آراء

لماذا فشلت "المُعَارَضَة" في تحقيق التغيير في الجزائر؟

eljya ayshفي الفلسفة السياسية لا يوجد حاكم سواء كان رئيسا أو ملكا يطبق "نظرية الحق والعدالة" لأن أنظمة العالم الثالث ما تزال تعمل بأوامر خارجية، وتمارس مهامها بقوانين أجنبية، والديمقراطية عندها لم تنضج بعد، فكلما كلما يأتي رئيس جديد، إلا ويخضع الدستور الجزائري إلى التعديل، كما يلاحظ أن كل دستور يأتي مفصلا على مقاس الرئيس الذي يأتي، وسواء كان دستور بن بلة أو دستور بومدين، أو دستور بن جديد، ثم دستور الذي خلفه، والذي جاء بعده.. إلى غاية دستور بوتفليقة، فكل المؤشرات تقول أن الدساتير الجزائرية لم يكن للشعب فيها السلطة المطلقة في اختيار نهجه السياسي أو الاقتصادي، فالخطاب الذي توجه به الرئيس الشاذلي بن جديد في أكتوبر 1988 كان بمثابة إعلان عن دخول الجزائر أهم منعطف تاريخي بعد حرب التحرير والاستقلال، توعد فيه بإحداث تغييرات عميقة تهدف من خلالها إلى استعادة للشعب سيادته، وحتى يبدوا أمام الشعب أنه زعيم الديمقراطية في الجزائر، قال الشاذلي بن جديد في خطابه أن دستور 1986 عبارة عن دستور برنامج، لكنه أصبح عبئا على الشعب، لأن بنوده المستوردة تتنافى مع طموحات الشعب سياسيا واقتصاديا، خاصة وقد لجم هذا الدستور النقاش السياسي وقزّمه، ولم يمض وقت حتى خرج الشاذلي بن جديد بدستور جديد، وخيّطه على مقاسه، أو ربما سلم له مفصلا على مقاس من فصّلوه من وراء البحر، ما يلفت الانتباه..

الملاحظون قالوا أن الاستفتاء الشعبي الذي آجراه الشاذلي بن جديد في نهاية الثمانينيات كان بداية دخول الجزائر عهدها الجديد بعد ولادة "الجمهورية الثانية"، لكن الواقع أن عهدة الشاذلي بن جديد كانت بداية الجمهورية الثالثة، إذا قلنا أن عهدة الرئيس أحمد بن بلة كانت بداية الجمهورية الأولى بعد الاستقلال، ثم خلفه الرئيس هواري بومدين، عقب أحداث 19 جوان 1965 ، لكن جمهورية الشاذلي فشلت انطلاقا من أحداث الربيع الأمازيغي في 1980، ثم انتفاضة 05 أكتوبر 1988 مرورا بأحداث 1982، وتوجت بالعشرية السوداء، (ونعتذر عن عبارة توجت)، السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو: ماذا يراد بمفهوم الجمهورية؟، هل تعني التداول على السلطة وتحديد العهدات الرئاسية؟، ونحن نرى الرئيس الحالي ممسكا بأسنانه ويديه كرسي الحكم لرابع عهدة، بالرغم من الظروف الصحية الصعبة التي يمر بها، والتي لا تسمح له بإدارة شؤون الدولة، فأين هو مشروع الجمهورية الذي رسمه بيان أول نوفمبر 1954؟، وأين هو مشروع الجمهورية الذي رسمته الدول المتقدمة التي تحترم نفسها وشعبها، ودستورها وقوانينها، ولا تمارس معهم الخداع على الطريقة الميكيافيلية.

على الذين يدعون إلى عهدة خامسة وإبقاء الرئيس في الحكم أن يعيدوا النظر في قراراتهم، خاصة وأن الوضع السيئ في البلاد يزداد تأزما وتعقيدا، وخير دليل حالة الانسداد الذي تعيشه المنظومة الصحية والتربوية في الجزائر، و تصعيد النقابات احتجاجاتهم، وتسريح العمال بسبب إفلاس الشركات، إذ لا يمكن أن يحكم رجل مقعد دولة حتى لو كان في كامل قواه العقلية، لأن الجزائر تواجه تحديات على كل المستويات، في ظل الأزمة الخانقة التي تمر بها البلاد، ومن جهة أخرى ثمّة شيئ يطرح سؤالا عن سر التعديلات وزير لم يمض على تعيينه أشهر قليلة واستبداله بوزير آخر، لدرجة أن معظم الشعب الجزائري لا يعرف من هم وزراء الدولة ، عادا الوزير الأول، حتى الذين شغلوا هذا المنصب لم ينجوا من عملية التحويل أو الإقالة عندما يستلزم الأمر، ولعل الوزراء المقالون هم أولئك الذين يفتحون ملف الفساد من أجل تطهير مؤسسات الدولة من هذه الظاهرة ( الفساد)، والويل لمن يتحدث عن الوزارات السيّدة، فهذه الأخيرة رسمت على بوابتها خطا أحمر يمنع كل من يريد أن يظهر لسانه ويقول من أين لك هذا؟، شعار رفعه من سبقوهم في الحكم ولكنهم أقيلوا، بل تم نفيهم إلى مكان مجهول، ومنهم من قضى سنوات في السجن، لأنه قال كلمة حق، أراد بها إرضاء ضميره وخدمة الصالح العام .

