آراء

مجلس نواب الشعب التونسي واغتيال القانون

alarabi benhamadiلعديد الناس، وانا من ضمنهم، تحفظات على اداء هيئة الحقيقة والكرامة، منها، انه لا يصح تناول اشكاليات على غاية كبيرة من الحساسية والاهمية عن طريق الاعلام، المشكوك اصلا في حرفتيه وحياديته، اضافة الى احساس اخرين وكانّ الهيئة غير محايدة ويقصدون بذلك انحيازها الى ضحايا حركة النهضة الاسلامية.

لكن كل هذا لا يبرر حملة الشيطنة التي تتعرض لها الهيئة من بعض الاطراف...

فكأنّ فساد تونس كله محصور في هيئة الحقيقة والكرامة، وبالذات في رئيستها، وكأنّ الجميع يحترم قوانين البلاد الا سهام بن سدرين التي تدوس عليها صبيحة ومساء، وكأن الهيئة هي الجهة الوحيدة التي قسّمت الشعب وزرعت بذور الفتنة، وبالتالي باختفاء الهيئة ستسترجع تونس عافيتها المالية ويُطبق فيها القانون ويصبح الناس في وئام وانسجام.

وبالفعل فما أتاه السيد محمد الناصر رئيس مجلس نواب الشعب من انتهاك فاضح للقانون الاساسي لهيئة الحقيقة والكرامة، وخاصة في فصله 18 (الذي ينص ان التمديد من عدمه في عمل الهيئة هو من صلب صلاحياتها) وللنظام الداخلي لمجلس نواب الشعب وخاصة في فصله 125 (الذي ينص على ان الغالبيةالمطلوبة للقوانين الاساسية هو109 أصوات على اقل تقدير) هو بداية الغيث حيث اغتيل القانون في مكان ولادته اي البرلمان التونسي.

شخصيا، اعرف سهام بن سدرين منذ عقود كمناضلة شرسة ضد الدكتاتورية، واذكر فقط انه في التسعينات قَدِمت على سيارتها، بمفردها، الى مدينة قبلي في اقصى الجنوب التونسي ، لا للسياحة الصحراوية كما قد يتبادر للأذهان، بل لتجديد هيئة فرع قبلي للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان الذي تم في مستودع لسيارة احد المواطنين تسوغه الفرع، بحضور عدد محتشم من المنخرطين، على غير العادة، نظرا لاشتداد قبضة النظام في تلك الفترة. كما قَدِمت السيدة سهام في مناسبتين أخريتين، على الاقل، للقيام بنشاط اعلامي وثقافي قاطعة ال500 كم الفاصلة بين قبلي والعاصمة. اما اتهام رئيسة الحقيقة والكرامة بالتعاون مع الصهيونية فهي تبعث على الاحتقار لانها تهمة جديدة متجددة صدرت سابقا عن ابواق بن علي وتصدر اليوم عما كانوا متمترسين في الصف الثالث من نظام هذا الاخير وفي الصف الاخير خلال التصفيق.

ان ادعاء البعض انهم يقفون بجانب العدالة الانتقالية وفي نفس الوقت ضد سهام بن سدرين يذكرني بموقف منظمة العفو الدولية من نظام بن علي، في فترة التسعينات... لقد طلبت من النظام، في ذلك الوقت، الكف عن سن مزيد من القوانين لصالح حقوق الانسان، ملاحظة ان في كل مرة ينضاف قانون جديد لصالحها الا ويزداد انتهاكها.

والصورة البائسة التي ظهر عليها نائبات ونواب نداء تونس، خلال تناولهم ملف هيئة الحقيقة والكرامة، بتاريخ 24 و25 و26 مارس، بمجلس نواب الشعب، هي، تقريبا، الصورة التي بقيت عالقة بذهني، منذ تسعينات القرن الماضي، بدار الثقافة بقبلي، عندما جنّد النظام، في ذلك الوقت، ثلة من انصاره للسيطرة على فرع قبلي لحقوق الانسان، وكان المستهدف هو رابطة حقوق الانسان ككل التي بقيت حجر عثرة في طريقه بعد ان دجّن كل شيء يتحرك. لكن في تلك الفترة لم يطالبوا براس رئيس الفرع بل طالبوا بما لايقل عن 4 اعضاء على 7 .

وبالتالي فالمستهدف بدرجة اولى هو مسار العدالة الانتقالية الذي قض مضاجع الجلادين واثار حفيظة المنظومة السابقة، اما سهام بن سدرين فهي تمثل رمزا يّذِكّر من يهمه الامر، بفترات غير مشرفة من تاريخه.

والتكتيك المتمثل في تشويه الرموز والانتقام منها واغتيالها معنويا وبالتالي طمس التاريخ وسد الطريق على اي تغيير جوهري في الافق، ليس بجديد، والجميع يذكر الحملة المسعورة البذيئة التي طالت رئيس الجمهورية السابق المنصف المرزوقي.

الخلاصة انه بعد ما شهدنا من خرق فاضح للقانون في رحاب مجلس نواب الشعب وبعد امتناع الحكومة عن تخصيص ميزانية للحبر الانتخابي فان الانتخابات القادمة قد تكون مهددة بصفة فعلية وهو حلم يراود البعض لانه من تربى على شيء شاب عليه كما قال القدماء.

 

العربي بنحمادي

 

 

في المثقف اليوم