آراء

قانوني النفط والغاز وشركة النفط الوطنية.. قصة حياة مؤامرتين

صائب خليل

يتساءل الكثيرون: هل يعترض شخص وطني على انشاء "شركة وطنية"؟ وهل يعترض أحد على وضع قانون للنفط والغاز؟

الحقيقة هي أن قانون شركة النفط الوطنية، مثل "قانون النفط والغاز"، ليسا اسمان، بل قصتان من قصص الصراع بين جانب يريد الحفاظ على ما تبقى من أموال الوطن للشعب، ومن يريد نهبها وتقاسمها.

ولكي نفهم تلك القصتين، يجب ان نتعرف على الخطوط العريضة التالية:

أولاً هناك صراع مرير يدور منذ الاحتلال وحتى اليوم، داخل أروقة وزارة النفط ومجلس الوزراء ومجلس النواب وحكومة كردستان، لتحديد قوانين النفط، مثل قانون النفط والغاز، وقانون شركة النفط الوطنية، رغم أن هذا الصراع غير مرئي لغير المتابعين.

ثانياً الصراع بشكل عام بين جبهتين: جبهة وطنية يمثلها الأستاذ فؤاد الأمير وأحمد موسى جياد وحمزة الجواهري وآخرين، وجبهة الشركات الأجنبية التي تقوم كردستان بتنسيقها وأهم شخوصها في بغداد هم عادل عبد المهدي والدكتور إبراهيم بحر العلوم والشيخ عدنان الجنابي.

ثالثاً الرافضون للقانون لا ينطلقون من رفض انشاء "شركة نفط وطنية" بل العكس، هم من الذين سعوا لوضع مثل هذا القانون.

رابعاً القانون الحالي لا علاقة له بقانون شركة النفط الوطنية القديمة ولا بمقترح الوزارة للقانون، وإنما تم تدبيجه في ليلة مظلمة في أروقة لجان مجلس النواب، وتم تمريره باسم القانون السابق بطرق لم تكشف اسرارها حتى اليوم.

خامساً تم تمرير القانون بشكل سريع بشكل غير معتاد مستفيدين من فوضى البرلمان وجهل النواب العام والفوضى المضافة نتيجة نهاية الفصل التشريعي ومناقشات الميزانية، ونشرت مراحله المختلفة متأخرة على صفحة المجلس ولم ينشر بصيغته الرسمية النهائية حتى الآن. كذلك قام رئيس الجمهورية بتوقيعه بسرعة قياسية ملفتة للنظر، وفور وصوله إلى الرئاسة! علماً أن الرئيس معروف بتأخيره أي قانون، خاصة إن كان ضروريا ومفيدا للوطن!

سادساً فيما يتعلق بقانون النفط والغاز، وبفضل أمانة وبسالة ومهنية الجبهة الأولى، لم تتمكن جبهة الشركات – أو لم يتمكن الاحتلال، من تحطيم قطاع النفط كما كان له الأمر في القطاعات الأخرى مثل البنوك والصناعة وغيرها. وبقي قطاع النفط عصياً إلا في كردستان حيث تعطى الشركة أربعة أضعاف ما تعطيه عقود الحكومة الاتحادية لأنها وقعت عقود "مشاركة أنتاج" سيئة الصيت، وفضائح أخرى مهولة كشفها الأستاذ فؤاد الأمير وكتبنا عنها في الماضي..

سابعاً بفضل الجبهة الوطنية المذكورة وتصديها، فشلت حتى الآن كل المحاولات لدفع بغداد لتوقيع عقود مشاركة انتاج، فكل عقود التراخيص "عقود خدمة" وهي عقود جيدة ليس فيها أية إشكالات كبيرة، رغم كل ما تم تشويهها به في الاعلام في سعي محموم لتغييرها إلى صيغة "مشاركة الإنتاج" أسوة بكردستان. لقد كتبت مؤخراً ثلاث مقالات لشرح ذلك لمن يحب الإطلاع. ولا بد أن نذكر هنا أن الجبهة الوطنية تمكنت من فضح عقود مشاركة الإنتاج إلى درجة أصبح غير ممكنا دفاع أعضاء جبهة الشركات عنها فصاروا يتخذون الموقف المؤيد لعقود الخدمة علنا، ويسعون بكل الحيل الممكنة للدفع بعقود مشاركة الإنتاج أو ما يشبهها.