واليوم تطالعنا الصحف الوطنية بالتعديلات الحكومية التي أقرها رئيس الجمهورية، والتي مست أربع وزارات، وهو عبارة عن تعديل جزئي فقط، وقد تمتد هذه التعديلات إلى وزارات أخرى، ماعدا الوزارات ذات السيادة كوزارة الدفاع، باعتبار أن رئيس الجمهورية هو وزير الدفاع، في جميع الحالات لا يمكن طبعا أن يقيل وزير نفسه بنفسه ( هنا تتحول الإقالة إلى استقالة) ، كما أنه لن يسمح لنائبه الجلوس مكانه على كرسي الحكم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإجراء تعديلات في هذه الوزارة هي بمثابة انتحارا له، خاصة وأن المعارضة مصرة على ضرورة تطبيق المادة 102 المتضمنة إيجاد خليفة للرئيس في حالة إذا ما لم يعد قادرا على مزاولة مهامه كرئيس، لاسيما والظرف الصحي الذي يمر به بوتفليقة لا يسمك له الإستمرار في الحكم وهو مقعد على كرسي متحرك، حيث ترى المعارضة أن هذا المطلب شرعي، وترى أن التغيير في البلاد لن يحدث، طالما الوجوه القديمة والتي أكل الشيب رأسها باقية، في رسالة وجهتها إلى دعاة العهدة الخامسة، الذين يريدون الحفاظ على مصالحهم والبقاء في مناصبهم.

الغريب أنه في ظل الظروف القاسية التي تمر بها البلاد وما يهددها من أخطار، نقرأ على صفحات التواصل الإجتماعي رسائل التهاني للوزراء الجدد الذين حظوا بثقة الرئيس، أرسلها "الطامعون" عفوا "الطامحون" في الوصول إلى الحكم، السؤال الذي يطرح اليوم هو: لماذا فشلت المعارضة في تحقيق التغيير في الجزائر؟ ألأن الذين في الحكم معينون بقرارات خارجية (من وراء البحار) وهم ملتزمون بتطبيق ما يقرره هؤلاء؟ ، أم أن الدولة الجزائرية تسيرها فئة معينة ( clan) حتى لا نقول عصابة، ثم أن التعديلات الوزارية في زمن قصير جدا أصبحت سُنَّةٌ، من لا يرضى عنه الرئيس يُقالُ ويُبْعَدُ، وعلى الوزراء الذين يريدون الثبوت في مكانهم أن يلتزموا بطاعة أولي الأمر( الخليفة)، والخروج على سلطته كفرٌ..، الواقع وفي الفلسفة السياسية لا يوجد حاكم سواء كان رئيسا أو ملكا يطبق "نظرية العدالة" ، لأن أنظمة العالم الثالث ما تزال تعمل بأوامر خارجية، وتمارس مهامها بقوانين أجنبية، والديمقراطية عندها لم تنضج بعد، وقد فسر بعض المفكرين، الامتثال لقانون غير عادل، كتعريف للديمقراطية في حكم الأغلبية، الحقيقة أن الجزائر في حاجة إلى رجل قويّ، ثم ما العيب في أن يكون لنا رئيس شاب، وطالما الجزائر تتغنى بالديمقراطية، أليس من حق كوادر الدولة من الشباب خريجي الجامعة الجزائرية أن يترشح لمنصب رئيس الجمهورية؟، هو سؤال موجه لقادة الأحزاب السياسية الموالية للسلطة وصاحبة الأغلبية في البرلمان والمجالس المحلية، وفي مقدمتها حزب جبهة التحرير الوطني، لاسيما وهذا الحزب لم يتحقق على يديه مشروع "التشبيب" الذي وعد به الشباب في كل مناسبة وطنية وفي كل المراحل الانتخابية .

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم