آراء

لو كنت مرجع ديني ماذا ستقول بشأن الانتخابات تعتقد ان بيان الجمعة لم يأتي به؟

محمد كريم الساعديبعد انتظار وترقب لخطبة الجمعة وما يأتي فيها من نقاط حول الانتخابات البرلمانية التي ستسهم في توضيح العديد من الامور وخصوصاً في اللغط الدائر حول (المجرب لا يجرب)، وما تبعة من حملات ضد عدد من المرشحين، وكانت وسائل الاتصال الاجتماعي متأهبة لتلقف ما سوف يأتي في خطبة الجمعة، وتعد هذه الوسائل وخصوصا (الفيس بوك) الاكثر فاعلية في الساحة الاجتماعية العراقي، والرأي الذي سينتج فيه سيكون اشبه بالمعيار الذي يوضح في اغلب الاحيان توجه الجمهور حول اي حدث مرتقب، وما يدلى به من أراء متنوعة بعضها لأشخاص يمتلكون مؤهلات علمية واجتماعية قادرة على توجيه الحوار الاجتماعي بطريقة سليمة، أو ابداء رأي واضح لمن اختلطت عليه الامور، وكذلك يوجد في هذه الساحة الاجتماعية الافتراضية عدد كبير من المشاركين الذين من الممكن ان يكونوا بعيدين عن تبني رأي سليم، أو يصبحون أداة لنقل الاقاويل التي تعقد المشهد في هذه الساحة الافتراضية، وايضا يوجد نوع ثالث من الممكن ان يكون قارئ جيد دون ان يدلي برأي معين كونه قد يندرج ضمن الاغلبية الصامتة التي تهتم بأمور بعيدة عن الوضع السياسي .

لقد كانت خطبة الجمعة وبيانها ومن أبرز هذه الاحداث التي كانت الساحة (الفيسبوكية) تنتظرها، والتي تناولت قضية الانتخابات في العراق ووضع خارطة طريق للناخب قبل موعد الانتخابات القريب جداً، وجاءت الجمعة التي وافقت (الرابع من أيار 2018)، إذ قرأ ممثل المرجعية الدينية في العراق بيان في الخطبة الثانية عن الانتخابات في العراق، وذكر فيها ثلاثة نقاط هي ابرز ما جاء في هذه الخطبة وهي كالآتي:

1- التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة عبر الرجوع الى صناديق الاقتراع من اجل تقرير المصير، لكن بشروط منها:

- أن يكون القانون الانتخابي عادلاً يرعى حرمة اصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها.

- أن تتنافس القوائم الانتخابية على برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية قابلة للتنفيذ بعيداً عن الشخصنة والشحن القومي او الطائفي والمزايدات الاعلامية.

- أن يُمنع التدخل الخارجي في أمر الانتخابات سواء بالدعم المالي أو غيره، وتُشدّد العقوبة على ذلك.

- وكذلك وعي الناخبين لقيمة اصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد فلا يمنحونها لأناس غير مؤهلين ازاء ثمن بخس ولا اتّباعاً للأهواء والعواطف او رعايةً للمصالح الشخصية او النزعات القَبلية او نحوها.

2- وأيضاً جاء في البيان ان المشاركة في هذه الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية، وليس هناك ما يُلزمه بممارسة هذا الحق .

3- أن المرجعية الدينية العليا تؤكد وقوفها على مسافة واحدة من جميع المرشحين ومن كافة القوائم الانتخابية .

كما نوه البيان في اشارة ضمنية الى الفترات السابقة والادارة السيئة للسلطة في العراق) .

وبعد البيان مباشرة اصبحت وسائل الاتصال مساحة نقدية (مع أو ضد) هذا البيان ومدى وضوحه في الاشارة للانتخابات، أو غموضه وجعل البعض من افراد المجتمع في حيرة، والعديد منها بادر للاعتراض على بعض النقاط التي اعتقد اصحاب الاعتراض ان البيان لم يأتي بها. ومن هنا حاولت ان أعرف ماذا يريد المعترض على البيان، فبحثت في عدد من صفحات الفيس بوك وكأنني ابحث عن الاجابة للسؤال الآتي: (لو كنت مرجع ديني ماذا ستقول بشأن الانتخابات تعتقد ان بيان الجمعة لم يأتي به؟) وبعد الاطلاع على العديد من الصفحات المعترضة وأبعاد ما هو خارج هذا السؤال، توصلت الى عدد من الاعتراضات أستطيع ان أجمل اغلبها وليس جميعها ولكن المهم من هذه المطالب، والتي جاءت على نوعين :

النوع الأول: طالب المعترضون بأن يتضمن بيان المرجعية (الكشف عن الاسماء الفاسدة وتسميتها علناً في منبر خطبة الجمعة. والدعوة الى أنتخاب المرشحين من المستقلين الحقيقيين وليس القوائم التي تدعي استقلاليتها وهي مساهمة في ادارة السلطة سابقاً في العراق . والدعوة الى مقاطعة الانتخابات من خلال عدم الذهاب في يوم الاقتراع، أو الذهاب ووضع علامة "اكس" على الورقة كي نستطيع ان نجذب الرأي العالمي والامم المتحدة بأننا من الرافضين للعملية الانتخابية، وما هي المسافة التي يدعو لها البيان فهل المسافة نفسها بين الصالح من المرشحين والفاسد منهم واحدة). وفي النقطة الاولى حول كشف الاسماء الفاسدة، وهنا يطرح سؤال هل ان الشعب العراقي بعيد عن الفاسدين ؟ وخصوصا وأن الناخب لا ينظر الى كل من المرشحين السابقين في العراق بإمكانه ان ينظر في سيرة ابناء محافظته الذين شغلوا مقاعد النواب عن المحافظة التي يسكنها ويرى ان كان صالح ام طالح، وكذلك انتخاب من هو مستقل، أو القوائم المستقلة، وأن لم توجد فالخيار للناخب بالمشاركة أو المقاطعة، أو الذهاب الى مراكز الاقتراع ووضع علامة (اكس) وهذا الشيء لا يحتاج الى رأي خطبة الجمعة رغم ان البيان اعطاك الخيار في ذلك، أما المسافة ففي هذا المجال تستطيع انت كناخب تحديد هذه المسافة ومن هو الصالح والفاسد من المرشحين، لأن البيان يريد في المسافة بين كل العراقيين وليس بين سين ومن المرشحين وصاد منهم .

النوع الثاني: فجاءت اجاباتهم هدامة للعملية السياسية برمتها مطالبين المرجعية ان تضع في خطابها عدد من النقاط ومنها:) حل الحكومة والبرلمان ومجالس المحافظات والاقضية وكذلك الغاء الدستور وتشكيل حكومة انقاذ وطني، كذلك حل وحضر جميع الاحزاب السياسية والمنظمات الدينية ذات الطابع السياسي وعدم العمل بها لحين اقرار قانون الاحزاب مع تكليف مجلس شورى الدولة والمحكمة الاتحادية العليا بوضع دستور مؤقت للبلاد، وتكليف المجلس الاعلى والقضاء العراقي بتشكيل محكمه جنائية وطنية عليا يحال لها كل من تسلم مسؤوليه من ٢٠٠٣ الى غايه تشكيلها للتدقيق والتحقيق معهم. والاستعانة بالأمم المتحدة ومنظماتها وكذلك المجلس الاعلى للقضاء الوطني العراقي لوضع قانون انتخاب واضح وصريح، وهيكلة واعادة تشكيل الجيش الوطني العراقي والأجهزة الامنية كافة في وزارتي الدفاع والداخلية وتنظيفها من الدخلاء والطارئين، وتشكيل حكومة انتقالية ومنتقاة من ذوي الكفاءات وتستمر لمدة اربعة سنوات وتكون لديها حصانة كاملة ومطلقة ومن ثم تُجرى انتخابات بعد اربعة سنوات يشترك فيها فقط حملة الشهادات من الدبلوم فأعلى وبعدها تُجرى انتخابات يشترك فيها حملة الشهادات الإعدادية) في هذه النقطة الثانية تأتي بعض الاجابات للرد عليها على وفق ما يأتي:

1- في بعض هذه الأمور أن المرجعية لها سلطة معنوية ورأي مهم لكن غير ملزم في حل الدولة ومؤسساتها وهذا الرأي لا يأتي بالحل بالسرعة، بل في اطار توقيتات زمنية قد تطول وقد لا تأتي بثمارها السليمة في ظل المتغيرات الدولية والاحداث المتغيرة وخطر الارهاب وداعش الذي لم ينتهي كلياً في العراق .

2- في هذه المطالب يحتاج العراق الى تدخل الامم المتحدة والمجتمع الدولي الذي رعى هذه العملية السياسية في العراق، وأن العراق لم يخرج من سلطة الاحتلال وغيرها من الشروط التي وضعت عليه قبل اسقاط النظام السابق وبعده الا بموافقة الامم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية العاملة فيه، وهذا التدخل لا بد ان يأتي بتوافق دولي وهو صعب في ظل الصراع الدولي الراهن بين الدول الكبرى، وإعادة توزيع النفوذ الدولي .

3- الجيش ومؤسسات الدولة الامنية ومن ضمنها الحشد الشعبي المقدس هي مؤسسات فاعلة ساهمت من خلاص العراق من داعش ومطلب حلهم او أعادة هيكلتهم يذكرنا بما قام به بريمر وما حصل في العراق من صراع طائفي فالجيش لكل العراق واثبت في الحرب ضد داعش وطنيته .

4- اقرار قانون انتخابات وقانون الاحزاب وغيرها من القوانين التي تلاحق الفاسدين فتوجد عدة امور يستطيع الناخب، أو المجتمع العراقي في السعي لتحقيقها ومنها التغيير من خلال صناديق الاقتراع، أو من خلال التظاهرات السلمية التي يجب ان يشترك فيها كل ابناء الشعب وليس جهة معينة، أو أتباع طرق قانونية أخرى من خلال تشكيل جبهات قانونية تقود هذا الصراع ضد هذه القوانين والضغط لإقرار قانون الانتخابات والاحزاب وغيرها بشرط ان تكون هنالك ارادة وطنية وشعبية ووعي بمصلحة البلاد .

وأخيراً تبقى هذه الوسائل الاجتماعية وسائل مهمة في ابداء الرأي لابد ان يؤخذ بها كونها مؤثرة في تشكيل الوعي الاجتماعي والسياسي، وهي اصبحت ساحات تعبير وانتقاد لكل ما في الدولة العراقية واتجاهاتها الدينية والسياسية والاقتصادية وحتى الاخلاقية ومن الممكن أن تستخدم ضد أي جهة دون استثناء كون هذه المساحة الافتراضية في التعبير ساهمت في اسقاط دول ومؤسسات، فلابد من أن يكون الرأي فيها له اهميته ومكانته المحترمة في المؤسسات العاملة في العراق .

 

الاستاذ الدكتور محمد كريم الساعدي

 

 

في المثقف اليوم