موجز قصة حياة قانون النفط والغاز

بدأ الصراع على قانون النفط والغاز كما ذكرنا منذ بداية الاحتلال وكانت اميركا تتدخل في الامر أحيانا بشكل مباشر وتسعى إلى توقيع أكبر عدد ممكن من القوانين قبل ان ينتبه العراقيون لما يجري تحت البساط.

ففي مقالة لي بعنوان "النفط العراقي وتساؤلات حول الخصخصة والاستثمار وعقود الشركات الكبرى" عام 2006، نشرت نصاً لحديث كريك موتيت، أحد أهم متابعي ملف النفط العراقي، يقول فيه: "يبدو أن الأمور تتحرك بسرعة الآن. أثناء زيارة الرئيس جورج بوش الأخيرة إلى بغداد، كان النفط إحدى القضايا الرئيسة التي ناقشها. وفي الأسبوع الماضي، طالب وزير الطاقة في إدارة بوش، سام بودمان، بوضع قانون عراقي للنفط يوضح قوانين الاستثمار الخاص."

ثم يضيف موتيت: " في الوقت الراهن، تقوم السفارة الأمريكية وغيرها من عناصر الإدارة الأمريكية بتكثيف جهودها الرامية إلى التأثير على صياغة قانون النفط- في الوقت الذي لا زالت فيه 130.000 من القوات الأمريكية متمركزة في العراق. وهذا استخدام غير منطقي، وربما غير قانوني، للجبروت العسكري."... "وفي مثل هذه الظروف، يستحيل على الحكومة التوصل إلى صفقة في صالح الشعب العراقي. ومع ذلك، إن تم إبرام العقود، فسيضطر العراق للالتزام بها لعشرات من سنين المستقبل."

وقال موتيت أن صندوق النقد الدولي يضغط على العراق لسن قانون للنفط قبل نهاية السنة الحالية من اجل توقيع عقود مع "شركات النفط الكبيرة" من نوع " اتفاقية مشاركة الإنتاج " سيئة الصيت التي هي "موضوع جدل كبير بسبب الايراد الضئيل الذي تقدّمه للدولة" ويلاحظ "أن نفس الأفراد الذين شجعوا على توقيع اتفاقيات مشاركة الإنتاج في روسيا ودول أخرى مثل كازخستان واذربيجان، هم من يدفع نحو استخدامها في العراق.". وقد تم بالفعل التوقيع على أربع عقود منها بين حكومة كردستان الإقليمية وشركات نرويجية وتركية وكندية. ولأن اتفاقيات مشاركة الإنتاج تدوم عادة لثلاثين أو أربعين سنة، فأنها ترهن مستقبل البلاد بأيد اجنبية وتضحي بسيادته على موارده نهائياً."

وضعت حكومة اقليم كردستان، في 2006 مسودة قانون النفط والغاز لإقليم كردستان، واعتمدت صيغة “المشاركة بالإنتاج” كأساس لعقودها، وتمكنت من استغلال الثغرات العديدة الموجودة في الدستور العراقي الى أكبر درجة ممكنة، إضافة الى العلاقات، لتثبيت استقلالية الإقليم وللسيطرة على "المناطق المتنازع عليها"

ولم تكمل بغداد مسودة القانون الاتحادي للنفط والغاز إلا عام 2007، ولم يتم نشرها، وإنما تم تداولها بصورة محدودة جداً و"بسرية" تامة. وقد أجهض التحالف الكردستاني تلك المسودة باعتبارها "بعثية وقومية"، لأنها لم تكن تحقق كل مطالبه رغم ظلمها، فكان يريد المزيد. نواب الكتلة الكردستانية، لم يتمكنوا من الحصول على أي دعم كان لمسودتهم الأسوأ في تاريخ العراق، كما يصفها فؤاد الأمير.

وحاولت لجنة النفط والطاقة وكانت برئاسة عدنان الجنابي استباق مسودة وزارة النفط الجيدة، وأن تعرض على مجلس النواب للتصويت، مسودتها الأقرب الى طموحات الشركات (وإن لم تكن بسوء مسودة كردستان). وقد أعطى هذا الخلاف نواب التحالف الوطني الوقت اللازم لدراسة الموضوع وإسقاط المقترح بالانسحاب من الجلسة وهكذا "تخلص العراق من أتعس وأكثر صيغة ضررا للعراق لقانون النفط والغاز." حسب الأستاذ فؤاد الأمير.

