجف وحتى البصرة.

من المفيد الاشارة بصورة خاصة الى الحرب في النجف، ضد جيش المهدي لمقتدي الصدر، حين رفض السيستاني معارضته لها بل على العكس وافق على السفر، بطائرة بريطانية، الى لندن بحجة انه مصاب بمرض في القلب، وذلك لكي لا يتم اتهامه بأنه (يشارك العدوان بصمته) كما ذكر التلفزيون البريطاني. والاتعس من هذا التصرف نشر دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع الامريكي اثناء احتلال العراق مذكراته بعنوان Unknown Known يذكر فيها بأنه (اعطى قبل الحرب رشوة مقدارها 200 مليون دولار الى السيستاني لاقناعه على نصيحة اعوانه بعدم معارضة العملية. )

لقد لعبت هذه الحروب دورا ً مهما ً لنشوء وترعرع قوات الدولة الاسلامية (داعش ) لأبو بكر البغدادي التي تمكنت فيما بعد على احتلال الموصل بل كل الشمال الغربي من العراق. ولحد الآن لم تجر محاكمة نوري المالكي، القائد العام للقوات المسلحة حينذاك، ولا محاكمة قادة الجيش الذين سلموا ثلث العراق الى الدواعش دون اطلاق طلقة واحدة.

كلا لم ينشر اعوان امريكا الديمقراطية في العراق بل قاموا بتقسيمه، بحجة الفيدرالية الفاشلة، الى اقليمين متخاصمين ذو عاصمتين في بغداد واربيل. ونال اعوان الاستعمار واسرائيل في اربيل اليد الطولى، حيث سيطروا على رئاسة الجمهورية وعدد مما يسمى بالوزارات السيادية في بغداد ومنعوا الجيش العراقي من دخول اقليمهم وكأنهم يعيشون في دولة منفصلة عن العراق. لم يستفيد الشعب الكردي من هذه الفدرالية ولهذا انهم ينظمون المظاهرات في السليمانية واربيل ودهوك لاجبار حكومة اربيل على صرف رواتبهم على الاقل.

كرئيس الوزراء يشرف حيدر العبادي وشرطته على سير العملية الانتخابية بسلامة. ولكن العبادي برهن بأنه قليل القابلية. فحين تم تعيينه اكتشف بأن جهاز الدولة مملوء بالموظقين الفضائيين ولكنه فشل في القضاء عليهم. ثم قرر ان يلغي منصب نائب رئيس الجمهورية وفشل. من مسؤولية رئيس الوزراء ان يختار او يقيل الوزراء. فقرر ان يأتي بوزارة جديدة من التكنوقراط. ولكنه اعترف بأنه لا يملك حتى هذه القابلية فاقترح على الدكتور مهدي الحافظ ان يختار وزراءه ولكنه فشل ايضا ً. فاضطر الاستمرار مع وزراء المحاصصة، الذين اعترف بأنهم ليسوا اهلا ً لمناصبهم.

شرح الدكتور احمد الزهيري، الخبير في ( المركز الاقتصادي العراقي) تفاصيل مشروع الرئيس ترامب المسمى (اعادة اعمار العراق مقابل النفط) لبناء العراق بكلفة 400 مليار دولار على الاقل. ووافق حيدر العبادي على تنفيذ المشروع بحذافيره. فبعد ان قابل ترامب كتب العبادي في واشنطن بوست في 24/3/2017 بالنص:

(أننا نحتاج لخبرة الولايات المتحدة واستثمارها في الوقت الذي نعيد فيه إحياء اقتصادنا ونجدد ديمقراطيتنا. إنطلاقاً من روح اتفاق 2008 نريد شراكة تتضمن كل أشكال التعاون السياسي والدبلوماسي والعسكري والأمني والتربوي والثقافي.) (لاحظ العسكري والامني) واضاف: (الآن نطلب من الأميركيين مساعدتنا في إعادة بناء بنيتنا التحتية وتنوعنا، والخصخصة الجزئية لاقتصادنا.. نحن بحاجة للاستثمار الأميركي من أجل إعادة إعمار المنازل والمستشفيات والمدارس ومرافق الصرف الصحي والطرقات والجسور. كما أنه يمكننا الاستفادة من الخبرة التقنية الأميركية في تطوير وتوسيع قطاع الاتصالات والمعرفة التكنولوجية والقطاعات الصحية. )

ان هذا التصريح يبين ان العبادي خضع لترامب في كل شئ ، بما في ذلك بقاء الجيش الامريكي وخصخصة القطاع العام المتكون من انتاج البترول بالدرجة الاولى. والخصخصة هنا تعني تسليم قوت الشعب للشركات الامريكية ليس الا. لقد جاء (قانون شركة النفط الوطنية العراقية) تنقيذا ً لهذه الخصخصة. فالانتخابات القادمة لا تزيد عن ما اكده حين كتب: ( نجدد ديمقراطيتنا. انطلاقا ً من روح اتفاق 2008 …)

يكذب العبادي حين يدعي بأنه حقق الانتصارات ضد داعش. لأن الانتصار جاء نتيجة لقيام الطائرات الامريكية بالهدم الكلي للموصل والرمادي وتكريت وبيجي والحويجة، ثم يرجو من المستعمرين الامريكان القيام بـاعادة بنيتنا التحتية فينتقل 400 مليار دولارمن فلوس النفط الى حساب الشركات الامريكية كما ذكر الدكتور احمد الزهيري.

لقد وصف الرئيس الامريكي ترامب حكام العراق بـ (رهط من الحرامية الذين يفرهدون كل شئ ) وهناك العديد من الدراسات القيمة التي تشرح حقيقة الانتخابات القادمة باسوب واقعي. فتحت عنوان (عندما يفرض الغرب الديمقراطية على دول العالم الثالث: العراق نموذجا ً) كتب البروفسور سعد ناجي جواد في رأي اليوم الغراء في 6/2/2018 يقول:

( وبعد اربع عقود ونصف من فشل التجربة البرلمانية العراقية في ظل النظام الملكي جاءت الولايات المتحدة لتحتل العراق ولتفرض عليه نظاما برلمانيا مشوها لا يصل حتى لمستوى التجربة التي فرضتها بريطانيا بعد الحرب الاولى. والحقيقة التي تغيب عن ذهن اغلب المتحدثين عن ما يجري في العراق الان ينسون او يتناسون ان الولايات المتحدة لم تحتل العراق من اجل تدمير أسلحة الدمار الشامل الذي ثبت انها غير موجودة ولا بسبب عدم وجود ديمقراطية فيه او عدم احترام لحقوق الانسان او لإرساء نظام ( ديمقراطي) يوفر حياة كريمة للعراقيين، كما ادعت، وإنما من اجل تدمير هذا البلد العريق الذي كان يمثل بالنسبة لها بؤرة تحدي لمشاريعها وللمشاريع الإسرائيلية. …)

يختتم الدكتور سعد تحليله ويؤكد:

( أعيد وأقول انه بدون وقفة شعبية حازمة سوف يستمر الحال البائس في العراق ولا يحق للعراقيين ان يلقوا باللوم الا على أنفسهم لأنهم هم من يدعمون الفساد، ولو بصورة غير مباشرة، ويرفضون الانتفاض عليه او تغييره بموقف موحد وحازم. )

و تحت عنوان ( في سايكولوجيا تزوير الوعي الانتخابي ومستلزمات النهوض به ) بدأ الدكتور عامر صالح مقالته في مجلة المثقف الالكترونية الغراء في 26/3/2018، العدد 4220 بالقول: ( على مقربة من الأنتخابات البرلمانية العراقية الرابعة والتصارع المحموم على أشده للأستحواذ على السلطة السياسية وتقاسم النفوذ هو سيد المشهد مؤطرا بسلوكيات التنافس أللانزيه للفوز، من محاولات التزوير وشراء الذمم والخداع وكذب الوعود، وصلت الى حد حجز البطاقات الأنتخابية وعدم توزيعها، أو شراء البطاقة الانتخابية من المواطن بملبغ بخس وصلت قيمته 80 دولارا في بعض المحافظات مقابل استخدامها في التصويت لصالح بعض الأفراد والاحزاب… ) بينما كتب الاستاذ جمعة عبدالله في نفس العدد: ( تعودت الكتل وقوائم الاحزاب الطائفية الحاكمة، على الفوضى والتلاعب والاحتيال، في عمليات الترويج الانتخابي . بدون ضوابط محددة تنسق العملية الديموقراطية … وانما تترك الحبل على الغارب في المكر والاحتيال، الذي هو يشذ عن الاصول والقوانين واعراف المبادئ الديموقراطية، وانما تتحول حمى محمومة ومسعورة، على شراء بطاقة الناخب بحفنة من المال . او بحفنة من الوعود العسلية الوهمية، في سبيل اعادة انتخابهم من جديد… من يملك رصيد ضخم من عمليات الشراء لبطاقات الناخبين، يكون ضامن مقعد في البرلمان بكل سهولة، الى جانب حزمة من الوعود العسلية… كأن العراق سيدخل فردوس الجنة بعد الانتخابات مباشرة…)

لقد امتازت الانتخابات هذه المرة بقيام عدد كبير من رجال الدين المعروفين من امثال آيات الله العظمى السادة احمد حسني البغدادي و جواد الخالصي والمالكي والمؤيد بارشاد الناخبين الى مقاطعة الانتخابات بغية رفع مستوى الشعب السياسي وبغية فضح دسائس حكام المنطقة الحضراء.

من الضروري الادراك بأن عملية تحرير العراق من الاحتلال الامريكي والاطلسي تأتي قبل نشر الديمقراطية. وهذه لا تتم الا بوجود منظمة جماهيرية قادرة على العمل الايجابي بكل انواعه ضد الاحتلال العسكري، بالضبط كما جرى بعد الاحتلال مباشرة. وهذا يشمل اسقاط حكومة المحاصصة وتأسيس دولة عراقية جديدة وموحدة تعمل لتنفيذ الاهداف التالية على الاقل:-

1 – تشكيل حكومة مدنية موحدة وقديرة تعترف بأن العراقيين متساوون في كل الحقوق والواجبات دون تمييز. ومنع تقسيم المسؤوليات، بما في ذلك رئاستي الجمهورية والحكومة، حسب النسب القومية او الطائفية او الدينية. عند ذلك فقط يشعر الكل بالمساواة.

2– الغاء العملية السياسية التي وطدت الطائفية والعنصرية. واخلاء سبيل المشاركين فيها.

3 – الغاء الدستور ورفض كل بنوده، بما في ذلك الفيدرالية، وابطال كافة القوانين التي صدرت بموجبه.

4 – حل كافة الاحزاب والمنظمات الانعزالية، القومية منها والطائفية، التي اثبتت على انها تميز قسماً اوعرقاً او طائفة من الشعب دون غيره ومنع قادتها من العمل السياسي.

5 – فصل الدين عن السياسة ومنع المرجعيات، السنية والشيعية، من التدخل في شؤون الدولة.

6 – الغاء كافة المليشيات كالحشدين الشعبي والوطني وسرايا السلام وكفيلق البدر وعصائب الحق وجيش المهدي والبيشمرغة التابعة للحزبين الكرديين ومنظمات الصحوة وما شاكلها.

7 – تكوين جيش عراقي محترف وموحد يقتصر واجبه على الدفاع عن الوطن من العدوان الخارجي.

8 – ربط علاقات الصداقة مع البلدان المجاورة ومع دول البريكس، اي روسيا والصين والهند وافريقيا الجنوبية والبرازيل. لمجابهة القطب الامريكي.

9 – الدفاع عن مطاليب الشعب اليومية كحق العمل وحق الاضراب عن العمل وحرية الفكر وحق الحصول على الطعام والماء والكهرباء والثقافة والصحة. فالى التنظيم ضد الاحتلال والتقسيم والفساد!

فبدون توحيد الجهود وبدون منظمة واعية وجريئة تقابل المحتلين بالمثل لايستطيع الشعب العراقي المظلوم ان ينال الحرية والرفاه ، والى الامام.

البروفيسور كمال مجيد

 

 

في المثقف اليوم