قصة حياة قانون شركة النفط الوطنية

أنشأت شركة النفط الوطنية العراقية عام 1964 لتكون نواة لجهد وطني لاستغلال عراقي للثروات النفطية التي استعاد أراضيها قانون 80. وفي عام 1987 ألغى مجلس قيادة الثورة الشركة وادمجها بوزارة النفط حيث "لم يعد هناك مسوغ لوجودها"، وفق الأستاذ عارف معروف.

ويذكر الأستاذ فؤاد الأمير في وثيقة قيمة نشرها مؤخراً أنه، بعد الاحتلال، واستنادا إلى تصريحات الدكتور بحر العلوم ذاته، فأن لجنة النفط والطاقة، كانت تضغط على الحكومة منذ زمن، لإرسال مسودة لقانون شركة النفط الوطنية العراقية إلى مجلس النواب للتصويت عليها. واخيراً تم إرسال مسودة القانون إلى البرلمان في نيسان ٢٠١٧.

لكن اللجنة رفضت تلك المسودة، وعملت لمدة تسعة شهور على إعداد القانون الجديد، من خلال لجنة ثانوية برئاسة الدكتور بحر العلوم، وفي شباط ٢٠١٨ قدمت اللجنة قانونها بالفعل وتمت كما يبدو مناقشته واقراره رغم تعقيده وأهميته، ورغم التغييرات الجذرية التي أجريت فيه، في مدة قياسية هي اقل من شهر واحد!

يستغرب فؤاد الأمير أن وزارة النفط (ومجلس الوزراء) لم يبديا أي اعتراض على تغيير الصيغة التي قدمتها. بل ساهمت الوزارة بإيهام الناس بأن ما يتم التصويت عليه هو مقترحها للقانون. فقام موقع وزارة النفط قام بنشر خبرين في 5/3/2018 (أي في نفس يوم موافقة مجلس النواب). الأول نشر في الصباح، وعبر فيه وزير النفط عن امله باستكمال النصاب القانوني لجلسة مجلس النواب من اجل التصويت على فقرات القانون وإقراره. وذكر الوزير فيه “ان وزارة النفط أنجزت في وقت سابق من العام الماضي مسودة قانون شركة النفط الوطنية العراقية وعرضته على مجلس الوزراء الذي صوت عليه في الرابع عشر من آذار ٢٠١٧ وتم إحالته بدوره إلى مجلس النواب للتصويت عليه وإقراره…مثمناً دور وجهود رئيس وأعضاء لجنة النفط والطاقة النيابية وحرصهم على الإسراع بعرض الموضوع على مجلس النواب للتصويت عليه”.

فوزير النفط، يرحب، ويتحدث كأن مجلس النواب بصدد التصويت على القانون المقترح من وزارة النفط ومجلس الوزراء! والفرق بين الاثنين شاسع وأساسي، ويمثل إضافات مهمة وخطرة سبق أن تم مناقشة بعضها ورفضها في وزارة النفط، فلم تدرج في مسودتها، حسب الأمير.

وفي مساء ذات اليوم أكدت الوزارة موقفها الغريب فنشرت "التهنئة والتبريكات للشعب العراقي" للتصويت على القانون، مؤكدا “بأن الوزارة سوف تتخذ الإجراءات والخطوات المناسبة لتطبيق القانون”!! (رغم أنه لم ينشر في الجريدة الرسمية بعد ليعد نافذاً، ولا حتى على صفحة مجلس النواب!!).

أي اننا هنا أمام وزير أما لا يعلم بما حصل للقانون وهذا مستبعد، او أنه مع هذا التغيير وضد مسودة وزارته ومجلس الوزراء، وهو يتصرف كأنه عضو في اللوبي الذي ضغط من اجل المسودة، وهذا يضيف غرابة أخرى إلى غرائب امرار هذا القانون!

إننا نرى أن قانون "شركة النفط الوطنية" الذي تحيط نصه وعملية تمريره، الكثير من الأسئلة، لا يمكن ان يفهم إلا كمرحلة في صراع النفط الصامت الذي قدمنا نبذة موجزة عنه، والذي يخوضه الجنود المجهولون من خبراء النفط، مقابل لوبي الشركات الدولية ومؤسسات المال الكبرى.

 

صائب خليل

 

في المثقف اليوم